إجازة نص السنة بقلم : يوسف القعيد

من طرف نونو الإثنين مارس 02, 2009 12:15 pm

إجازة نص السنة
بقلم : يوسف القعيد

ماذا أصبحت تعني لنا إجازة نص السنة في مصر؟
سؤال
تعمدت طرحه بعد أن قام التلاميذ والطلاب بالاجازة وعادوا إلي مقاعد
الدراسة مرة أخري‏,‏ لأن معني الاجازة اختلف وتغير بصورة شبه مطلقة‏,‏ رغم
أن ما سأحكي عنه لم يمض عليه سوي نصف قرن أو ربما أقل من ذلك‏.‏ في أيامنا
الراهنة اصبحت اجازة نص السنة‏.‏ تعني أن تغلق المدارس والجامعات‏,‏ أن
تأخذ هيئات التدريس راحة من العمل اليومي‏,‏ وأن يستعد التلاميذ والطلاب
لأيام من اللهو واللعب‏,‏ يستريحون فيها من عناء المذاكرة‏,‏ وهذا تصور
خاطيء وقبل أن أقول لماذا هو خاطيء تعالوا نري ماذا كان يتم في مصر إزاء
اجازة نص السنة‏,‏ كانت هناك رحلة الاقصر وأسوان حيث يقوم التلاميذ بموجب
اشتراك بسيط يقدر علي دفعه أفقر فقير من الطلاب برحلة نصفها في أسوان‏,‏
ونصفها الآخر في الأقصر‏,‏ يستخدمون قطارات السكة الحديد‏,‏ ينزلون في
بيوت الشباب‏.‏ وتوضع لهم برامج سياحية يمكن أن يكون عنوانها‏:‏ اعرف بلدك
أو اعرف وطنك‏..‏ وان كان ذلك مطلوبا في الماضي‏,‏ فنحن في أشد الحاجة
إليه في الحاضر‏,‏ لان الرياح العاتية التي تهب علينا من كل جانب توشك أن
تقتلع جذور حياتنا‏,‏ وأن تجعل مسلمات وجودنا أمورا لم تعد من ركائز
حياتنا‏.‏

لم يكن السفر باتجاه الجنوب فقط‏,‏ كانت هناك رحلة
لبورسعيد‏.‏ لاتقتصر عليها وحدها لكنها تشمل مدن القناة الثلاث‏:‏
بورسعيد‏,‏ الاسماعيلية‏,‏ السويس‏,‏ قبل ذلك كانت هناك رحلة للسودان يزور
المصري معالم نصفنا الجنوبي ويراه ويتجول فيه‏,‏ بل انني سمعت انه في
سنة‏1952‏ كانت هناك رحلة جامعية إلي الدول الاسكندنافية‏,‏ كانت
تكاليفها‏25‏ جنيها مقابل الزيارة‏,‏ وفي نفس هذا الوقت تقريبا كانت هناك
زيارة إلي مواني البحر الابيض المتوسط الجنوبية والشمالية‏,‏ وكان المبلغ
يدفع بالجنيه‏,‏ أكثر من هذا كانت هناك رحلة بالقطار من القاهرة إلي
القدس‏.‏ تدفع ثلاثة جنيهات ان استخدمت القطار‏,‏ وتدفع خمسة جنيهات ان
استخدمت الاتوبيس‏,‏ وهذه الرحلات كانت تتم قبل عام النكبة الكبري والمشرف
علي الرحلة كان يتسلم علي الحدود بيانا بالأماكن التي احتلها الصهاينة‏,‏
وكان ممنوعا زيارتها‏,‏ نحن اذن أمام رحلات داخلية تستخدم القطار‏,‏
ورحلات خارجية تستخدم الطائرة‏,‏ ورحلات بالبحر‏,‏ ورحلات للجيران‏,‏ مرة
في الجنوب وأخري في الشرق‏.‏

