لماذا كان الإفراج عن نور؟! كل المبررات والتكهنات خاطئة .. والحقيقة ساطعة بقلم : محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم : محمد علي إبراهيم
لماذا كان الإفراج عن نور؟!
كل المبررات والتكهنات خاطئة
.. والحقيقة ساطعة

جاء قرار الإفراج الصحي عن أيمن نور زعيم
حزب الغد السابق فرصة كبيرة للصحف والفضائيات للاحتفاء باطلاق سراحه
باعتباره رمزاً من رموز المعارضة وزعيماً سياسياً كانت الإدارة الأمريكية
السابقة تضغط علي مصر لاطلاق سراحه وذهبت في ذلك إلي حد بعيد لدرجة انها
طالبت بوقف المعونات لمصر ومعاقبتها اقتصاديا لعدم الافراج عنه.

هذا الاحتفاء والاحتفال باطلاق سراح نور والذي شاركت فيه صحف قومية
وخاصة وحزبية وفضائيات ربما يكون من وجهة النظر المهنية البحتة له ما
يبرره. لكن الزملاء نسوا في غمار التغطية الصحفية أو الإعلامية الحقائق
الثابتة والراسخة.

مطالعتي لما كُتب عن أيمن نور بعد الافراج عنه استوقفتني بشدة لأن
كافة الحوارات والتحليلات بل وحتي الأخبار المجردة التي نشرت عنه علي
مواقع الإنترنت ربطت بين اطلاق سراحه وبين زيارة الرئيس مبارك المرتقبة
لواشنطن في أبريل القادم.. من ناحية أخري ربطت بعض التحليلات بين الافراج
عنه والمقال الذي كُتب عنه في صحيفة الواشنطن بوست التي هاجمت مصر وزعيمها
مطالبة بسرعة إطلاق سراح نور. وحثت أوباما علي عدم استقبال مبارك إلا بعد
الإفراج عنه!!

والحقيقة انني قبل التطرق إلي تفنيد ما جاء في التحليلات الصحفية
وغيرها من تفسيرات المحامين والساسة. يهمني التأكيد أولاً وقبل كل شيء علي
حقيقة ساطعة وواضحة تغيب عن الأذهان مع انها المفروض أن تكون أول ما
يتبادر إلي المنطق وهو أن زعيم حزب الغد تم حبسه في جريمة جنائية وليس
سياسية.. ومن ثم فإنه من الخطأ البالغ التعامل معه بصفته السياسية أو انه
كان المرشح الثاني في الترتيب النهائي لنتائج الانتخابات الرئاسية عام
2005 ودعونا نذكركم بحقائق غابت في غمرة الاهتمام ب "نور" الذي لا ينكر
أحد أنه أفضل من يسوّق نفسه.

أولاً: الإفراج عن نور كان لأسباب صحية ومعه آخرون ويشترط أن يخضع
لمراجعة طبية دورية وإذا ثبت أن السبب الطبي الذي أطلق سراحه من أجله قد
زال. يعود إلي محبسه مرة أخري.

ثانياً: محاولة الإيحاء بأن نور جاء التالي للرئيس مبارك في
الانتخابات الرئاسية يجب أن تقترن بعدد الأصوات التي حصل عليها كل من
المرشحين فالرئيس حصل علي أكثر من 84% من إجمالي الأصوات بينما فاز نور
بنسبة تجاوزت 7% بقليل الأمر الذي ينهي أي تنافس مزعوم أو مكانة تنسب إلي
زعيم حزب الغد.. هذا إلي جانب انه كان ضمن آخرين تقدموا للترشيح منهم
نعمان جمعة زعيم الوفد السابق. وأسامة شلتوت وممدوح قناوي وكثيرون.

ثالثاً: من الخطأ البين محاولة ربط الإفراج عن نور بزيارة الرئيس
مبارك لواشنطن. فالإدارة الأمريكية الجديدة لم تناقش مسألة الافراج عنه مع
مصر ولم تطلبها.. مثلاً لم تفاتح هيلاري كلينتون الوزير أحمد أبوالغيط في
مسألة اطلاق سراح نور. هيلاري تعرف كيف تفكر مصر وما هي أولويات اتخاذ
القرار عندها.

رابعاً: الرئيس مبارك أجري مكالمة طويلة مع الرئيس باراك أوباما في
بداية توليه وتطرقا خلالها إلي كل شيء يهم البلدين بما في ذلك عملية
السلام والعلاقات الثنائية والأوضاع العربية وملف التهدئة وغير ذلك. ولم
يرد ذكر نور نهائياً.. كما أن الزيارة التي قام بها جورج ميتشيل المبعوث
الأمريكي الخاص للمنطقة لمصر ومقابلته للرئيس لم يجئ ذكر أيمن نور خلالها
تلميحاً أو تصريحاً.

