أولمرت وشاليط.. مصر وأمريكا إسرائيل أكدت عداءها الحقيقي للقاهرة بقلم:محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم:محمد علي إبراهيم
أولمرت وشاليط.. مصر وأمريكا
إسرائيل أكدت عداءها الحقيقي للقاهرة

ما من شك أن عملية إفساد التهدئة التي
كادت مصر أن تنجح فيها أسقطت القناع عن وجه إسرائيل الحقيقي وأبطلت مزاعم
الذين يؤكدون أن تل أبيب والقاهرة متناغمتان سياسياً.

التحرك الأخير الذي بادر به رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت باشتراط
الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط الأسير لدي حماس حتي تنجح التهدئة ويرفع
الحصار ويتم فتح المعابر يؤكد أن اليهود يضمرون أشياء أخري وينسقون مع
بعضهم البعض - حتي لو اختلفوا سياسياً - للوصول إلي الهدف الأسمي وهو عدم
تحقيق السلام.

اليهود دائماً يختارون أنسب توقيت لتفجير الأزمات وتعطيل الجهود..
فعلها باراك.. وقلده نتنياهو.. وقبلهما تنصل بيريز من استحقاق السلام بعد
رابين.

لقد كان السبب المعلن الذي أفصح عنه أولمرت لرفضه إنهاء الحصار هو أنه "لا مبرر للخضوع لشروط حماس والتصرف كمن فقد كرامته".


الأمور ليست كرامة.. ولا يمكن أن ننسبها فقط إلي أسباب داخلية
كالانتخابات ومراحل تشكيل الحكومة.. كان أولمرت يستطيع أن يصمم علي
استعادة الجندي شاليط قبل الانتخابات بفترة.. كان يمكن أن يقول لفريق
التفاوض المصري لن نوافق علي فتح المعابر ورفع الحصار وشاليط مازال
أسيراً.. وساعتها ربما كان حزب أولمرت "كاديما" حصل علي أصوات أكثر في
الانتخابات.

لكن أولمرت طوال مفاوضات التهدئة كان يقول إنه سيطلق عدداً محدوداً
من الأسري الفلسطينيين وسيفتح المعابر جزئياً لمرور 20% من السلع والبضائع
وكانت حجته أن الناخب الإسرائيلي لا يمكن أن يقبل برفع كامل للحصار وشاليط
مازال في يد حماس.. ثم أعلنت نتائج الانتخابات التي جرت يوم 10 فبراير
وبعدها رفض أولمرت فتح المعابر إلا بعد الإفراج عن شاليط.

وقد لاحظ المراقبون وخبراء الشئون السياسية أن أولمرت ترك حماس تحاول
جعل التهدئة تبدو وكأنها جرت بعد مفاوضات شاقة وتردد وممانعة.. تركوهم
يقسمون أنفسهم إلي "حماس الداخل" و"حماس دمشق" ويظهرون علي شاشات
التليفزيون ينقحون ويعدلون ويطالبون.. ثم فجأة كشف الإسرائيليون عن وجههم
الحقيقي.. شاليط أولا.

التكتيك اليهودي الخبيث يهدف إلي احراج مصر وأمريكا معا.. مصر عندما
بدأت مشوار التفاوض مع حماس لم يكن شاليط ضمن صفقة التهدئة وتثبيت وقف
اطلاق النار ورفع الحصار وتبادل الأسري.

مصر وحماس وإسرائيل يعرفون أن اطلاق سراح شاليط منفصل عن "التهدئة".. الاتفاق أنه مرحلة "تالية" وليس راهنة.


كان أولمرت قد تسرب إليه شك كبير بأن مصر لن تنجح في إقناع حماس
بالتهدئة وخصوصاً أن خالد مشعل بدأ يعطي اشارات يفهم منها هذا. كما أن
دخول تركيا وقطر علي الخط بدا وكأنه محاصرة لدور مصر.. لكن القاهرة نجحت
في التهدئة.. وجاء نجاحها مواكباً لثقلها السياسي وامتلاكها لمفاتيح
الفصائل. فقد جاء اقتناع "حماس" بالتهدئة إثر فوز اليمين المتطرف في
إسرائيل. الأمر الذي يعني أن حماس ستواجه أياما صعبة في غزة.. ويبدو أن
نجاح القاهرة وضع "العربة أمام الحصان" ولم يعد بإمكان أحد أن يعطل
التسوية.. هنا أخرج أولمرت من "كمه" كارت شاليط.

