بين الإرهاب.. والإنتهازية صلاح عطية

من طرف هاواى الإثنين مارس 02, 2009 12:22 pm

بين الإرهاب.. والإنتهازية
صلاح عطية
salahattia@hotmail.com

* لماذا اختارت منظمة السياحة العالمية
"UNWTO" مصر ممثلة في زهيرجرانه وزير السياحة لرئاسة لجنة الصمود ومواجهة
الأزمات؟.. بكل تأكيد لنجاح مصر في اجتياز كل الأزمات التي مرت بها في
السنوات الماضية.. وهي أزمات كان الكثيرون يظنون أن الخروج منها سيأخذ
وقتاً طويلاً. فإذا بها تنتهي في وقت أقصر بكثير مما ظن الكثيرون.. وإذا
مصر تنجح في إدارة الأزمة.. أزمة بعد أزمة.. وتخرج منها لتزداد السياحة
فيها قوة وازدهارا.. رغم المضاعفات التي عانت منها.. وأثرت في أسعار
منتجها السياحي.

* مصر إذن ليست غريبة علي الأزمات التي تواجهها السياحة.. وقدر
السياحة والاستثمار في مصر. ان تكون نقطة الضعف التي يقصدها كل من يريد
الاضرار بهذا البلد لأي سبب من الأسباب ولصالح أي جهة من الجهات التي
تستهدف مصر واستقرارها وأمانها.. وهي جهات كثيرة تتربص بمصر.. وتقوم من
حين إلي حين بتوجيه سهاماها إلي صناعة السياحة.. لتؤثر ليس في السياحة
وحدها.. وإنما في نحو 70 صناعة وخدمة تترابط جميعها مع السياحة وتتأثر بها
سلباً وإيجاباً.. وتستهدف لقمة العيش التي يتعيش منها نحو 12.6% من مجموع
القوي العاملة في مصر.. وبالتالي تستهدف الاقتصاد المصري كله الذي تترابط
حلقاته كأي اقتصاد عالمي.

* إذن ذاك العدوان الأثيم علي السياحة والمواطنين في منطقة الحسين..
وتوابعه من اعتداء علي أحد الأمريكيين.. هو استمرار لمخطط استهداف السياحة
والسياح الذي يلجأ إليه أعداء هذا الوطن.. سواء كانوا من أبنائه أو من غير
أبنائه. الذين أعماهم الجهل والتعصب والحقد.. والذين يصبحون أدوات في يد
جهات لاتريد لهذا الوطن أن يحقق النمو والازدهار.. ولا يعيش أماناً ولا
يحس استقراراً.

* ولا يمكن أن نقول إن هذه الأحداث لن تؤثر علي السياحة.. وأن يسارع
البعض حتي من كبار المسئولين ليقول إن الحادث لم يؤثر علي السياحة.. فهذا
نوع من التسرع في الحكم علي نتيجة هذا الحادث..وهذا تسطيح للأمور.. يجانبه
الصواب.. ولنذكر أحاديث نفس المسئولين الذين سارعوا عقب الأزمة المالية ثم
الاقتصادية ليقولوا إن مصر بعيدة عن الأزمة.. ثم إذا بهم بعد ذلك يعترفون
أن الأزمة لن ينجو منها أحد. وهذا يذكرنا بالتصريحات التي يسارع فيها بعض
السفراء والمسئولين دائماً عقب كل كارثة في أي بلد.. "بأن المصريين هناك
بخير".. دون التحقق من أي شيء حول أوضاع المصريين في تلك الدولة أو
غيرها.. وهي كلها تصريحات تريد طمأنة الناس.. ولكنها تتجاهل حقائق الأمور
وتطورها.

* لابد أن نشهد تأثرا في صناعة السياحة.. ولابد أن يكون السؤال عن
هذه الكارثة أول ما يواجهنا في المعارض والملتقيات السياحية الدولية..
وبين كل من نلتقيهم أو نتصل بهم..الجميع سيتكلمون عن هذا الحادث
وانعكاساته وتبعاته.

* ولكن خبرة مصر في إدارة هذه الأزمات ستجعلنا بإذن الله نجتاز
آثارها السلبية في أسرع وقت.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخري.. أصبح
العالم كله معتاداً علي هذه الأحداث في كل مكان.. وأصبح تأثيرها سريع
الزوال.. لأن الناس أصبحت تتعايش مع هذه الأزمات.. وتتلقي صدماتها مدركة
أن الاستسلام لها يعني انتصارا لأهداف الارهاب.. وأنها يجب أن تتصدي
للارهاب بافسادها لما كان يريد تحقيقه من أهداف.

