مليونير العشوائيات بقلم : سجيني دولرماني

من طرف مشمشة الثلاثاء فبراير 24, 2009 11:03 am

سياسة خارجية
بقلم : سجيني دولرماني

مليونير العشوائيات

أثار
فضولي كثيرا هذا التناقض بين الاحتفاء الكبير الذي حظي به فيلم المليونير
المشرد أو مليونير العشوائيات كما أحسبها أقرب إلي الترجمة الصحيحة في
مسابقة الأوسكار هذا العام وحملات الاحتجاج التي قوبل بها الفيلم أثناء
عرضه في الهند‏.‏ الفيلم يعكس في جانب منه الاهتمام الغربي بقصة بزوغ
الهند كقوة اقتصادية ويدق علي كل الازرار التي تجعله شهيا مثل التناقض بين
مراكز الخدمة المتطورة عبر الهاتف كول سنترز وعمليات التنمية الحضرية في
مومباي‏,‏ والعنف الطائفي‏,‏ ودعارة الاطفال والاوضاع البائسة في
العشوائيات‏.‏

ليست هذه المرة الأولي التي يتم فيها التطرق بجرأة
الي مثل هذه الأوضاع فقد سبقه الكثير من الأفلام الهندية بل والتجارية
منها‏,‏ لكن ما استفز الكثيرين هو طريق الخلاص الذي اختاره المخرج
البريطاني داني بوبل لبطله جمال مالك‏,‏ فالأوضاع المتردية في العشوائيات
سببها سيطرة العصابات الاجرامية والمتطرفين من الهندوس والمسلمين دون
محاولة ازاحة الستار عن الاسباب الاكثر عمقا مثل الفساد الحكومي واصرار
الشركات الكبيرة المحلية والاجنبية علي استنزاف العمالة ذات الأجور
المتدنية وبرامج الاصلاح الهيكلي التي فرضتها مؤسسات دولية وزادت الفقراء
فقرا‏,‏ ولتجنيب الغرب الشعور بالذنب يأتي طريق الخلاص من خلال التحاق
مالك بمركز بريطاني للخدمات عبر الهاتف ليندمج في منظومة النظام المتعولم
الذي يؤهله للفوز بالجائزة المليونية في النسخة الهندية من برنامج من يربح
المليون‏.‏ الرسالة الواضحة اذن هي انه لا طريق للخلاص من الفقر سوي
انتهاج الروشتة الغربية للثراء السريع وهي رسالة صادفها الكثير من سوء
الحظ بسبب ما أدت اليه من أزمات اقتصادية متلاحقة‏.‏

الأمر الثاني
هو أن الفيلم استفز وبدون قصد من المخرج سكان عشوائية دهارافي التي
اختارها لتصوير الكثير من لقطات العنف والبؤس‏,‏ فهذه العشوائية بالذات ـ
كما قالت صحيفة نيويورك تايمز ـ تمثل قصة نجاح‏.‏ فقد استطاع سكانها من
المهاجرين الفقراء بجهود فردية ودعم جمعيات اهلية عبر عقود من العمل الشاق
في جعلها خلية نحل يحول سكانها بيوتا من الصفيح الي مواقع للعمل نهارا
ومأوي للنوم ليلا ونجحوا في التغلب علي إهمال الحكومة لمشكلاتهم بالبحث عن
طرق مبتكرة لتوفير فرص العمل‏,‏ ومقاومة العنف والجريمة‏,‏ واعادة تدوير
المخلفات‏,‏ وتحقيق معجزة اقتصادية من خلال توفير الغذاء لسكان مومباي
وتصدير منتجاتهم الي الخارج مثلما حدث من قبل في أحياء صينية ويابانية‏.‏
هم مازالوا يعانون الفقر والمرض وكانوا يحتاجون الي فيلم يحكي قصة نجاحهم
ويرتقي بقدراتهم لا فيلم ينتهي بازاحتهم لتحل مكانهم ابراج عاجية‏,‏ بينما
يختفي من الكادر صور العشوائيات الجديدة التي أجبروا علي الانتقال
اليها‏.‏ الفيلم ربما استحق جائزة الاوسكار لكنه ضل طريقه الي قلب الهند‏.‏