ربط فتح المعابر بالافراج عن شاليط حيلة ماكرة من أولمرت لانه يعلم
علم اليقين ان "حماس" لن توافق عليها وبالتالي تسقط التهدئة وهذا يعطي
الحكومة الاسرائيلية القادمة فرصة ذهبية لاستخدام شاليط في أوراق التفاوض
مع الفلسطينيين.

لقد أوضحت أزمة شاليط حقيقة معاملات إسرائيل مع مصر.. الذين اتهمونا
بالتواطؤ مع تل أبيب عليهم ان يدرسوا كيف خططت اسرائيل لافشال الدور
المصري وعرقلته والخصم من رصيده لدي الفلسطينيين.

إسرائيل تدرك جيداً ان غزة تمس الأمن القومي المصري وقد شعرت الدولة
العبرية بالقلق عندما لاح في الافق ان هناك تفاهماً وتناغماً مصرياً
تركياً.. وبالتالي استطاعت القاهرة ان تضمن إلي جوارها في عملية التهدئة
قطبا اقليميا محورياً وهو أنقرة.. ومن ثم خسرت اسرائيل - رغم علاقتها
الجيدة بأنقرة والقاهرة - بلدين من أكبر بلدان المنطقة واكثرهما تأثيراً
في مجريات الأمور.. والأهم من ذلك ان مصر اعطت تل أبيب درساً هاماً بأن
غزة ضمن مخطط أمنها القومي ولا يمكن ان نتركها في مهب الريح أو عرضة
للتطرف.

غير أن هناك دلائل أخري علي أن إسرائيل لم تكن تضع شرط الإفراج عن
شاليط أولاً اعتباطاً. فهي تعلم أن "حماس" سترفض ومن ثم تسقط التهدئة
نهائياً.. الأهم من سقوط التهدئة هو تأخير المصالحة الفلسطينية الفلسطينية
الأمر الذي يخلق وضعا نموذجياً ممتازاً لإسرائيل لتستمر في التنصل من حث
الإدارة الأمريكية لها علي اتخاذ خطوات جادة للسلام.. كلما طالبت واشنطن
تل أبيب بأن تهرع في اتجاه السلام تبادر إسرائيل بالتعلل بالانقسام
الفلسطيني ومن ثم فهي تفتقد الشريك الذي يجلس معها للتفاوض.

أولمرت عندما أفشل التهدئة واشترط الافراج عن شاليط أولاً. كان يضع
في اعتباره أن جورج ميتشيل المبعوث الأمريكي الخاص في الشرق الأوسط بدأ
يستعد لجولة جديدة من المفاوضات في المنطقة وذلك من خلال فتح مكتب له في
القدس المحتلة.

إذن أولمرت ومن يخلفه "نتنياهو" يحرصان أشد الحرص علي استمرار الوضع
الحالي كما هو.. انقسام فلسطيني إلي ما لا نهاية حتي لا يصل السلام أبداً
إلي شاطئ الأمان.

إسرائيل تراهن أيضاً علي خيار آخر تلعب به مع الإدارة الأمريكية
الجديدة ومع الاتحاد الأوروبي. ويتلخص هذا الخيار في تأخير التفاوض مع
الفلسطينيين أطول وقت ممكن إلي أن يتم حل كل الملفات الإقليمية الأخري
بشكل شامل مثل الملف النووي الإيراني ودور طهران في الخليج ومستقبل العراق
والجولان ودارفور. هذا طبعاً بالاضافة إلي القضية الفلسطينية.

إسرائيل تحاول حالياً إفهام الولايات المتحدة أن من مصلحتها حل كل
قضايا المنطقة بشكل منفرد أولاً. ثم تتفرغ بعد ذلك لحل القضية الفلسطينية
بتؤدة وبحيث لا تكون تحت ضغط أي من الاستحقاقات الأخري.. تفكير خبيث..
والأخبث منه أن إسرائيل لا تنسي أبداً أن مصر التي أجبرتها علي السلام
يمكن أن تجبرها علي الحرب إذا تعلق الأمر بأمنها القومي.. من ثم فالدولة
العبرية ستسعي في هذه الأثناء إلي إيجاد وسيط آخر غير المصريين للقيام
بالمهمة الشاقة حتي تفقد القاهرة الكثير من ثقلها السياسي والجيوبولوتيكي
في المنطقة.