الحقـوق السـياسية للمـرأة بقلم‏:‏د‏.‏ سيد زكريا سيد

من طرف جميلة الإثنين فبراير 23, 2009 1:26 pm

حوارات معاصرة
الحقـوق السـياسية للمـرأة
بقلم‏:‏د‏.‏ سيد زكريا سيد
موسوعة الفقه الإسلامي

الحقـوق السـياسية للمـرأة بقلم‏:‏د‏.‏ سيد زكريا سيد 44639_12m

كانت
ــ ولاتزال ـــ مشكلة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق السياسية من أهم
المشكلات التي كانت موضع بحث لكثير من العلماء‏,‏ والذي يهمنا بيان موقف
الشريعة الإسلامية من هذه المسألة‏,‏ لأنه ما بين آونة تمر وأختها يثار
موضوع الحقوق السياسية للمرأة‏,‏ ويحلو للبعض أن ينال من الشريعة
الغراء‏,‏ زاعما أنها انتقصت المرأة حقها السياسي‏,‏ وأن ما حصلت عليه
المرأة من حقوق هو من مكتسبات الحضارة الحديثة‏,‏ ولذا فقد عن للباحث هذه
الملاحظات‏:‏

ــ مما لاشك فيه أن المرأة المسلمة لم تعرف القهر إلا
في عصور انحسار الحضارة الإسلامية‏,‏ وضعف الأمة‏,‏ وجور الحكام‏,‏ وظلم
السلاطين الذي شمل الرجال والنساء علي حد سواء‏,‏ مما أدي إلي خلق تراث
ثقافي منحاز للرجل علي حساب المرأة‏,‏ والأصل في المشاركة العامة للمرأة
هو قول الله تعالي‏‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة أولئك سيرحمهم
الله‏..)‏ الآية‏.‏

ـــ هناك علاقة وثيقة بين حقوق المرأة وحقوق
الإنسان‏,‏ لأن اختلاف وجهات النظر في أحقية المرأة بالحقوق السياسية
انبني علي تفرقة مهمة وجوهرية‏,‏ ألا وهي النظرة إلي المرأة علي أنها
أنثي‏,‏ ضعيفة البنية‏,‏ جياشة العاطفة‏,‏ ناقصة العقل‏,‏ ولذا فهي مؤخرة
عن الرجل في ولاية التصرفات العامة من هذا المنطلق‏.‏ لكن النظرة إلي
المرأة باعتبارها إنسانا مكرما بأصل خلقته تؤدي إلي نتائج مغايرة‏.‏

ـــ
هناك حقوق مشتركة للرجل والمرأة منها‏:‏ المساواة في أصل الخلق
والتكوين‏,‏ ومنها الحق في الحياة‏,‏ والمساواة في الكرامة الإنسانية‏,‏
والحق في اختيار شريك الحياة ولعل من أهم الحقوق المشتركة بينهما‏:‏ الحق
في المشاركة السياسية وإبداء الرأي في كل المعضلات‏,‏ ولعل مبايعة النبي
صلي الله عليه وسلم للنساء مبايعة مستقلة عن الرجال تشير إلي أنهن مسئولات
مسئولية مستقلة عن الرجل‏,‏ وفي آية سورة الممتحنة ما يدل علي ذلك حيث قال
تعالي ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم
بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلاترجعوهن إلي الكفار لاهن حل لهم ولاهم
يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولاجناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن
ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم
الله يحكم بينكم والله عليم حكيم الممتحنة‏(10)‏

ــ لم تفرق
الشريعة الإسلامية في مسألة إبداء الرأي بين رجل وامرأة‏,‏ ولعل جملة‏:‏
إني من الناس من أروع مفردات الأدبيات السياسية التي جرت علي لسان امرأة
مسلمة تلبية لنداء رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر‏,‏ فعن
عبدالله بن رافع قال‏:‏ كانت أم سلمة تحدث أنها سمعت النبي صلي الله عليه
وسلم يقول علي المنبر ــ وهي تمتشط ــ‏:‏ أيها الناس‏,‏ فقالت لماشطتها‏:‏
كفي رأسي‏,‏ قالت‏:‏ إنما دعا الرجال ولم يدع النساء‏,‏ فقالت‏:‏ إني من
الناس‏.(‏رواه مسلم‏).‏ هكذا ببساطة شديدة اختزلت المرأة كل النصوص
والشرائع التي كرمت المرأة ولم تفصلها أبدا عن خطاب الأمر أو النهي‏.‏