اتحادات الكتاب السياحيين تساند مصر

* ولابد أن أسجل هنا تعاطف الكتاب السياحيين العالميين والعرب معنا
بعد حادث الارهاب الأخير.. لقد تلقيت فور وقوع الحادث اتصالات عديدة من
زملائنا في الاتحاد العالمي للصحفين والكتاب السياحيين "الفيجيت: FIJET"..
في مقدمتهم تيجاني حداد رئيس الاتحاد.. والذي أصدر باسم الاتحاد بيانا
أدان فيه الاتحاد هذا الحادث ومطالبا الحكومات وشركات السياحة وبالتالي
السياح. بعدم السماح لهذا الحادث بالتأثير علي توجه السياح إلي مصر.. وإلا
نكون قد ساندنا الإرهاب واستسلمنا لأهدافه.. نفس الشيء فعله اتحاد الكتاب
السياحيين العرب باصداره بيانا أدان فيه الحادث ودعا إلي الوقوف إلي جانب
مصر في مواجهة أي آثار سلبية قد تنتج عن الحادث.. ودعا كذلك إلي تشجيع
السياحة العربية البينية بين الدول العربية لمواجهة آثار الأزمة المالية
الاقتصادية العالمية وتأثيراتها السلبية التي أدت إلي نقص الحركة السياحية
المتوجهة إلي العالم العربي بشكل عام.. وأن يكون البديل لتعويض آثار
الأزمة هو توجه السياح العرب إلي بلدانهم العربية بدلا من السفر إلي بلدان
أجنبية.

الانتهازية.. والأنانية.. وراء التخلص من العاملين

* وننتقل إلي جانب آخر من جوانب الأزمة التي تعيشها صناعة السياحة
المصرية.. وأعرف أن هذه الكلمات ستغضب الكثيرين من المعارف والأصدقاء في
أوساط السياحيين المصريين.. ولكنها كلمات لابد منها في ظروف الأزمة التي
نعيشها.. والتي تعاني منها كل فروع الاقتصاد المصري وليس صناعة السياحة
المصرية وحدها.

* وإذا كانت صناعة السياحة المصرية تعاني الآن.. فلنذكر جميعاً أنها
حققت نجاحاً متواصلاً. وبالتالي أرباحا كثيرة. في الأعوام الماضية. وهم
يعرفون أن المسألة أصبحت دورات. أعوام من النجاح والمكسب والأرباح. وعام
أو أكثر أو أقل من الانكماش.. وبالتالي فإن كسب وأرباح سنوات تعوض الخسائر
في سنة متتالية.. أو هكذا يجب أن يكون الأمر.

* سيقول البعض لا يوجد أحد يحتفظ بأرباحه.. وإنما هو يواصل
الاستثمار. يضخ أرباحه في استثمارات جديدة.. يتوسع ويشتري مزيدا من
الاتوبيسات.. يعيد ضخ أمواله في فنادق عائمة.. يعيد بناءها.. أو يقتنيها..
يدخل في مشروعات فندقية.. باختصار يستثمر ويكبر في مهنته.. والهدف هو
تكامل الخدمات.. التي تعطيه القدرة علي المنافسة في الأسواق العالمية..
وتعطيه القدرة علي تقديم خدماته بنفسه لسياحه.. ولايمكن أن نسمي هذا
احتكارا.. فهكذا تفعل كبريات شركات السياحة العالمية في كل أنحاء العالم..
وتفعل كبريات شركات السياحة المصرية من القطاعين العام.. والخاص.

* وإذا كانت شركات السياحة تستثمر أرباحها في استثمارات اضافية تقوي
من أوضاعها في السوق.. فنحن لا نلومها.. ولايمكن أن يلام أحد لأنه يستثمر
ويتوسع.. ولكن اللوم هنا يوجه إلي بعض الكبار في مصر.. وليس كلهم.. ممن
سارعوا بالاستغناء عن العمالة.. عند أول اشارة بأن السوق يتجه الي
الانحسار.. انها أشبه بقبطان الباخرة التي شح موردها من الغذاء.. وهي
تواصل مسيرتها.. وبدلاً من أن يتقاسم الجميع مواردهم لتستمر الحياة. فيقوم
قبطان الباخرة بالقاء ركابها في البحر واحداً بعد الآخر.. ليستمر هو في
حياته علي حساب من ألقاهم في البحر.. ماذا تسمي هذا؟!.. هي أنانية..
انتهازية في أفضل الظروف.. وهي خيانة لمن ساعدوه ووقفوا معه في الرخاء..
فإذا به في وقت الشدة.. وعند أول بادرة يضحي بمن حوله ببساطة.. دون أن
يضحي من أجلهم من فائض ما حققه بسببهم من أرباح في سنواته السابقة.. وليس
ذنبهم أنه وضع كل أمواله في استثمارات.. ولم يضع في حسابه السنوات العجاف
التي كان يعرف أنها ستأتي في أي وقت؟!

