التهديــدات بقلم : أمين هويدي

من طرف هاوى الثلاثاء مارس 03, 2009 10:07 am

التهديــدات
بقلم : أمين هويدي

في
خطابه الهادف في عيد الشرطة يوم‏2009/2/5‏ ـ ومبروك ياشرطة وكل عام وأنتم
ونحن بخير ـ قال الرئيس نحمي أمن مصر ونحتضن قضايا أمتنا وسأواصل العمل
بكل جهد لتحقيق تطلع شعبنا للعيش في عزة وكرامة‏,‏ ومعني ذلك‏:‏ الاهتمام
بأمن الوطن وأمن المواطن‏,‏ وهذا بيت القصيد للأمن القومي للبلاد‏,‏ وأن
هذا الأمن ليس قطريا بل قوميا عربيا يهتم بكل القضايا العربية مما يعززه
اهتمامات وجهود مصر التي لا ينكرها إلا الصغار والتي يعترف بها القاصي
والداني والتي يسجلها التاريخ علي شكل التضحيات التي قدمتها ومازالت
تقدمها‏.‏

وأمن الوطن يتأثر بالتهديدات الخارجية‏,‏ وأما أمن
المواطن فيتأثر علاوة علي ذلك بالتحديات الداخلية والتي لم أتحدث عنها
لأننا نعيشها ونعاني ضغوطها كل حسب مستواه وحاجياته وتطلعاته‏..‏
فالتحديات التي يواجهها الأغنياء‏,‏ غير التحديات التي يواجهها أصحاب
الستر‏,‏ غير تلك التي يواجهها من هم علي باب الله‏.‏

وقال أيضا
لمصر جيش قوي قادر ومستعد لرد الصاع صاعين إن وقع عدوان علي أرضنا
وسيادتنا والمصالح العليا للبلاد‏,‏ وهذا كلام مطمئن لنا ويعتبر في نفس
الوقت رسالة لغيرنا من الأصدقاء والأعداء تدفعهم الي إعادة حساباتهم بدقة
كاملة‏,‏ فإن اتفقت حساباتهم مع ما قيل في الرسالة ارتدعوا عن العدوان وإن
حدث العكس نفذوا نياتهم الخبيثة لأن الرسالة تحمل معني الردع ومن أهم
شروطه تصديق المرسل إليه ما يقال بناء علي ما يتوافر لديه من معلومات عن
وجود وسائل الردع‏,‏ والكفاءة القتالية‏,‏ والعزيمة التي لا تتردد في
استخدامها اذا لزم الأمر‏.‏

وتواجه التهديدات والتحديات باستخدام
القوة وقد تواجه هذه الحقيقة بالاستنكار والدهشة من البعض‏,‏ ولكن ربما لا
يستمر ذلك اذا اتفقنا علي أن القوة قد تكون خشنة باستخدام القوات
المسلحة‏,‏ وقد تكون ناعمة باستخدام قوي الدولة الأخري السياسية
والاقتصادية والثقافية ـ ومجموعها يشكل قدرة الدولة وهي عملة التعامل في
السوق السياسية ـ وقد تكون رشيقة بمزج استخدام القوة الخشنة مع القوة
الناعمة‏,‏ وفي نفس الوقت قد يكون استخدام القوة في حالة الثبات أي
الردع‏,‏ وقد يكون في حالة الحركة أي القتال‏..‏ وتخطئ بعض الدول ذات
النزعات العدوانية فتستخدم القوة العسكرية كوسيلة وحيدة لممارسة السياسة
مثل الولايات المتحدة في أثناء إدارة الرئيس جورج دبيلو بوش أو إسرائيل في
جميع عهودها إذ إن هذا يزيد من الأزمات وعدم الاستقرار مما يدفع الي سباق
التسلح والحرب الدائمة التي تنتهي بالدمار‏.‏

وليس معني هذا أن
الدول تعيش في حالة من السلام الكامل‏,‏ الذي يخلو من الخلافات والتناقضات
بينها ولكن عليها أن تعيش ـ كرأي الرئيس ريتشارد نيكسون في كتابه نصر بلا
حرب‏..‏ في سلام واقعي أي تتعايش مع خلافاتها ومحاولة حلها دون استخدام
القوات المسلحة علي أساس الارادات الغامضة ولتحقيق أغراضها الناقصة‏.‏

ولكن
الجارة إسرائيل لا تعرف إلا لغة الدم والقتل والتدمير ولذلك فهي تهديد
خطير ومستمر لأمننا القومي‏,‏ واسمحوا لي أن أنقل بعض ما كتبته في جريدة
الأهالي الغراء يوم‏2009/2/11‏ تحت عنوان النار مشتعلة علي حدودنا
الشرقية‏...‏ الموقف علي حدودنا الشرقية ملتهب وغير مستقر يحتاج منا الي
الاستعداد واليقظة بعيون كعيون الصقور‏,‏ ودهاء كدهاء الثعالب‏,‏ وقوة
كقوة الأسود لكسر أرجل وقطع رقاب من تسول لهم أنفسهم أن يعبثوا داخلها
بطريقة أو أخري وعند إثارة المتاعب وعدم الاستقرار في منطقتنا لابد من
البحث عن إسرائيل الدولة العابثة الشقية‏,‏ فإسرائيل تريد دائما أن تبقي
علي سخونة الأوضاع هناك في قطاع غزة وفي الأراضي المحتلة وغرضها النهائي
تحقيق استراتيجية الترانسفير‏,‏ فهي تريد فلسطين الكاملة دون سكان قطاع أو
ضفة‏,‏ وللأسف الشديد هناك في الجانب الفلسطيني من يريد ذلك بأفكارهم في
السر وأعمالهم في العلن وهم لا يعلمون أنهم بذلك يضيعون القضية بشعارات
ظاهرها الوطنية وباطنها الخيانة‏,