وهذا معناه أن إجازة نص السنة كانت
جزءا من الجهاد التعليمي‏,‏ ومن عملية التربية ولاتشكل فراغا بين نصف
السنة الاول ونصف السنة الثاني‏,‏ هذا ما كان‏.‏ ولدينا في تراث السينما
المصرية فيلم سينمائي عنوانه‏:‏ إجازة نصف السنة‏,‏ وحسب موسوعة محمود
قاسم للافلام العربية آخر طبعة‏,‏ التي أصدرها علي نفقته الخاصة ان فيلم
اجازة نصف السنة الذي أخرجه علي رضا ولعبت بطولته فريدة فهمي‏,‏
وعرض‏1962/12/17‏ فيه مجموعة من الشبان يسافرون إلي الريف في اجازة نص
السنة‏,‏ من أجل التدريب علي استعراض راقص‏,‏ ترغب الجماعة في الاشتراك به
في مسابقة للجامعات أين هي هذه المسابقات الآن؟‏!‏ وتحدث مغامرات وقصص حب
لكن الفيلم يقدم صورة أكثر من جميلة للريف المصري بل يوشك ان يمثل دعوة
للسفر إلي الريف تحت حلم العودة إلي الجذور‏.‏

وهناك الفيلم الذي
أخرجه خليل شوقي وعرض في‏1967/3/2‏ عن قصة إبراهيم الورداني معسكر
البنات‏,‏ ولعب بطولته أحمد مظهر وليلي طاهر ورجاء الجداوي‏,‏ والحدث
الجوهري رحلة إلي أبي قير حيث يقام معسكر للبنات ومعسكر للشباب في اجازة
نص السنة‏,‏ وتحدث مغامرات وقصص حب تنتهي بثلاث زيجات خلال هذه الاجازة‏.‏

ولأن
الشيء بالشيء يذكر‏,‏ سينما الأمس تأتي بنا إلي سينما اليوم‏,‏ فإن أكبر
دليل علي الفراغ الذي يعيشه طلاب مصر خلال إجازة نص السنة انه اصبح لدينا
موسم سينمائي في القاهرة والاسكندرية‏,‏ وعواصم المحافظات التي توجد فيها
دور عرض سينمائي وما أقلها يسمي موسم نصف السنة يحدث تشاحن وتقاتل من أجل
العرض فيه والعائد المالي الضخم من عروضه يؤكد زيادة الاقبال عليه‏,‏ الذي
يوشك أن يتفوق علي المواسم القديمة‏,‏ مثل موسمي عيد الفطر وعيد الاضحي‏,‏
وهذا الاقبال معناه ان الطلاب لايجدون ما يفعلونه سوي الذهاب إلي
السينما‏.‏

لا أحب الطريقة التي نتعامل بها مع تلاميذنا في المدارس
وطلابنا في الجامعات‏,‏ ما ان تهل علينا إجازة نص السنة حتي ينفض كل واحد
منا يده من الأمر‏.‏ ومادامت المدرسة والمعهد والكلية تتعامل هكذا مع
الطلاب‏,‏ فان الاسرة تحمل عناء قضاء وقت فراغ أبنائها خلال الاجازة‏,‏ من
لديهم ناد يتجهون إليه ومن ليس لهم ناد ـ ربما كانوا الاغلبية العظمي من
أهل مصر ـ فالشارع والكرة الشراب أملهم الوحيد‏,‏ عندما كانت لدينا كرة
شراب‏,‏ وعندما كانت عندنا شوارع تستحق أن تسمي شوارع‏,‏ الكتابة عن هذا
الموضوع ليست ترفا‏,‏ والأهم من إجازة نص السنة القصيرة خمسة عشر يوما
فقط‏.‏

هناك إجازة الصيف‏,‏ التي يمكن تسميتها بالفراغ الموحش
الكبير‏,‏ الذي لايجد الشاب أمامه ما يفعله خلالها‏.‏ المسألة متشعبة
وصعبة ومعقدة‏.‏ تدخل فيها وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي‏,‏
ومجلسا الشباب والرياضة وأجهزة الحكم المحلي هل نصل إلي أمر يوشك أن يكون
من الاحلام أن نعتبر الاجازات جهادا آخر لايقل أهمية عن مرحلة التعليم؟