ســـلطة الفـكر بقلم : د‏.‏ سامي عبد العزيز

من طرف مجرد انثى الأحد مارس 01, 2009 2:06 pm

ســـلطة الفـكر
بقلم : د‏.‏ سامي عبد العزيز

سعدت
أخيرا بحضور المؤتمر الدولي الذي نظمه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار
برئاسة مجلس الوزراء تحت عنوان مراكز الفكر في الدول النامية‏:‏ تحديات
وحلول‏.‏

والحقيقة أن مراكز الفكر في كل انحاء العالم ودورها من
حيث إمداد متخذي القرار بالنتائج والتوصيات المتعلقة بكل قضايا التنمية هي
قضية تحتاج بالفعل لكثير من التأمل‏..‏

فإذا كانت المؤشرات
والاحصاءات الجيدة تسهم في ادارة حوار مجتمعي ناضج‏,‏ وفي ترشيد صنع
القرار‏,‏ وفي اعتماد صانعي السياسات ومتخذي القرارات عليها عند صياغة
السياسات العامة‏,‏ بحيث تصبح هذه السياسات قائمة علي القرائن والدلائل
والمؤشرات فإن لمراكز الفكر دورا اساسيا في هذا الصدد من خلال المراحل
الاربع لعملية دعم القرار التنموي وهي‏:‏ جمع وتجهيز البيانات والاحصاءات
الخام حتي وصولها الي مرحلة البعد التنموي للقرارات مرورا باضافة كل من
البعد المعلوماتي والبعد المعرفي لهذه البيانات والاحصاءات‏.‏

فالمواد
الخام التي تعتمد عليها مراكز الفكر هي الافكار‏,‏ وهذه المراكز تقوم
بتقييم واختبار مدي صحة الافكار التي تشكل اساسا للسياسات المختلفة‏.‏ كما
انها تقوم بالعمل علي تطوير افكار يمكن علي اساسها صياغة سياسات
مستقبلية‏,‏ وبالتالي ينطبق عليها وصف جيمس آلان سميث الذي قدم العديد من
المؤلفات عنها بأنها سماسرة الافكار‏.‏

وتتفاوت تجارب مراكز الفكر
في الدول المختلفة‏,‏ فالولايات المتحدة صاحبة باع طويل في هذا المجال‏,‏
ودعونا نكتشف ان من ضمن‏4500‏ مركز بحثي في كل انحاء العالم هناك‏2000‏
منها موجودة بالولايات المتحدة وحدها من بينها تسعة مراكز بحثية تعد من
اهم المراكز البحثية واكثرها نفوذا وتتراوح ميزانيتها ما بين ثلاثة ملايين
الي ثلاثين مليون دولار‏,‏ وعمالة ما بين‏35‏ و‏200‏ موظف‏.‏

ويشير
ستروب تالبوت مدير معهد بروكينجز للبحوث في دراسة له الي انه منذ احداث
الحادي عشر من سبتمبر‏2001‏ فقد اصبحت ابحاث مراكز الفكر في الولايات
المتحدة أكثر تركيزا علي انتاج افكار وتحليلات من شأنها ان تؤدي لتطوير بل
واعادة مراجعة العلاقات بين الغرب والعالم الاسلامي وكيفية احداث التوازن
بين اليقظة ضد الارهاب وبين حماية الحريات المدنية وكذا الصراع العربي ـ
الاسرائيلي والحاجة لتبني اساليب الدبلوماسية التقليدية مع الأخذ في
الاعتبار موضوع ظهور لاعبين خارج حدود الدول القومية وكذا النقاش حول
الضربات الوقائية لاجهاض التهديدات من ارهابيين والدول التي تساندهم وكذا
تطوير استراتيجية عالمية لعالم ما بعد الحرب الباردة ومستقبل عدم التسلح
وقضية انظمة الصواريخ الدفاعية‏.‏

ويوضح تالبوت كيف صار لمراكز
الفكر دور مركزي ومهم‏,‏ لأنها اصبحت المصدر الرئيسي للمعلومات والخبرات
لصانعي السياسات والصحفيين ايضا‏,‏ ذلك ان تقاريرهم وتحليلاتهم يتم
الاعتماد عليها بشكل اساسي لإرشاد اعضاء الكونجرس في رسم السياسات
التشريعية وللصحفيين في كتابة تقاريرهم‏.‏