‏ فما تقوم به إسرائيل يجعل الشك
ينمو ويزداد في قيمة أي اتفاقيات صلح تعقد معها فنياتها خبيثة ولم تتخل
عنها تحت رايات السلام أو أجواء التهدئة الدائمة‏,‏ ولن يوقف ذلك إلا
قوتنا الرادعة‏.‏

ثم هناك تهديدا آخر هو تهديد القراصنة الذين
يمارسون تهديداتهم علي خطوط مواصلاتنا في العمق‏,‏ وقد كتبنا عن ذلك وربما
كنا من أوائل المنبهين لهذا الخطر‏,‏ لكني أصبحت الآن لا أعرف شيئا عن
تطور مواجهة هذا التهديد عالميا أو ذاتيا‏,‏ وبالرغم من ذلك فإنني أقترح
ألا تهدأ مقاومة هؤلاء خاصة بعد البيانات الرسمية التي تفيد بنقص عدد
السفن التي تمر في قناة السويس وتراجع حجم حمولتها‏,‏ وقد تفسر هذه
الظاهرة أيضا بسبب ضعف الطلب في أوروبا والولايات المتحدة وكندا علي
الصادرات من الصين واليابان وكوريا الجنوبية‏,‏ نتيجة نقص السيولة في
الدول المتقدمة‏,‏ علاوة علي انخفاض سعر البترول والتناقص الكبير في
الصادرات المصرية‏.‏

وهناك تهديدات يمكن أن نطلق عليها التهديدات
النائمة مثل أحدها ويقع في الجنوب خاص بالحصص المتفق عليها لتوزيع المياه
بين دول وادي النيل‏,‏ لأنه اذا كان أصحاب القرار اتفقوا بحكمتهم علي ذلك
الآن‏,‏ فمن يضمن أن أصحاب القرار في المستقبل القريب أو البعيد سوف
يتمتعون بنفس حكمة رجال اليوم‏,‏ خاصة مع ازدياد عدد السكان الذي يتطلب
زيادة مساحة الأراضي التي تحتاج الي ري مستديم‏,‏ وأخري تقع في المنطقة
الملتهبة علي حدودنا الشرقية في أراضي فلسطين‏,‏ والتهديد هنا ديموجرافي
يتعلق بزيادة عدد السكان في كل من فلسطين وإسرائيل بحيث تضيق بهم المساحات
التي تخصص لهم وقد يفكر البعض في حل هذه المشكلة الديموجرافية عن طريق
حلول جغرافية في الأراضي المجاورة‏.‏

وهناك تهديد آخر كامن في
أفكار إسرائيل حتي من قبل نشأتها‏,‏ يتعلق بقناة بين البحرين الأبيض
والأحمر كبديل لقناة السويس رغما عن صعوبة تنفيذ ذلك‏,‏ ولكن ألم تكن نشأة
إسرائيل تفكيرا مستحيلا قبل أن توجد وتصبح جارا مقلقا مهددا لأمن دول
المنطقة كلها؟‏!..‏

وهناك تهديدات منسية من صنع يدنا وحلها في يدنا
أيضا‏,‏ تتعلق بأطراف الوطن في كل من النوبة وسيناء لحاجتها الشديدة الي
التنمية وواجب السلطة المركزية هو أن تكون عامل جذب لأطرافها‏,‏ خاصة اذا
كانت وسائل ذلك متيسرة باستخدام القوي الناعمة المقامة لتنفيذ خطط متفق
عليها بكل إصرار وجدية في إطار الخطة العامة للدولة‏.‏

وهناك
تهديدات أخري كثيرة مثل الأزمات المالية والاقتصادية‏,‏ وزيادة عدد
السكان‏,‏ وتضخم الدين الخارجي والداخلي وانتشار الفساد‏,‏ ولكننا نكتفي
بما قيل لأن الخريطة امتلأت بالعلامات الحمراء واللون الأحمر يدل علي
الخطر‏..‏ وقد يري البعض ترك بعض هذه التهديدات الي الأبناء والأحفاد وهذا
في تقديري تخل من الآباء عن مسئولياتهم وهذا لا يجوز‏.‏

ونختم
بحقيقة لا يجوز انكارها‏,‏ وهي أن مصر ـ رغما عن وجودها في قلب قوي
الأزمات ورغما عن كل التهديدات المشتعلة حولها ـ مازالت آمنة بفضل رعاية
الله لها فهي مصر المحروسة بإذن الله‏,‏ وبفضل السياسة الحكيمة التي تحقق
لها الأمن والاستقرار رغما عن المحاولات اليائسة لتوريطها في الفخاخ
والأزمات والمطبات والتي تتفاداها بإدارها الماهرة للأزمات وان اتسمت
بالحذر الشديد‏,‏ لأن الأمر يحتاج الي شيء من المجازفة المدروسة وليس
المقامرة المتهورة الطائشة‏.‏