هذا هو الإسلام مفردات قرآنيةالصــــــدق‏5‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي

من طرف تامر الإثنين فبراير 23, 2009 1:10 pm

هذا هو الإسلام
مفردات قرآنيةالصــــــدق‏5‏
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

هذا هو الإسلام مفردات قرآنيةالصــــــدق‏5‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي 44639_15m

إذا
كان الصدق في أسمي درجات الكمال‏,‏ لأنه الإخبار بالحق الذي يوقن به
العقلاء ولا يوقنون بغيره‏,‏ فإن الكذب في أحط دركات النقصان‏,‏ لأنه عن
الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع‏,‏ يقال‏:‏ كذب فلان في قوله إذا قال
قولا باطلا لا أساس له من الصحة‏,‏ ويقال‏:‏ فلان كذب علي فلان إذا أخبر
عنه بما ليس فيه‏.‏

وقد أجمع العلماء علي أن الصدق والكذب نقيضان
لا يجتمعان‏,‏ لأن الصدق أساسه الإخبار بما هو حق‏,‏ أما الكذب فهو
الإخبار بما هو باطل‏.‏

والذي يتدبر القرآن الكريم يري أن مادة
الكذب وما تفرع عنها‏,‏ قد تكرر الحديث عن شرورها وسوء عاقبة من يقع
فيها‏..‏ومن الآيات القرآنية التي حذرت من رذيلة الكذب‏,‏ وتوعدت الكاذبين
بأسوأ العواقب‏,‏ وبأشد أنواع العذاب‏,‏ قوله ـ عز وجل ـ‏:‏

إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله‏,‏ وأولئك هم الكاذبون‏(‏ النحل‏:105).‏

ومنها
قوله ـ سبحانه وتعالي ـ‏:‏ ويوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم
مسودة‏,‏ أليس في جهنم مثوي للمتكبرين‏(‏ الزمر‏:60).‏

ومنها قوله
ـ عز وجل ـ‏:‏ إنا قد أوحي إلينا أن العذاب علي من كذب وتولي‏(‏ طه‏:48).‏
فإذا ما اتجهنا إلي السنة النبوية المشرفة‏,‏ وجدنا كثيرا من الأحاديث
النبوية التي تنهي عن الكذب بأساليب متنوعة‏.‏

فتارة يبين لنا
الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن رذيلة الكذب تتنافي مع الفطرة الإنسانية
النقية‏,‏ لأن كل إنسان يولد علي الصدق‏,‏ أما الكذب فإنه سلوك معوج
ومصطنع ينشأ مع الإنسان الذي استولي عليه الهوي والطمع والبعد عن السلوك
القويم‏..‏وفي الحديث الشريف‏:‏ يطبع المؤمن علي الخلال كلها سوي الكذب
والخيانة‏.‏

وسئل ـ صلي الله عليه وسلم ـ يكون المؤمن جبانا؟
قال‏:‏ نعم‏.‏ فقيل له‏:‏ أيكون المؤمن بخيلا؟ قال‏:‏ نعم‏.‏ فقيل له‏:‏
أيكون المؤمن كذابا؟ قال‏:‏ لا‏.‏

وتارة يبين لنا ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن الكذب من الرذائل التي تجعل صاحبها محل بغض الناس ونفورهم ممن عرف بالكذب‏.‏

فعن
عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ ما كان من خلق أبغض إلي رسول الله ـ صلي
الله عليه وسلم ـ من الكذب‏,‏ ما اطلع علي أحد من ذلك‏,‏ فيخرج من قلبه
حتي يعلم أنه قد أحدث توبة‏.‏ وتارة يبين لنا ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن
الكذب يوصل إلي الفجور وتعمد ارتكاب السيئات‏,‏ فيقول‏:‏ إياكم والكذب فإن
الكذب يهدي إلي الفجور‏,‏ وإن الفجور يهدي إلي النار‏,‏ وما يزال الرجل
يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذابا‏.‏

وتارة يبين لنا ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن أشنع الكذب ما كان علي دين الله‏,‏ وعلي ما جاء به رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏.‏

