ريم بسيوني في الحب علي الطريقة العربية بقلم : د‏.‏ صلاح فضل

من طرف نونو الإثنين مارس 02, 2009 12:14 pm

ريم بسيوني في الحب علي الطريقة العربية
بقلم : د‏.‏ صلاح فضل

ريم
بسيوني استاذة مصرية متخصصة في اللغويات الحديثة وتحليل الخطاب السياسي‏,‏
تعمل في الجامعات الأمريكية لكنها مشدودة من عرقوبها لبلدها مصر وعالمها
العربي‏.‏ مفتونة باستحضارهما إبداعيا في عدد من الروايات المتتالية
الناجحة‏,‏ رابعها وآخرها بعنوان الحب علي الطريقة العربية‏,‏ تصور فيها
من بعيد مشهد الخريطة الوجدانية للمهاجرين العرب بعوالمهم ومصالحهم‏,‏ وهم
يحملون لهجات بلادهم وقسمات روحهم وعبق عطرهم المشترك وهي لاتكتب ذلك بدم
بارد ولابمنظور استشراقي متباعد‏,‏ بل تحتفظ بسخونة الفتاة الاسكندرانية
المتوهجة وعقل الباحثة العلمية المتأملة‏,‏ وقدرة المبدعة علي تفجير
اللحظات الدرامية في حيوات الشخوص التي توجدها‏.‏

علي أن الحب الذي
تجسده في هذه الرواية وتعطي له النكهة العربية يسري عبر مشروعين متعاقبين
لايكاد أحدهما يتم حتي ينبثق الآخر ليشتبك به ويفجره‏,‏ أولهما مشروع صوت
الرواية‏;‏ الأستاذة صفاء المحامية الحرة الجريئة‏,‏ التي تزهو بأنها كسبت
قضية مهمة ضد الحكومة‏,‏ وفسخت خطبتها من الشاب القنوع الذي لم يقدر قيمة
انجازها‏,‏ ثم ذهبت لزيارة أخيها في العاصمة الأمريكية‏,‏ فبهرت منذ
اللحظة الأولي برب عمله الثري اللبناني الناجح نبيل نصار فلم تتردد لحظة
في اعتزام اقتناصه زوجا ملائما مع كارت الفيزاالسحري الذي يمتلكه‏,‏ وقد
استغرق هذا المشروع أكثر من نصف الرواية مما كاد يوهمني بأن ريم بسيوني قد
تركت تحليل الخطاب السياسي لتمعن في تحليل المناورات النسوية وشرح دهاء
المرأة الفطري في تحقيق أهدافها‏,‏ لكن المشروع الثاني لم يلبث أن عدل كفة
الميزان ليكشف عالما أرحب وأخصب من الاشتباكات السياسية والصراعات
الدامية‏,‏ وكان الاغتيال السياسي بدافع حب الأمة العربية هو التعبير
الأمثل عن نوع آخر من الحب علي الطريقة العربية‏.‏

الورطة الأولي
واجهت
صفاء في مطار نيويورك موقفا صعبا فقد وجدت نفسها ماثلة أمام محقق أمريكي
بتهمة خطيرة‏;‏ شبهة التسبب في وفاة سيدة أمريكية‏,‏ كانت قد تعرفت عليها
في صالة المطار وتبادلت معها الحديث ـ علي قدر معرفتها بالانجليزية ـ عن
مصر وآثارها وأهراماتها‏,‏ حيث بدأت الأمريكية ولعا حقيقيا وحماسا كبيرا
مما حدا بصفاء أن تنتابها نزعة الكرم فتخرج من حقيبة هداياها تي شيرت
مرسوما عليه توت عنخ آمون وقدمته لها‏,‏ صرخت الأمريكية من الدهشة
والفرح‏,‏ ارتدته في الحال وقامت تبحث عن مرآة لتري نفسها بالزي الفرعوني
لكنها سقطت مغشيا عليها وفارقت الحياة‏.‏ أخذت الأسئلة تنهمر علي صفاء عن
علاقتها بهذه السيدة‏,‏ وإذا كانت لاتعرفها من قبل فلماذا تهديها شيئا‏,‏
وأوشكت أن تدخل دائرة الإرهاب‏,‏ لم ينقذها سوي تعاطف المترجم الأردني
معها‏,‏ وتفهمه لموقفها‏,‏ بل وإخطاره للسيد نبيل نصار الوجيه اللبناني
صاحب الشركة التي يعمل بها أخوها والذي كان موجودا بالصدفة في المطار
لاستقبال شخصية لبنانية كبيرة هي الوزير شهاب الدين تدخل الرجل بنفوذه
وعلاقاته لضمانها والإفراج عنها‏,‏