* التضحية من أجل العاملين.. وليس التضحية بالعاملين هي ما نريده من
هؤلاء.. وهؤلاء لن يضحوا من جيوبهم.. وإنما لابد من أن يضحوا مما حققه
هؤلاء العاملين لهم في سنوات سابقة.. وهو بالتأكيد سيعوض هذه التضحية بعد
انتهاء الأزمة.. وسيكسب مادياً ومعنوياً.. سيكسب من المال ما يعوض
الخسائر.. أو نقص الأرباح.. وسيكسب ولاء العاملين الذين سيشعرون بولاء
صاحب العمل واعترافه بجميلهم وخدماتهم له.

دعوة "لتجريس" من يستغنون عن العمالة

* وأود أن أقول أيضا أن ما يقوم به البعض في قطاع السياحة من إجراءات
سلبية في مواجهة العاملين لديهم . يفسد الصورة الايجابية التي نحاول أن
نرسخها في الأذهان عن الأثر الاجتماعي للسياحة ودورها في انعاش المجتمعات
إلي جانب دورها الاقتصادي العام في الاقتصاد الوطني.. وهذا ما ينبغي أن
نتصدي له بقوة وحزم.. وينبغي مواجهة هؤلاء بأفعالهم.. بل و"بتجريسهم"..
كما كان الأمر يجري في العصور القديمة.. "بتجريس" من يرتكب أفعالا مخلة..
وليري اقتراحات محددة لهذا "التجريس" لمن يريد أن يأخذ الأمور مع هؤلاء
مأخذ الجد لأن الأمر لم يعد ماسا بالسلام الاجتماعي فحسب.. وإنما بسمعة
صناعة نحاول أن نرسم لها صورة ايجابية هي بالفعل جديرة بها.

* مع كل هذا أقول انه الي جانب واجب اصحاب الأعمال في التضحية من أجل
العاملين لديهم.. فانه أيضاً من واجب الدولة ان تساند رجال الأعمال الذين
كسبت من ورائهم ضرائب دخلت موازنة الدولة.. وفرص عمالة وفروها في أيام
الرخاء.. وتحملوا أعباءها عن الدولة..

* وعلي الدولة ان تسهم مع رجال الأعمال وتساعدهم علي الاحتفاظ
بالعمالة من ناحية.. وعلي مواجهة الأزمة من ناحية أخري.. والأفكار في هذا
كثيرة.. ولا داعي لتكرار الحديث عنها.

الأرواح تلتقي..

* كان موعدي مع الزميلة الراحلة عفاف الجبيلي يوم 25 فبراير ..2009
تلقيت منها اتصالا هاتفيا قبل ذلك بأيام.. تسأل عني وعن الأبناء.. وتحدثني
في أمر قرية الصحفيين في الساحل الشمالي باعتباري نائبا لرئيس مجلس ادارة
الجمعية المسئولة عن القرية.. وتناقشنا سويا في مجموعة من الآراء
والاقتراحات.. ثم إتفقنا علي أن نتحادث مرة أخري يوم الأربعاء 25 فبراير
..2009 قبل اجتماع مجلس ادارة الجمعية في مساء نفس اليوم لنبلور مجموعة
الآراء والمقترحات لأقدمها باسمها في المساء..

* ولكن عفاف الجبيلي أخلفت موعدها.. ولم تتصل.. ونقلت في الاجتماع
جانبا من وجهات نظرها.. ولم أكن أدرك في ذلك الوقت أنها تعيش لحظاتها
الأخيرة وأنها أسلمت الروح في صباح الخميس.

* هل كانت عفاف تودعني ضمن من ودعت من أصدقائها وزملائها في مكالمتها
تلك؟! هل كانت تدرك بدنو الأجل وهي تفعل هذا.. وهل هي الأرواح تلتقي بين
الأخوة والأصدقاء في لحظات الفراق؟

* نفس الشئ حدث معي ومع الأخ العزيز الراحل أنور زعلوك.. أمين صندوق
جمعية الكتاب السياحيين السابق.. اتصل بي قبل وفاته بيوم واحد.. يعاتبني
أنه لم يرني منذ مدة.. ويسأل عني وعن أحوالي.. ويطمئن علي الأبناء.. وصدمت
في اليوم التالي بوفاته.. ومرة أخري.. هل كان أنور زعلوك يودعني من بين من
ودعهم من الزملاء والأصدقاء؟.. هل الأرواح تتلاقي بين الأخوة والأصدقاء في
لحظات الفراق؟

* رحم الله عفاف الجبيلي.. زميلتنا في جمعية الكتاب السياحيين
المصريين.. وعضو مجلس إدارتها في دورات سابقة.. كانت أختاً عزيزة تأسرك
بمثاليتها وتأسرك باستقامتها واعتزازها بنفسها في تواضع يرفع من قدرها..
وتأسرك في خدمتهات لزملائها.. وتعاونها مع الجميع لصالح الجميع.. عزاءنا
إلي زوجها الزميل العزيز د. أمين المعداوي.. وإلي كل زملائها في وكالة
أنباء الشرق الأوسط. وإلي كل زملائها من الكتاب السياحيين المصريين والعرب
ورحم الله عفاف الجبيلي.. وعوض الجميع فيها خيراً.