وفي الحديث الصحيح‏:‏ إن كذبا علي‏,‏ ليس ككذب علي أحد‏,‏ فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار‏.‏

وتارة
نراه ـ صلي الله عليه وسلم ـ يدعو أتباعه إلي نبذ الظنون والشكوك فإنها قد
تؤدي إلي الكذب‏,‏ فيقول ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ وإياكم والظن فإن الظن
أكذب الحديث‏.‏والمقصود بالظن هنا‏:‏ الظن السييء بالناس دون أن يكون هناك
موجب لذلك‏.‏

ويقول ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ دع ما يريبك إلي ما لا يريبك‏,‏ فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة‏.‏

وعن
أسماء بنت يزيد ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت للرسول ـ صلي الله عليه وسلم
ـ‏:‏ يا رسول الله‏,‏ إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه‏,‏ أيعد ذلك
كذبا؟ فقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ إن الكذب يكتب كذبا حتي تكتب
الكذيبة كذيبة‏.‏

وكثيرا ما يكذب بعض الناس علي سبيل الممازحة مع
غيره‏,‏ ظانا أن ذلك من الأمور التي يتسامح فيها‏,‏ وهذا الظن خطأ‏,‏ لأن
الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه
القوم فيكذب‏,‏ ويل له‏,‏ ويل له وكلمة ويل تطلق علي التوعد بالعقاب‏.‏

أو
قد يكذب الشخص طمعا في ربح الحرام‏,‏ وقد نهي الرسول ـ صلي الله عليه وسلم
ـ عن ذلك نهيا واضحا فقال‏:‏ البيعان ـ أي البائع والمشتري ـ بالخيار ما
لم يتفرقا‏,‏ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما‏,‏ وإن كذبا وكتما محقت
بركة بيعهما‏.‏

وشريعة الإسلام‏,‏ وهي الشريعة الخاتمة للشرائع‏,‏
التي تقوم علي الصدق والحق والسماحة‏,‏ قد أباحت الكذب في مواطن محدودة‏,‏
لأسباب معقولة ليس فيها ما يتعارض مع مكارم الأخلاق ومع مصلحة الأمة‏.‏

ففي
الحديث الشريف‏:‏ لا يحل الكذب إلا في ثلاث‏:‏ يحدث الرجل امرأته
ليرضيها‏,‏ والكذب في الحرب‏,‏ وفي الإصلاح بين الناس‏.‏أما الحديث الذي
يكون بين الزوجين فالمقصود به ما يجعل الحياة الزوجية تزداد مودة ورحمة‏,‏
وسعادة وثقة‏,‏ وهذا أمر لا ضرر فيه لأحد‏.‏

وأما في الحرب‏,‏ فلأن
الحرب خدعة‏,‏ ولأن إفشاء أسرار المحاربين قد يؤدي إلي هزيمتهم‏,‏ لذلك
أباح الإسلام الكذب علي العدو إذا كان في هذا الكذب منفعة تعود علي جيش
المسلمين‏,‏ وأما الإصلاح بين الناس‏,‏ فلا بأس فيه من كلمة أو كلمات قد
تخالف الحقيقة‏,‏ إلا أنها لا ضرر فيها بالنسبة لأحد المتخاصمين‏.‏

وفي
الصحيحين عن أم كلثوم بنت عقبة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ سمعت رسول الله
ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي
خيرا ـ أي‏:‏ يبلغ غيره خبرا فيه خير ـ أو يقول خيرا ثم قالت‏:‏ ولم أسمعه
ـ صلي الله عليه وسلم ـ يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث‏:‏ تعني
في الحرب‏,‏ والإصلاح بين الناس‏,‏ وحديث الرجل امرأته‏,‏ وحديث المرأة
زوجها‏.‏

ندعو الله ـ تعالي ـ أن يجعلنا جميعا من الصادقين في
أقوالهم وأفعالهم‏,‏ إنه ـ سبحانه ـ علي ما يشاء قدير‏,‏ نعم المولي ونعم
النصير‏.‏