شــماعة العنبــر بقلم : مجيد طوبيا

من طرف تامر الجمعة فبراير 27, 2009 5:31 pm

شــماعة العنبــر
بقلم : مجيد طوبيا

‏بعد
أن مات المعز لدين الله الفاطمي‏,‏ حل محله ابنه العزيز بالله‏(‏ نزار أبو
منصور‏,‏ الذي استكثر من شراء المماليك والمغول‏,‏ واستقامت أحواله وأظهر
العدل‏..‏ وكان أول من بني الحمامات بالقاهرة المعزية‏).‏

وأقام
جوهر الصقلي وزيرا له مدة حتي مات‏,‏ فوجدوا له من الذهب العين ستمائة ألف
ألف دينار‏,‏ ومن الدراهم أربعة آلاف ألف‏,‏ ومن اللؤلؤ الكبار واليواقيت
أربعة صناديق‏..‏ ومن الثياب الديباج خمسة وسبعين ألف قطعة‏..‏ وشماعة من
المسك والعنبر فكان إذا نزع أثوابه ألبسها عليها فتفوح مسكا وعنبرا‏..‏
كما وجدوا في داره من الملاعق الذهب والفضة ألف ملعقة‏..‏ وسبعمائة خاتم
بفصوص ياقوت وماس وزمرد‏(‏ وأشياء أخري عديدة‏!)..‏ وهذا كله خارج عن
البغال والخيول والأملاك والضياع‏.‏

يقول المؤرخ لينبول‏:‏
علي
أن الذين استفادوا هم الأقباط‏,‏ فحتي ذلك الوقت كان مصيرهم يتوقف علي طبع
الحكام العرب والأتراك المختلفين أنه بوصول الفاطميين بدأت فترة من
التسامح الديني لا عهد لهم به‏..‏ وكثيرا ما بنيت أو أصلحت كنائس في
عهدهم‏..‏ وقد كان للخليفة العزيز بالله الذي حكم من‏975‏ إلي‏996‏ م زوجة
مسيحية‏,‏ وكان اثنان من إخوتها بطاركة ملكانيين‏,‏ كما كان كل من الأسقف
اليعقوبي القبطي افريم والأسقف سفيروس من خيرة أصدقائه‏(125).‏

وولي
العزيز‏:‏ نسطورس النصراني‏(‏ وزيرا بمصر‏)‏ ومنشـا اليهودي‏(‏ وزيرا
بالشام‏),‏ فكتبت إليه امرأة تقول‏:‏ بالذي أعز اليهود بمنشا والنصاري
بابن نسطورس‏,‏ وأذل المسلمين بك‏,‏ ألا نظرت في أمري؟‏..‏ فقبض عليهما
وأمر بشنقهما‏!..‏ وحسب قول المقريزي إن ابن نسطورس هلك‏!‏

وكان
وزيره هو يعقوب بن كـلـس‏,‏ وكان يهوديا من أهل بغداد ثم انتقل إلي
الرملة‏,‏ وجاء مصر وتاجر لكافور الأخشيدي وأسلم‏,‏ ثم قبض عليه بعد موت
كافور‏,‏ لكنه هرب إلي المغرب‏,‏ والتحق بالفاطميين‏,‏ وعاد معهم‏,‏ وترقي
حتي صار وزيرا‏,‏ فاستقامت أمور العزيز بتدبيره إلي أن مات‏,‏ فصلي عليه
العزيز ودفنه بيده‏.‏

يقول محمد كمال السيد‏:‏ وكان ابن كلس مدينا
بستة عشر ألف دينار‏,‏ سددها عنه العزيز بالله علي قبره‏,‏ فما أعظم
هذا‏,‏ يتولي شئون المال في الدولة ما يقرب من عشرين عاما‏,‏ مع سعة
النفوذ وعلو المكانة ويموت مدينا‏(126).‏

ويضيف أحمد أمين أن ابن
كلس كان يأخذ من العزيز في كل سنة مائة ألف دينار‏,‏ ووجد له بعد موته من
العبيد والمماليك أربعة آلاف غلام‏!!..‏ وابن كلس هو الذي وضع قواعد
الدولة ونظمها‏,‏ وكان له إلي جانب ذلك نشاط علمي‏,‏ ربط بين العلم
والتشيع‏,‏ وبين التشيع والفلسفة‏,‏ ووضع كتابا في فقه التشيع قال إنه
كتبه مما سمعه من المعز والعزيز‏,‏ كان يقرؤه في المسجد ويقرؤه العلماء
ويفتون منه‏(127).‏
‏
{‏ صائد السباع‏:‏
وفي
أيام العزيز فتحت حمص وحماة وحلب‏,‏ وخطب له صاحب الموصل‏,‏ وهو الذي بني
القصر الغربي لينضم إلي الذهب والظفر والشجرة والشوك والزمرد والنسيم
والجريم والبحر‏,‏ وهذه كلها قاعات ومناظر أو استراحات من داخل سور القصر
الكبير‏,‏ ويقال لها القصور الزاهرة‏,‏ ويسمي مجموعها القصر‏.‏

وكان
العزيز أسمر أصهب الشعر‏(‏ أي ضارب إلي حمرة وبياض‏)..‏ أشهل العين‏(‏
فيها احمرار‏),‏ بعيد ما بين المنكبين‏,‏ قريبا من الناس‏,‏ محبا لصيد
السباع‏,‏ وكان أديبا فاضلا‏:‏ بهذا وصفه المسبحي مؤرخ الفاطميين الذي
تولي الوزارة بعد موت العزيز‏.‏

وكان مغرما بالأحجار الثمينة‏,‏
فأوجد بدعة جديدة في لبس العمامة الموشاة بالذهب‏,‏ والأحزمة المرصعة
بالمجوهرات‏,‏ والمعطرة بالعنبر الأسود‏,‏ والسرج الموشي بالذهب
للحصان‏..‏ وكان مثل خمارويه شغوفا بالحيوانات الغريبة‏.‏

والجامع
المعروف باسم جامع الحاكم هو الذي وضع أساسه أواخر عام‏990‏ م وأتمه وزيره
ابن كلس‏,‏ بحيث كانت تؤدي فيه صلاة الجمعة بعد ذلك بعام‏,‏ أما الزخارف
والمآذن فقد انتهي البناء منها في عهد ابنه سنة‏1013‏ م‏.‏

مات
العزيز سنة‏386‏ هـ ـ‏996‏ م‏,‏ وخلفه ولده منصور أبوعلي الملقب بالحاكم
بأمر الله وعمره إحدي عشرة سنة‏!..‏ وهو من أعجب شخصيات التاريخ وأغربها‏!‏

‏maguidtobia@yahoo.com