الحرية المسئولة خالد إمام

..وماذا بعد؟!
الحرية المسئولة
خالد إمام
E-mail:khaled@almessa.net.eg

لا أحد يختلف علي حق كل فرد في أن يكون حراً في تفكيره ورأيه وتعبيره واختيار أسلوب حياته.


.. ولا أحد ينكر علي الغير أن يطالب بحقوقه كإنسان ومواطن وأن يعلن تضرره ورفضه لكل ما يبخس هذه الحقوق أو ينتقص منها.


لكن.. المهم.. والمهم جداً أن تكون هذه الحرية مسئولة و منضبطة ولا
تضر بالوطن والمواطن أو تسئ إلي أحد وإلا تحولت إلي فوضي هدامة واعتداء
علي حقوق الغير.. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.

***


للأسف الشديد أن الكثيرين يرفضون أن يساء إليهم بالقول أو الفعل
ويتذرعون بحقوق الإنسان رغم أنهم ملوثون.. في حين أنهم يسيئون للغير قولاً
وفعلاً دون دليل.. فأين حقوق الإنسان هنا؟


البعض الآخر يكيل الاتهامات يميناً ويساراً للغير بدعوي حرية الرأي
والتعبير رغم أنه لا يملك دليلاً واحداً علي اتهاماته وبالتالي تخرج هذه
الحرية عن نطاقها إلي دائرة السب والقذف والتطاول وهي أمور يجرمها
القانون.

البعض الثالث مصيبته أفدح.. حيث تتعدي تجاوزاته الفرد إلي الرمز.. الدولة نفسها.


***


رأينا هذا النموذج واضحاً خلال العدوان الإسرائيلي علي غزة. وأيضاً عقب حادث الانفجار الارهابي أمام المشهد الحسيني.


عدد من الكتاب والصحفيين وكلهم في صحف خاصة محددة
بالاسم.. اتخذوا موقفاً مناهضاً للدولة أثناء العدوان علي غزة.. وهو نفس
موقف المتطاولين والمتآمرين علي مصر بالداخل والخارج.

روجوا لأفكار ومخططات خارجية دون أن يسموها. البعض ارتدي عباءات
الملالي وعمامات نصر الله.. والبعض الآخر رفع شعار الجماعة المحظورة في كل
إفك كتبه.. وفريق منهم غمزوا ولمزوا وكأن مصر ليست وطنهم الذي أعطاهم هذه
الحرية غير المسبوقة في التعبير وإبداء الرأي.

.. ونفس الكتاب والصحفيين وفي نفس الصحف أبانوا عن قلوبهم حالكة
السواد عقب الحادث الإرهابي الإجرامي بساحة المشهد الحسيني.. فوجدنا
الشماتة تقطر من كل حرف كتبوه. والغل والحقد ينضحان علي صفحات جرائدهم في
وقاحة ليس لها مثيل.. كأنهم يكتبون عن إسرائيل أو عن الشيطان.

لقد سألت نفسي كثيراً: إذا كانوا يكرهون مصر وشعب مصر إلي هذه
الدرجة.. فلماذا يعيشون فيها ويتمتعون بجنسيتها وبخيراتها مثل باقي
المواطنين الصالحين وهم أبعد ما يكونون عن ذلك؟.. أليس منطقياً أن يتركونا
في سلام ويرحلوا باختيارهم؟

هل وصل الأمر إلي حد الشماتة؟.. وشماتة فيمن؟.. في بلدك؟ تنتابني
رغبة شديدة وأمنية أود تحقيقها.. لكن لابد أن يكون هؤلاء أمامي حتي لا
يتطاير الرذاذ!

***


إن القلم مسئولية فإذا تلوث أو أصابه غرض أو مرض فإنها أم الكوارث.


نعم أنت حر.. ولكن للحرية حدود وأسقف فإذا تجاوزت هذه
الحدود أو اخترقت الأسقف تحولت تلقائياً إلي فوضي.. وما أكثر الفوضي في
الصحف والشارع.

سوف أضرب لكم مثلاً واحداً ساءني جداً.. أمس الأول نشرت إحدي الصحف
الخاصة في صدر صفحتها الأولي وبعناوين حمراء متابعة لحادث الحسين علي لسان
شاهدة عيان بأن الجناة اختبأوا في حلمية الزيتون.. وحددت اسمين: الأول
مروان والثاني ناصر وأن هناك ثالثاً لا تعرف اسمه.. وأنها تتبعتهم
بسيارتها من الحسين إلي حلمية الزيتون حيث اختبأوا فأبلغت عنهم.

تبين بعد ذلك.. أن خطيبة الأول اختلفت معه وأرادت الانتقام منه..
استغلت الحادث الإرهابي وأبلغت عنه وعن زوج شقيقته واخترعت قصة وهمية..
إلا أن التحقيقات أثبتت عدم ضلوعهما في الحادث فتم الإفراج عنهما.

ما تم نشره يدين الجريدة لأنها لم تتحر الدقة الكافية.. ففي مثل هذه
الحوادث يتم القبض علي كل من يشتبه فيه أو يقدم ضده بلاغ والتحقيقات تفصل
فيها.. لذا.. فالأحري ألا ينشر أسماء من يتم ضبطهم للاشتباه حتي لا يساء
إليهم بالباطل.

الأمر ليس انفراداً ولا يحزنون.. ما نشر فيه استخفاف بسمعة مواطنين أبرياء.. تم تلويثهم دون دليل.


وهذا ما أريد توضيحه.. هناك خيط رفيع بين حرية الصحافة والاستهانة بشرف الناس.


من حقي كصحفي أن أنشر وقائع صادقة ومقننة لا أن أصدر أحكاماً نهائية
علي أناس لم يثبت تورطهم أو إدانتهم وأفضحهم علي صفحات الجريدة بهذا
الشكل.

هل هذه هي الصحافة؟


الصحافة مهنة شريفة.. وليست مقصلة علي رقاب العباد بلا ذنب اقترفوه.