جريمة "انفجار الحسين" .. بلا تهوين .. أو تهويل خالد إمام

..وماذا بعد؟!
جريمة "انفجار الحسين" ..
بلا تهوين .. أو تهويل
خالد إمام
E-mail:khaled@almessa.net.eg

ليس من الصالح العام أن نتناول حادث
الانفجار الذي وقع في ساحة المشهد الحسيني أمس الأول.. بشيء من التهوين أو
التهويل.. لكن يجب قراءة الحادث بتأني شديد.

من الخطورة بمكان أن نتأثر بمن يصف الواقعة بأنها "لعب عيال" أو رد
فعل صبياني للحرب علي غزة أو عمل فردي بحت.. خاصة إذا صدر هذا الوصف من
جماعات أو تيارات أو خلايا مازالت أياديها تقطر بدماء ضحاياها خلال
الثمانينيات.

والأخطر.. أن نصدق هذا الوصف إرضاء للغرور.. فنتراخي.. ومن ثم يمكن تكرار الحادث وبشكل أكثر قسوة.. وقد يكون هذا هو الهدف.


.. ومن الخطورة أيضاً.. الاقتناع بأن الإرهاب عاد من جديد ليفرض
كلمته.. وبالتالي يكون رد الفعل اتخاذ إجراءات أمنية مشددة تخنق الحياة في
مصر عامة وفي المناطق السياحية خاصة مما يضر بأهم روافد الدخل القومي..
وقد يكون هذا أيضاً هو الهدف.

* * *


حتي اليوم.. لم تتكشف لنا ملابسات الحادث.. ومن هم المتهمون فيه.. وما
إذا كان وراءهم دولة أو تنظيم أو جماعة أو تيار معين.. ولماذا فعلوا ذلك
الآن بالتحديد.. وهل فعلوه عشوائياً أو تنفيذاً لمخطط أو مؤامرة؟


نعم.. في داخلنا وعلي ألسنتنا إجابات علي معظم هذه الأسئلة تكادتكون
صائبة تماماً.. لكن الأصوب أن ننتظر لتجيب عليها يقيناً التحقيقات مع
الجناة.

* * *


ولأن الشيء بالشيء يذكر.. فإن البعض يُحمِّل جهات الأمن مسئولية ما حدث نتيجة القصور أو التراخي.


وما دام الموضوع مطروحاً للمناقشة وإبداء الرأي والرأي
الآخر.. فمن حقي أن أدلي بدلوي فيه.. وأقول إن هذا الاتهام ظالم جملة
وتفصيلاً.

وهذا النفي يستند إلي العقل والمنطق ولأقوال نفس الذين يوجهون الاتهام.


قالوا من قبل ومازالوا يقولون إن التواجد الأمني في الشوارع والأماكن
العامة كثيف جداً وبشكل لافت للنظر.. وأن الشوارع والميادين تتحول في بعض
الأحيان إلي ثكنات عسكرية لحفظ الأمن والنظام خلال الإضرابات والاعتصامات
والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية.. بل وطالبوا ومازالوا يطالبون بإلغاء
الحرس الجامعي رغم صدور حكم قضائي نهائي يؤيد تواجده.

السؤال: كيف يقولون هذا علي جهات الأمن.. وفي نفس الوقت يتهمون هذه الجهات بالقصور والتراخي؟


هل يمكن أن يجتمع النقيضان معاً؟


ممكن.. إذا بلغنا يوم القيامة!!


* * *


في رأيي.. إنهم يُحمِّلون الأمن أكثر مما يحتمل.. الأمر ليس قصوراً
أمنياً وتراخياً.. لكنهم يبحثون عن أي "تهمة" لإلصاقها بالأمن.. حتي ولو
بكلام متناقض.. يقولون شيئاً في الصباح ثم يأتون بعكسه في المساء!!


ليس معقولاً أبداً تعيين عسكري أو مخبر يسير وراء كل سائح.. منطق غريب لا نراه في بلاد "الماو.. ماو".


.. وليس منطقياً أن يكون عدد رجال الأمن في المناطق السياحية أكثر من
عدد السياح أنفسهم لما في ذلك من رد فعل سلبي علي الحركة السياحية نتيجة
شعور السياح بافتقاد الأمن والأمان وأن حياتهم مهددة بدليل وجود هذا الجيش
الجرار من رجال الأمن لحمايتهم.

.. وليس عدلاً أبداً أن نُحمِّل الأمن كل المسئولية في بلد قوامه
أكثر من 80 مليون نسمة ومتفتح علي العالم كله.. ويأتيه المؤمن والكافر.
والطيب والشرير. وصاحب القلب النقي ومن يقطر كراهية وغلاً وحقداً وحسداً..
في وقت لا يمكن فيه أن نضرب سوراً حديدياً حول مصر يمنع الدخول والخروج
مثلما كان يحدث في الاتحاد السوفيتي أو ألمانيا الشرقية.

* * *


الحل العملي.. أن يتواجد الأمن بشكل عادي أو طفيف ولا يكون ظاهراً..
مثلما يحدث الآن.. مع الاستعانة أكثر بالوسائل التكنولوجية الحديثة خاصة الكاميرات التي ترصد تحركات كل المتواجدين في مكان ما.


صحيح أن هذه الكاميرات لن تمنع الجرائم.. لكنها حتماً ستكشف الجناة
فوراً.. وبمنتهي الدقة.. بحيث يتم القبض عليهم قبل أن يبرحوا مكانهم.

هذه الوسائل الحديثة.. ليست غالباً مسئولية جهات الأمن.. بل الجهات
التابعة لها الأماكن السياحية.. إن كانت مناطق أثرية أو مزارات فإنها تتبع
وزارة الثقافة. وإن كانت فنادق فهي من اختصاص وزارة السياحة. وإذا كانت
مناطق مفتوحة مثل الحسين فإنها مسئولية المحافظة.

المسئولية هنا "مادية".. أي أن تركيب وسائل الكشف والمراقبة يكون علي
نفقة الجهة المسئولة عن المكان.. أما التأمين فهو مسئولية الداخلية ولا
جدال في ذلك.

من هنا.. يتحدد دور كل جهة.. دون أن يختلط الحابل بالنابل.. ولا نلقي
التهم جزافاً.. لأن البعض يُحمِّل الأمن كل الجرائم.. بدون وجه حق.