قرآن وسنة د. عبدالله النجار

قرآن وسنة
د. عبدالله النجار

في الأمور التعبدية التي طلبها الله من
عباده قياماً بحقه في العبادة. لا يتوقف إتيان تلك الأمور علي علة عقلية
يضاف إليها القيام بتلك الأمور. ولكنها تؤدي امتثالاً لها دون إجهاد للعقل
في الوصول إلي علتها ويكفي فيها أن الله قد أمر بالفعل وطلبه ليفعله
الإنسان. فالصلاة يجب أن تؤدي لأن الله فرض أداءها علي المكلفين من عباده.
وكذلك الصيام والحج. وتحريم الزنا والقتل وغير ذلك من الموبقات. فما طلبه
الله يؤدي. وما نهي عنه لا يؤدي. لأن الله قد أمر به ونهي عنه أما في مجال
العقاب. علي مخالفة أوامر الله. نجد أن هذا العقاب مداره علي علة يضاف
إليها ويدور معها وجوداً وعدماً. ومن ذلك أن الله قد أوجب عقاب السارق.
وعلة الحكم هي السرقة. كما أوجب القصاص من القاتل عمداً عدواناً. وعلة
القصاص هي القتل العمد العدوان. وعاقب علي الزنا بالحد. وعلة العقاب هي
الزنا. فإذا وجد لشروطه وجد العقاب. وإذا لم يوجد لا يحصل العقاب. وهذه
العلة يستوعبها العقل. ويقوي علي إدراك المصلحة فيها. ولهذا يوافق شرع
الله فطرة العقل السوي ولا يصطدم معها. فكل صاحب عقل سوي يدرك أن العقاب
علي الجرائم مانع من ارتكابها وزاجر للآخرين عن التفكير فيها. وأنه بدون
ذلك العقاب سوف تحدث مخاطر جسيمة تطيح بالمصالح المحمية بتلك العقوبات.
وقل مثل ذلك في كافة الأمور المبنية علي علة. والتي يقدر العقل فيها علي
إدراك علتها.

ووجه التفرقة بين الأمرين. الأمور التعبدية التي لا يتوقف الإتيان
بها علي علة عقلية. وغيرها من الأمور التعليلية. ان محور النشاط العقلي
المصاحب للالتزام بالأحكام الشرعية دائب البحث عن المصلحة التي يرجوها من
القيام بالفعل. والمصلحة مما يدرك العقل وجوه النفع فيها سواء أكان النفع
متعلقاً بالفرد أم بالمجتمع. ولهذا شرع الله له من الأحكام ما يستوعب هذا.
أما الأمور التعبدية. فإن المصلحة فيها مضمونة طالما أن الله هو الذي
قدرها. فإنه سبحانه لايفرض علينا إلا ما فيه مصلحة لنا وأن هذه المصلحة
موجودة في القيام بالعمل سواء أدركها العقل أو لم يدركها. وأما الأمور
المعقولة فإن المصلحة فيها مظنونة. ولهذا يجهد العقل تفكيره في تحقيق
وجودها. وليجمع الإنسان في سلوكه السمع والطاعة لله رب العالمين. وتقدير
العقل في التعامل مع الناس أجمعين. وذلك هو المستوي الكامل للتربية.