قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

حين كتبت في هذا المنبر عن آخر الحلول
التي يبدو اننا لن نجد مفرا منها لمنع جريمة توظيف الأموال وهي عقاب
المودعين وليس فقط النصابين الذين استغلوا فيهم نقيصة الطمع وحب الثراء
السريع بدون مجهود لان هؤلاء المودعين هم الذين ساعدوهم علي الاستمرار في
تلك الجريمة النكراء التي تبدد قدرا كبيرا من فائض ثروات الأمة المتداولة
في أيدي عدد من أبنائها الموسرين وندفع بها إلي جيوب هؤلاء النصابين
ليودعوها في حساباتهم بالبنوك الأجنبية حتي إذا ما هربوا إلي البلاد التي
توجد فيها تلك البنوك وجدوا رصيدا ضخما من الأموال يهيئ لهم مستوي معيشيا
في تلك البلاد الأجنبية يعادل مستوي معيشة أولاد الملوك وما يوجد في
أيديهم بأرض الوطن ينفق قدر منه علي النساء والملذات وشراء الذمم التي
تتستر علي فضائحهم ووقاحاتهم ثم ما بقي في أيديهم من أموال الناس يدفع قدر
منه كل شهر لأصحابه المساكين فإذا ما أصبح عاجزا عن مجابهة تلك الحصص
الشهرية التي تدفع لهم بمسمي الأرباح وهي مما يستحيل ان تكون ربحا حتي ولو
جاءت من التجارة في الممنوعات توقفوا عن الدفع ثم تبدأ سلسلة الفضائح
تتوالي وأحداث الجريمة تعلن عن نفسها بعد ان تزكم روائحها الكريهة أنوف
الناس.

أقول: حين كتبت عن هذا الحل الجديد لمنع تلك الجريمة وبينت أساسه
العقابي وسنده الشرعي لم أكن أظن ان فكرته سوف تلقي قبولا لدي عدد كبير من
المعنيين بالمجالات التشريعية والمهتمين بالأمور القضائية الذين استفزتهم
تلك الجريمة وسوابقها فبادر عدد كبير منهم بالاتصال الهاتفي مؤيدين
لفكرتها وأضاف بعضهم من علمه القانوني والفقهي ما يدعم ذلك الذي سقناه في
المقال سنداً حتي تجمع لدي قدر كبير من المعلومات التشريعية التي تفيد في
تجلية فكرة العقاب عليها ومن أهم تلك الأفكار ما ذكرنا به الاستاذ إبراهيم
أبا زيد محمد أحد كبار رجال القضاء الواقف في مصر وهو ان المادة 40 فقرة 3
من قانون العقوبات تعاقب الشريك في الجريمة وتحدد الافعال التي يتم بها
الاشتراك فيها وهي تقديم أشياء أو أموال تساعد الجاني علي ارتكاب جريمته
أو بالاتفاق معه عليها أو تحريضه علي ارتكابها ولو تم تطبيق هذا النص لكان
أمره حاسما في تحقيق المطلوب لسد تلك الثغرة العقابية التي استبان من
استفحال جريمة توظيف الأموال وكثرة ورودها أن ما يطبق بشأنها غير كاف
لمنعها ولأن الدوافع التي تجعل المودعين يقدمون علي إيداع أموالهم لدي
هؤلاء النصابين تكشف عن طمع يدفع إلي عدم التعاطف معهم علي ما ضاع منهم من
أموال وتدل علي ان لديهم من سوء التقدير والسفه في الحكم علي هؤلاء
النصابين الذين يدفعون لهم هذه المقادير الكبيرة من الأموال دون تحسب ما
يجعلهم أحرياء بالعقاب حتي يحذروا منهم ويرتدع غيرهم وليعلموا ان تلك
الأموال يجب ان تستثمر في أعمال يعود نفعها علي المجتمع الذي انتزعت منه
ومن مشروعات منتجة ومفيدة فيه وليس بذلك الأسلوب اللصوصي الهزيل وإذ أشكر
الذين اتصلوا والذين اثروا مضمون المقال بمعلوماتهم القيمة أرجو ان يكون
نافعا في وضع نهاية حاسمة لتلك الجريمة.