قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

لم يكن للحب في "عيد الحب" طعم أو لون أو
رائحة. وباختصار لم يكن له وجود. فقد كان هذا العيد ولايزال مسخاً
مستورداً لعدد من الأعياد الاجتماعية التي جاءت من الغرب كما يجيء الحذاء
في آخر ما يلبس اللابس. يحمل لفظ الحب وليس له وجود. ويورد كلمة العيد
وليس له من مسماها نصيب. إن مثل تلك المسميات في الغرب تؤدي عندهم رسالة
مطلوبة. لأنها تذكرهم بمعني ضاع من بين أيديهم حين لم يستطيعوا أن يحافظوا
عليه. وهو الحب الحقيقي الذي يملأ الكون بهجة وسروراً. ويضفي علي الحياة
مودة ونوراً. وهو حب الله سبحانه. وما يضفيه علي كيان الإنسان ومشاعره
ووجوده من معاني السكينة التي تصله بأهله في ظلال هذا الحب. ثم تمتد من
هذا النطاق الأسري إلي المجتمع كله. وإلي الناس أجمعين. وذلك هو المعني
الشامل للحب الذي جاء في حديث النبي صلي الله عليه وسلم حين قال: "لا يؤمن
أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وحين جعل هذا الحب علامة علي وجود
الإيمان بالله في حديثه الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتي يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما. وان يحب المرء لا يحبه إلا لله". وحين عبر عن امتداد هذا
الحب من ركيزة الإيمان إلي أن يكون ركيزة عالمية لاستتباب الأمن ونشر
السلام وذلك في حديث النبي صلي الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لا
تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتي تحابوا. ألا أدلكم علي شيء إذا
فعلتموه تحاببتم؟. افشوا السلام بينكم". هذا المعني الكبير والأصيل للحب
لم يكن له في عيد الحب عند الذين اخترعوه وجود. كما لم يكن له عندنا نحن
الذين استوردوه منهم كذلك حظ أو نصيب. فالحب عند الذين اخترعوا هذا العيد
مسخ لمشاعر جنسية بليدة تجمع الفتي بالفتاة لقضاء المتعة واشباع الغريزة
كما تجتمع الحيوانات لاشباع نهمها من تلك الحظوظ البهيمية المتدنية ثم
ينتهي الأمر. وإذا كانت الصورة عندنا قد أخذت شكل المجاملات الكلامية
المقبولة. أو الهدايا العينية الجميلة. إلا انها لم تستطع أن تتحرر تماماً
من ظلال تلك العلاقات الثنائية المعهودة بين الذكور والإناث داخل النطاق
الأسري أو خارجه. بل تلاشي معني الحب تماماً في غياهب ذلك الحقد الذي يملأ
القلوب. ويدفع أبناء الدين الواحد. والوطن الواحد والأمة الواحدة لأن يكون
كل منهم عدواً للآخر يفرح لما ينزل به من المصائب ويشمت فيه ويصنعها له
ويدفعه إليها. ويحزن حتي أخمص قدميه إذا ناله قدر ضئيل من الخير. ولايكف
عن محاربته حتي يحجب عنه عائده ويحرم أمته من الانتفاع به.

خذ مثلاً مبكياً لأحوالنا مع الحب الذي استوردنا له عيداً. فلسطين
محتلة. وأهلها يمزقون إرباً ولا عصمة لدمائهم أو نسائهم أو أطفالهم. ومثل
هذا الوضع الحزين يفرض عليهم أن يتحدوا حتي يكونوا مؤهلين لعمل شيء يمكن
أن يدفع عنهم قدراً مما ابتلوا به. لكن قادة التحرير فيها قد انقسموا ليس
إلي فرق وأحزاب. بل إلي فصائل. كل فصيل له وجهة تختلف عن الفصيل الآخر ولا
تقبله. وقد تعددت الفصائل علي المستويات السياسية والأمنية والعسكرية
والنفسية. مما يجعلنا بحاجة إلي أعياد للبغض حتي نتقيه. وليس للحب حتي لا
نمتهن معانيه السامية.