كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف وفاء الإثنين مارس 02, 2009 11:28 am

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

أي
مراقب لأحوال الحركة النقدية في شتي فروع الأدب والثقافة والفنون والعلوم
والعمل العام بكل مجالاته السياسية والتنفيذية في بلدنا يمكن له أن يلمس
وجود شبهة خصام بين الرأي العام وبين غالبية القيادات الأكاديمية‏,‏ التي
امتطت جواد العمل العام في عديد من المؤسسات الثقافية والعلمية والفنية‏.‏

والحقيقة
أن ظاهرة الهجوم دون تمييز علي القيادات الأكاديمية تعكس ظلما كبيرا‏,‏
خصوصا وأن محاولة تحميلهم مسئولية الفشل في بعض المواقع ترتبط دائما
بالسعي إلي تشويه قيمة الرأي الأكاديمي في أي قضية بالقول‏:‏ إنه رأي بعيد
عن الواقع وأن أصحابه أكاديميون يعيشون في أبراج عالية ومغلقة‏.‏

إن
من الطبيعي أن يكون هناك أكاديميون لايصلحون إلا للبحث العلمي والتدريس
وإلقاء المحاضرات وأن يكون هناك ـ كذلك ـ أكاديميون يمتلكون موهبة العمل
القيادي والفكر المستنير في مجال تخصصاتهم‏,‏ ومن ثم فإن تعميم صفة الفشل
علي الأكاديميين في العمل العام خطأ فادح لا يقل فداحة عن خطأ الوهم بأن
كل أكاديمي يمكن أن يكون مؤهلا بعلمه لوضع الوصفات السحرية‏,‏ وتقديم
الروشتات لعلاج أوجاعنا الاقتصادية والثقافية والفنية والاجتماعية‏.‏

إن
هناك أكاديميين في كليات الطب والهندسة والزراعة والعلوم والتجارة والحقوق
والآداب والفنون والتربية الرياضية والتربية الموسيقية استطاعوا أن يضعوا
بصمات عظيمة في مواقع عملهم‏,‏ وفي مجالات أخري كثيرة تبعد عن تخصصاتهم‏,‏
بينما هناك أكاديميون لم يستطيعوا أن يثبتوا وجودهم في مراكز قيادية
متواضعة حتي في داخل مؤسساتهم العلمية لأنهم ـ بحكم طبيعتهم وتكوينهم
الشخصي والنفسي ـ مؤهلون فقط لإنجازات علمية وبحثية داخل معاملهم ووسط
أرفف المكتبات وليس يعيبهم بأي حال افتقارهم إلي المقومات القيادية
والإدارية‏,‏ التي يملكها غيرهم‏.‏

وليس من شك في أن أسلوب
ومواصفات منح الدرجات العلمية في الجامعات هو الذي فتح الباب أمام إمكان
التشكيك في قيمة هذه الدرجات العلمية الرفيعة‏,‏ خصوصا في بعض الجامعات
الاقليمية الجديدة‏,‏ التي تسابق الزمن من أجل سرعة استكمال كوادرها‏,‏
وقد ترتب علي ذلك نشوء ما يمكن أن نسميه ظاهرة سلق البحوث الجامعية‏,‏ حتي
أصبح التعبير المتداول هو نسخ البحوث من البحوث مع بعض التعديلات الطفيفة
علي غرار ما كان يحدث في عهود الانحطاط الثقافي عندما كانت تسود ظاهرة
تأليف الكتب من الكتب‏.‏

وليس هناك من سبيل لاستعادة الهيبة
للدرجات العلمية بدءا من شهادة البكالوريوس‏,‏ وحتي درجة الدكتوراه داخل
الجامعة وخارجها إلا بإعادة النظر في لوائح ونظم التعليم الجامعي‏,‏ وقصر
منح مثل هذه الدرجات العلمية علي المتفوقين الحقيقيين‏.‏

إن
استعادة أجواء الهيبة والاحترام والتقدير للشهادات الجامعية علي امتداد
الشارع المصري بكل مؤسساته وهيئاته لن تتحقق إلا بجعل مثل هذه الدرجات
العلمية اسما علي مسمي‏..‏ وأما استمرار منح هذه الدرجات بنفس أسلوب منح
شهادات النجاح في التعليم العام بمختلف مراحله فمعناه أننا أصبحنا علي
أعتاب حالة تضخم تماثل حالة التضخم النقدي‏!‏

وعندما يحدث ذلك لن
يتوقف الهجوم علي القيادات الأكاديمية في مواقع العمل العام فقط‏,‏ وإنما
سينتهي صراع المفاضلة بين الخريجين حسب اسم وتاريخ الجامعة من نوع ما حدث
في أزمة المتقدمين للعمل في السلك القضائي قبل أسابيع‏!‏

attalla@ahram.org.eg