القضاء سلطة.. وليس تنظيماً سياسياً عجائب انتخابات القضاة بقلم: محمد علي إبراهيم

من طرف تامر الجمعة فبراير 27, 2009 5:38 pm

مصر المستقبل
بقلم: محمد علي إبراهيم
القضاء سلطة.. وليس تنظيماً سياسياً
عجائب انتخابات القضاة

تعجبت مع غيري مما أثاره البعض حول
انتخابات نادي القضاة.. سبب استغرابي أنني وجدت الخاسرين يشوهون
الناجحين.. ربما يجوز ذلك في انتخابات ناد رياضي أو جمعية فئوية أو نقابة
مهنية.. لكن القضاة شيء آخر.

لا يصح أن يتهم قضاة زملاءهم بأنهم "بتوع الحكومة" ولا يجوز تصوير قاض جليل في الصحف ووسائل الإعلام باعتباره يتقاضي رشوة حكومية.

فمنذ تولي ممدوح مرعي منصب وزير العدل حدثت تغييرات جوهرية في رواتب
القضاة.. الزيادات والبدلات يأخذها جميع القضاة لا فرق بين من ينتقد مرعي
ومن يشيد بإنجازاته!

أصحاب المقام الرفيع الذين خسروا الانتخابات فاتهم أن يجيبوا علي
سؤال هام: لماذا لا يرفضون تلقي هذه الزيادات في مرتباتهم طالما أنها تجيء
من حكومة يناهضونها؟! إذا كانت الزيادة التي حدثت تعد تهمة تمس استقلال
القضاء. فعلي الذين يصفون أنفسهم بتيار الاستقلال أن يتجنبوها وينفضوا
أيديهم عنها.

إن أخطر ما في انتخابات نادي القضاة الأخيرة أن وسائل الإعلام تعاملت
معها باعتبار أن القضاة تنظيم سياسي وهذا أخطر ما في الموضوع.. القضاء
سلطة وهي إحدي سلطات الدولة الثلاث.. ووصف القضاة بالاستقلال يعني أنهم
ليسوا من سلطات الدولة.

أسوأ نتائج الانتخابات كان تفرقة القضاة إلي إصلاحيين وحكوميين أو
إلي مستقلين وتابعين.. للأسف الناس بدأوا يتصورون أن نادي القضاة سلطة
تشريعية وهو ليس كذلك.. واعتقدوا أن القضاة الذين خسروا الانتخابات شرفاء
والذين فازوا لا يتمتعون بالنزاهة.. وهذا أسوأ شيء.

إن هذا التصنيف أضر بأصحاب المقام الرفيع وساوي بينهم وبين السياسيين الذين خسروا انتخابات فاتهموا الحكومة بالتزوير.

القضاة الذين خسروا الانتخابات فاتهم أن يسألوا أنفسهم لماذا خسروا؟
أليس هناك احتمال أن يكون القضاة يريدون التغيير.. ألا يمكن أن يكون أصحاب
المقام الرفيع قد سئموا من المظاهرات والفضائيات والمسيرات التي تصورهم
علي أنهم سياسيون بينما حقيقة الأمر أن من يمسك بميزان العدل ينبغي ألا
يري مذهباً أو حزباً أو موقفاً سياسياً عندما يفصل في القضية المعروضة
عليه.

لقد اندهشت من آراء بعض القضاة المعارضين لمجلس النادي في تشكيله
الجديد عندما زعموا أن الحكومة تريد من النادي تزوير الأحكام لصالحها.

لا يجوز هذا الكلام لأنه أشبه بما يقوله لاعبو كرة القدم بأنديتنا
المصرية عندما يخسرون في مباريات إفريقيا فيزعمون أن السبب كان حكم
المباراة المتحيز ضدهم أو الجماهير الغاضبة أو أرض الملعب المغطاة
بالأمطار وأنهم نسوا الأحذية الخاصة بالمطر. فكانوا كثيراً ما يتزحلقون
وتتوه الكرة بين أقدامهم.. ثم إن مهاجمة الفائزين في نادي القضاة بهذا
الشكل الضاري يجعلني أعيش بتصور خاطيء وهو أن مجلس إدارة النادي يتمتع
بمزايا خطيرة ويعز علي القاضي أن يفقدها.. وهذا الانطباع لا يجوز أن يتسلل
للنفوس لأن عضوية نادي القضاة "خدمية" بحتة وليس لها علاقة بالسياسة أو
الاقتصاد. كما لا يجوز لأعضائه أن يدلوا بدلوهم في التعليق علي الأحكام.

ولعل أطرف تعليق علي الغضب من نتائج انتخابات نادي القضاة جاء من عضو
بمجلس نقابة الصحفيين حيث طالب القضاة "بالانتفاضة"! والتصدي للقضايا
الجماهيرية مؤكداً أن مشاركتهم وخروجهم للشارع لا يقلل من هيبتهم كما تزعم
الحكومة.

والحقيقة أن هذا كلام غريب فمنذ متي يطالب أحد القضاة بانتفاضة! إنها
كلمة مرتبطة بالجماهير وليس بأصحاب المقام الرفيع.. ودلوني علي أي بلد
ديموقراطي أو ديكتاتوري يقوم القضاة بتنظيم مسيرات احتجاج والتحدث إلي
الصحف والفضائيات.

القانونان الإنجليزي والفرنسي يحظران علي القاضي الظهور في حفلات
كوكتيل أو التحدث للتليفزيون أو الكتابة في الصحف.. مصر هي الدولة الوحيدة
التي يكتب فيها القضاة مقالات تنتقد الدولة.. بعض الدول تسمح لهم بتقديم
اجتهادات قانونية أو رؤية تشريعية في صورة مقال أو بحث قانوني.. لا يجوز
للقاضي في أي دولة أن ينتقد أحكاماً أو قوانين لكننا نفعلها في مصر وهذا
للأسف لا يجوز.

إن المطلب الحقيقي الذي ينبغي أن يحصل عليه القضاة في مصر هو أن
يكتسبوا حصانة ضد النقد وعدم الزج بهم في مسائل سياسية.. تأمين القضاة
"ماديا" مطلب جوهري لأنه يحصنهم ضد الفساد ويؤمنهم ضد الخطر.

بالمناسبة وزير العدل ممدوح مرعي هو الوحيد الذي نجح في أن يجعل
القاضي يجمع بين معاشه ومرتبه في سابقة هي الأولي من نوعها..ميزة استفاد
منها كل أعضاء مجلس نادي القضاة السابق والحالي وكل قضاة مصر.. ومع ذلك
يهاجمون الحكومة ويتهمونها بإفساد القضاء.