اما تجربة مراكز الفكر
في اليابان فتتسم بأنها مستقلة في تمويلها وتفسح المجال للقطاع الخاص
لانشائها وتهتم مراكز الفكر في اليابان حاليا بدراسة عدد من القضايا من
اجل وضع السياسات المطلوبة بشأنها ومن ابرزها تزايد كبار السن في المجتمع
الياباني وما يترتب علي ذلك من ضرورة توفير الرعاية الصحية لهم ودور
المسنين اللازمة‏,‏ بالاضافة الي الاوضاع الاقتصادية في اليابان في ظل
الازمة العالمية وبعض المشكلات الناتجة عن العولمة‏.‏

وتركز مراكز
الفكر في دول شرق اوروبا علي دراسة عدد من القضايا في الوقت الحالي من
أبرزها العنف والصراعات الموجودة في عدد من دول العالم‏,‏ وقضية التغيرات
المناخية‏,‏ فضلا عن تأمين مصادر للطاقة‏.‏

وفي مصر تتعدد التجارب
الناجحة لمراكز الفكر ومن ابرزها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة
مجلس الوزارء ومركز الاهـرام للدراسات السياسية والاستراتيجية‏.‏ والمركز
القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وغيرها‏.‏

ولقد اثبتت التجارب
العملية والواقعية لمراكز الفكر في العالم انها ليست جهات لـ الشو
الاعلامي بل إنها تزود مجتمع السياسيين بالتحليل والنتائج التي يمكن ان
تستخدم كنواة لتطوير سياسات جديدة أو تعديلها او مراجعة للسياسات القائمة
عن طريق محاولة رؤية القضايا وفهم ابعادها المختلفة بشكل اعمق‏.‏

والسؤال
إذن‏:‏ الي اي مدي يمكن ان تستخدم مخرجات هذه المراكز كمدخلات لصناعة
القرار؟ تشير الدراسات في هذا الصدد الي ان ما تقدمه مراكز الفكر من
معلومات لصانع القرار يجب ان تتسم بعدة سمات منها القدرة علي التحسين
والتطوير المستمر‏,‏ والقابلية للاستيعاب من قبل متخذ القرار وتوفير
الصورة الكاملة لمتخذ القرار‏,‏ بدءا من التحليل وحتي توقعات نتائج تطبيق
القرار وان تحمل بدائل القرار وزنا سياسيا واجتماعيا مناسبا وليس اقتصاديا
فنيا فقط‏.‏

وبالاضافة الي ذلك فإن مراكز الفكر ذاتها يجب ان تضع
في اولوياتها عدة اعتبارات هي التعرف علي نوعية النمط التحليلي المناسب
لمتخذ القرار‏,‏ والقدرة علي الاستمرارية في العمل بنفس معدلات الأداء
المرتفعة وبناء الكيان المؤسسي المتماسك الذي لا يتغير بتغير الافكار او
تعاقب الحكومات‏.‏

وعلي الرغم من انني من دعاة التفاؤل والنظر الي
نصف الكوب المملوء‏..‏ فإنني لا اتصور ان مراكز الفكر في بلدنا سواء من
حيث الكم والنوع تشكل جزءا اساسيا من صناعة القرار وخاصة علي مستوي
المؤسسات الكبري سواء العامة او حتي الخاصة‏,‏ فما يوجد لدينا لا يزيد عن
فكرة الاستعانة بمستشار او تشكيل لجان مؤقتة لدراسة مشروع ما محدد‏,‏ وليس
بالضرورة الأخذ بمقترحاتهم‏,‏ بل ان البعض يعتقد ان المستشار ما هو إلا
درج زائد في مكتب المسئول قد يفتحه أحيانا وقد ينساه في احيان اخري وقد
يتباهي به في أحيان اخري اي ان سلطة الفكر لم تأخذ حقها بعد في صناعة
القرارات‏.‏

ان مصر وهي تمر بمرحلة التطور تحتاج الي مثل هذه
المراكز الفكرية المتخصصة لكي توفر لنا سيناريوهات مختلفة لإدارة قضايانا
قبل ان تتحول وهو كثيرا ما يحدث الي ازمات‏.‏