بل وصحبها في سيارته الفارهة
إلي واشنطن حيث أوصلها بنفسه إلي منزل أخيها الذي جاءت لزيارته‏.‏ منذ تلك
اللحظة أحكمت صفاء نسيج شباكها حوله‏,‏ تعرفت علي سكرتيرته ورسمت لها خطة
الزواج بصديقها الأمريكي بالرغم من معارضة أهله‏,‏ درست طباع نبيل
وعلاقاته السابقة‏,‏ استخدمت ذكاءها الأنثوي في إغوائه ببراءتها
وعذريتها‏,‏ وعندما تحقق لها ما أرادت ـ بكثير من العناء ـ سألته لماذا
تزوجتني فقال لأنك ساحرة تقتلين بنظرة وتي شيرت وجميلة ودمك خفيف وأهم من
ذلك غير مباشرة علي الإطلاق مختلفة كل الاختلاف عن الأمريكيات تلفين
وتدورين وتراوغين وتحاولين السيطرة والانتصار بكل الأسلحة بريئة وداهية
كانت امرأة عربية ينسكب منها الخجل والرهبة‏,‏ تعرف طعم الألم الذي يسبق
النشوة‏,‏ وتعرف أن الأيام بلا حزن تمر بلا انتصار في الألم يكمن النصر
بلا ألم لا هي عربية ولا هي مصرية‏.‏

العرق السياسي
لايلبث
العصب السياسي ان يستنفز في الرواية بشدة‏,‏ عندما تكتشف الزوجة العاشقة
بالصدفة أن زوجها الذكي‏,‏ الشيعي العروبي معا‏,‏ ضالع في تدبير عملية
اغتيال الوزير اللبناني الذي يتظاهر بصداقته‏,‏ لاينكر نبيل ذلك علي
خطورته‏,‏ لأن هذا الوزير يريد تقديم لبنان لإسرائيل علي طبق من فضة
ولبنان بؤرة نار كيان اخترعه المحتل ليعذبنا به‏,‏ فلو أصبح دمية في يد
اسرائيل سينهار العرب جميعا خاصة لأن الغرب يفتتنا في كيانات هشة كقطع
الخبز الصغيرة ليسهل عليها هضمها لاتقوي المحامية علي إثناء زوجها عن عزمه
ولاتستطيع إقرار مشروعية القتل تتحول اللعبة بينهما إلي صراع إرادة
عنيف‏,‏ يومئ لها باحتمال تواطؤ أجهزة عديدة في المخطط وتعرضها وتعرضه
للتصفية إن بدر منهما احتمال كشف أي سر‏,‏ يصحبها بطريقة شبه قسرية في
رحلة إلي لبنان ليعرفها بأهله تزمع ان تستعين بأمه عليه‏,‏ يذهبان إليها
في إحدي قري الجنوب‏,‏

تبدو نموذجا مأساويا وإذا كانت قد فقدت
زوجها وابنها الأكبر في صرعات الحروب واتخذت مقعدها بجوار النافذة لاحظت
لأول مرة أن والدته تبدو كشبح عيناها تمران علي العيون كمرور الطائرة علي
السحاب بسرعة وبلا أي تأثر كأن العيون من حولها مصنوعة من ذرات المياه
الضعيفة‏:‏ أحست بأنها لو رأت أمها هكذا لشعرت بحيرة لاتوصف كانت ستشعر
بالعجز والضغينة ولاتدري من الضحية ومن الجاني‏,‏ يبدو أن الضحية والجاني
في عالمنا العربي متشابها كل التشابه‏,‏ ويبدو أننا كلنا ضحايا وجناة في
آن واحد تشتعل حينئذ حرب اسرائيل الثانية علي الجنوب يختفي نبيل ولايظهر
إلا ليخبرها بأن العملية قد تمت‏,‏ تتحول لتتبني منظوره بعد صراع داخلي
شديد‏,‏ تتفجر في الحرب تعقيدات الأوضاع اللبنانية والعربية بشكل لايتوازي
حرفيا مع الوقائع وإن اتفق في الدلالة‏,‏ تبدو ريم بسيوني وهي تسبح في
مياه السياسة في أفضل حالاتها الابداعية في التحليل والتركيب‏,‏ في صياغة
وجدان الأنثي وتحديد مصائر الأوطان‏,‏ في كتابة أعماق الحياة العربية
المعاصرة في تياراتها الكبري وهي تسبغ عليها رؤيتها ومذاق مشاعرها
المميزة‏.‏