الوثيقة الناقصة محمد العزبي

من غير ليه
محمد العزبي
ezaby azaby @ yahoo. com
الوثيقة الناقصة

تتدفق أفكار "سمير غريب" التنويرية
بمقالاته التي ينشرها بين الناس. وكانت آخر إضافاته. تقديم وثائق مجهولة
يراها قبساً من روح مصر.. ولقد احتفلت "المصري اليوم" بالفكرة فخصصت لها
صفحة كاملة أسبوعياً.

اختلفت الوثائق ما بين النحاس باشا الذي عرفه العامة أكثر بمشاهدة
المسلسل التليفزيوني "الملك فاروق" وبين "جمال عبدالناصر" الذي كادت
الأجيال الجديدة أن تنساه لولا الحروب الكلامية بين أنصاره القدامي "سامي
شرف" والجدد "عبدالله السناوي" ورفاقه. ولم يعد منهم كثيرون. وبين مهاجميه
الذين ينسبون له سياسياً وشخصياً كل خطيئة. وآخرهم اللواء "جمال حماد" في
قناة الجزيرة وكان يوماً ما واحدا من ضباط يوليو والحكام.

غير أن الوثيقة التي كشف عنها "سمير غريب" وقرأتها أكثر من مرة هي
تلك التي ألقت الضوء علي حياة "فؤاد محيي الدين". ذلك الطبيب الشاب
المهموم بالحركة الوطنية مفتوناً بالاتجاهات اليسارية متشككاً في ثورة
يوليو عند قيامها خوفاً من حكم العساكر. رغم ان اثنين من أبناء عمومته هما
زكريا وخالد محيي الدين أعضاء في مجلس قيادة الثورة المكونة من ثلاثة عشر
ضابطاً فقط.. ويقول في الوثيقة التي هي خطاب منه إلي صديقه "أبو السباع"
الذي يعيش في ألمانيا بأنه في "بؤس بائس".

تختلف مسيرة فؤاد محيي الدين بعد ذلك عندما يصبح محافظاً ووزيراً
ورئيساً للوزراء في بداية عهد الرئيس "حسني مبارك" حتي وفاته رحمه الله
بأزمة قلبية مفاجئة في مكتبه قبل خمسة وعشرين عاماً.. والحق انه كان من
الرجال المحترمين الذين قدمتهم عائلة "محيي الدين" للوطن بمختلف اتجاهاتهم
ومعتقداتهم وأعمالهم من "زكريا" الذي اشتهر بيمينيته إلي "خالد"
الديمقراطي الاشتراكي. وصولاً إلي "محمود محيي الدين" وزير الصكوك
والخصخصة.

أما الوثيقة الناقصة التي أتحدث عنها فكانت طلباً تقدم به البكباشي
"أنور السادات" لوزارة الداخلية لاصدار جريدة باللغة الانجليزية باسم
"اجيبشيان ريبابليك" بصفته رئيساً لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر
التي أنشأتها ثورة يوليو. تصدر عنها جريدة "الجمهورية".

لم تصدر الجريدة الانجليزية. ولم يتغير اسمها إلي "اجيبشيان جازيت"
كما جاء في تفسير الوثيقة. لأن "الجازيت" التي تصدر حالياً عن دار التحرير
عمرها أكثر من مائة وعشرين سنة. ولما كانت وحتي قيام الثورة صوتاً
للاحتلال البريطاني يرأس تحريرها انجليزي وراء انجليزي. فلابد وأن
"السادات" أراد منافستها بالجريدة الجديدة شقيقة للجمهورية لتخاطب قراء
اللغة الانجليزية في مصر.. ولكن تأميم شركة الإعلانات الشرقية التي كانت
قد آلت إليها "الجازيت" ويملكها "محمود أبو الفتح" وآخرون جعل ترخيص جريدة
جديدة بالانجليزية غير ذي موضوع.

خرجت "الجازيت" من سيطرة الانجليز ورأس تحريرها كأول مصري الدكتور
"أمين أبو العينين" ليتولاها من بعده جيل جديد من الأساتذة والوطنيين
والصحفيين. "رامز الحلواني". و"سامي الشاهد" و"محمد علي إبراهيم" وصولاً
إلي "رمضان عبدالقادر" أحد أبنائها الجادين.. وقد كان لي بالصدفة شرف
العمل في الجازيت عامين اثنين فقط استفدت منهما الكثير.. كما لم يعد
خافياً أن الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بدأ عمله الصحفي محرراً
بالصحيفة الانجليزية ذات التاريخ العريق!