ــ
حقوق المرأة السياسية كفلتها الشريعة الإسلامية الغراء باعتبار المرأة
إنسانا مكرما بأصل خلقته‏,‏ وليست هذه الحقوق من مكتسبات القوانين
والاتفاقات الغربية الحديثة‏,‏ وهناك فرق كبير بين النظر إلي المرأة علي
أنها أنثي والنظر إليها علي أنها إنسان‏,‏ فالشريعة أنصفت المرأة وحق
الإنصاف‏,‏ لأنها نظرت إليها باعتبارها إنسانا كرمه الله ومنحه كافة
الحقوق‏.‏

ــ اختلفت وجهات نظر علماء الشريعة في مسألة حقوق المرأة
السياسية‏,‏ وحصل من اختلافهم رأيان‏:‏ الرأي الأول‏:‏ يقول بنبذ مبدأ
المساواة في الحقوق السياسية بين الرجل والمرأة ولهم في ذلك أدلتهم
النقلية والعقلية‏.‏ والرأي الثاني‏:‏ يري أن الإسلام لم يحرم المرأة
حقوقها السياسية ولكن المجتمع لدينا لم يتهيأ بعد لمزاولة المرأة لتلك
الحقوق مزاولة فعلية في عصرنا الحاضر ولهم علي ذلك أدلتهم المعتبرة أيضا‏.‏

ــ
هناك علاقة وثيقة بين حقوق الأسرة‏,‏ والحقوق السياسية للمرأة‏,‏ ويجب
النظر إلي الحقوق السياسية للمرأة في ضوء الحقوق الكلية للأسرة المسلمة‏,‏
وذلك لأن الشريعة كفلت لها حقوقا مقابلة لواجباتها‏,‏ وأحقية المرأة في
تولي كثير من الوظائف مشروط بأداء واجباتها تجاه أسرتها‏,‏ حتي لايختل
ميزان الحقوق‏,‏ فتصبح كمن يسعي لبناء جزء علي حساب هدم كل‏,‏ لأن الحقوق
والواجبات صنوان متكاملان غير متباينين‏.‏

ــ إذا كنا نبيح للمرأة
جل الحقوق السياسية فإن المرأة وحدها هي التي تعلم أليق الوظائف بها‏,‏
ومن ثم لو رغبت المرأة في عمل ــ سياسي أو غيره ــ قد يضر بيتها‏,‏ ويؤدي
إلي هدم أسرتها‏,‏ فهي آثمة في ذلك‏,‏ ولزوجها حق منعها من هذا العمل‏,‏
دفعا للضرر الأكبر وهو هدم الأسرة التي هي نواة المجتمع‏.‏

ــ لا
أحد ينكر أن التاريخ بوجه عام‏,‏ والتاريخ الإسلامي علي وجه الخصوص عرف
سيدات كان لهن إسهامهن البارز في حقل العمل السياسي‏,‏ وقد سجل القرآن
بعضا من هذا في قصة بلقيس ملكة سبأ مع نبي الله سليمان‏,‏ وكان للسيدة
آسيا ثمة إسهام سياسي علي نحو ما ورد في القرآن الكريم‏‏لاتقتلوه عسي أن
ينفعنا أو نتخذه ولدا‏).‏

ــ علي الرغم من تباين وجهات النظر حول
تولي المرأة لبعض الوظائف السياسية‏,‏ كالقضاء مثلا‏,‏ فإن نصوص الشرع ــ
في مجملها ــ لا تمنع ذلك‏,‏ وبخاصة في وجود اختصاصات للقضاء كمحاكم
الأسرة والطفل‏,‏ وغيرها‏.‏

ــ هناك إجماع علي أن للمرأة حق
الانتخاب وحق الترشيح‏,‏ وحق مراقبة ومحاسبة من تختار لتمثيلها‏,‏ وهذا من
صميم حقوقها السياسية‏,‏ ولكن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية التي وضعت
لحماية المرأة وصيانتها والحفاظ عليها‏.‏ كما أن هناك إجماعا علي عدم جواز
تولي المرأة للولاية العظمي‏,‏ وإن كانت هناك آراء قليلة تري جواز ذلك إلا
أنها آراء مردودة ومرجوحة لايقال بها حتي لا يخرق الإجماع‏.‏

وبعد‏:‏
فهذه هي نظرة الإسلام إلي الحقوق السياسية للمرأة‏,‏ والتي تستوجب منا ــ
جميعا ــ ضرورة إسماع الذين أعلنوا ــ عن جهل أو حقد ــ أن الإسلام قد
امتهن المرأة‏,‏ ومنعها حقوقها‏,‏ ندعوهم إلي المنطق والحكمة والتريث‏,‏
للنهوض بهذا المخلوق كما أمر الإسلام‏,‏ بالدفاع عن كرامته وصيانة حقوقه
بدلا من هذا العدوان الذي يمحو كرامته‏.‏