خامساً: الإدارة السابقة لجورج بوش كانت تضغط علي مصر من خلال قضية
أيمن نور وغيرها من القضايا التي استخدمتها ضد القاهرة.. الرئيس بوش كان
يحبذ الضغط علي مصر ومعاقبتها علي رفضها الاشتراك معه في الحرب علي
العراق.. كروت الضغوط والمساومات التي مارسها بوش ضدنا كانت تشمل ضرورة
الإفراج عن أيمن نور ووقف تهريب السلاح إلي غزة.. وشرعت الإدارة الأمريكية
السابقة كذلك في فتح حوار مع الإخوان المسلمين ثم ربطت إلي جانب حزمة
الضغوط تلك اسقاط القضايا المرفوعة ضد سعد الدين ابراهيم الذي تصفه بانه
ناشط حقوق إنسان مع أن ما ارتكبه ضد مصر وزعيمها يرقي إلي مرتبة أخري
نعرفها جميعا.. كما تقدم عدد من نواب الكونجرس بمشروع قرار يهدف الي تقليص
المعونات العسكرية والاقتصادية لمصر إذا لم يتم اطلاق سراح نور.. من ثم
فإن مصر الأبية المعتدة بنفسها وسيادتها واستقلال قرارها رفضت الانصياع
للضغوط الأمريكية. كما أنها شأنها شأن الدول الكبري ترفض التدخل في شئونها
الداخلية أو لي ذراعها أو اقتحام قضائها الشامخ والضغط عليه لصالح آخرين.

الذين يعرفون الرئيس مبارك واقتربوا منه يدركون أن الضغط عليه بأي
صورة يؤدي لنتائج عكسية تماما مهما كانت قوة الضغط أو عظمة الدولة التي
تمارسه.

سادساً : أما من يتحدثون عن أن الإفراج جاء رضوخا لمقالة ظهرت في
"الواشنطن بوست" ويبدو أن كاتبها هو اليهودي مايكل فلاكمان الذي عاش في
مصر. فهذه مبالغة وافتراء علي الحقيقة.. فالصحف الأمريكية تكتب ضد مصر منذ
أمد بعيد. كما أن مقالة فلاكمان ليست الأولي ولن تكون الأخيرة.. فقد سبق
وكتب اسوأ منها وبمتابعتي له أعلم أنه النسخة الأمريكية لعبدالباري عطوان
الذي خصصته قناة "الجزيرة" للهجوم علي مصر وتشويهها.. فلاكمان صديق مقرب
لأيمن نور واستقبل زوجته السيدة جميلة إسماعيل في أمريكا. كما استقبلته هي
في مصر.. وبالتالي فكتاباته ضد مصر ولصالح نور مستمرة منذ زمن بعيد. ولو
كانت مصر تستجيب للمقالات العنيفة لأطلقت سراح "نور" عام 2006 بعد أول
مقال عنيف لفلاكمان.

سابعاً : مما سبق يتضح أن اطلاق سراح نور هو إفراج صحي وليس إفراجاً
إجبارياً.. الأهم أن مشكلة نور جنائية وليست سياسية وكان أمامه بضعة شهور
ليفرج عنه لقضائه ثلاثة أرباع المدة. فأرادت الدولة أن تبادر بالإجراء
نزولا علي عدة استعطافات بعث بها للرئيس مبارك الذي اثبت أنه رئيس لكل
المصريين. ولم يضع في حسبانه كمية النقد العنيف الذي كاله له نور طوال
سنوات حبسه.. ربما يكون اطلاق سراحه بادرة حسن نوايا مع الإدارة الأمريكية
الجديدة. لكن الرسالة وصلت إلي نور وواشنطن في توقيت واحد وهي أن الضغوط
لاتؤثر في صاحب القرار ولاتثنيه عن رأي. والمبادرة ينبغي أن تكون لمصر في
كل قرار يتعلق بسيادتها.. واعتقد أن الدرس كان واضحاً.

يبقي أن نشرح أن ايمن نور خاضع حاليا لقانون يمنع ممارسته للعمل
السياسي قبل مرور 12 عاما من انتهاء مدة عقوبته وهو البند الذي يسري علي
المدانين في جرائم جنائية.. والحالة الوحيدة التي يمكن له فيها العودة
لممارسة الحياة السياسية أن يتقدم بدعوي أمام القضاء بعد مرور 6 أعوام من
انتهاء مدة العقوبة وليس من تاريخ صدور الحكم مطالبا استصدار حكم يعيد
الشرف والاعتبار إليه ورفع الحظر المفروض عليه لممارسة العمل السياسي.

أما غير ذلك فهو رجم بالغيب واجتهادات ومزايدات وقد حرصتُ علي كتابة
الحقيقة كاملة بتجرد وحيادية ولم يحركني فيها سوي المهنية. دون أدني
اعتبار للقضية التي كان أيمن نور قد رفعها ضدي.