إعمار النفوس!بقلم: محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم: محمد علي إبراهيم
إعمار النفوس!

كان الرئيس حسني مبارك بليغا وهو يؤكد في
مؤتمر إعمار غزة الدولي أمس أن أموال العالم لا يمكنها أن تعيد من سقط من
الشهداء أو أن تعوض الجرحي والمصابين من المدنيين الأبرياء.

الرسالة البليغة التي أراد الرئيس مبارك إيصالها للفلسطينيين أنه إذا
كنا نستطيع ان نرمم المساكن ونمد المرافق ونصلح المنشآت والبنية الأساسية
وكل ما يتعلق بمقومات الحياة. فالأصعب ان نصلح النفوس.

إعمار النفوس هو المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.. من المهم جدا كي
ينجح إعمار المباني أن نمهد لإزالة مسببات الاحتقان بين الأشقاء.. لن ينجح
الإعمار بدون وفاق وطني فلسطيني لتسهيل عملية البناء والترميم وإدارتها
بالسرعة والإنجاز المطلوبين.

لن ينجح الإعمار دون احترام التهدئة وعدم الالتفات إلي تحريضات الخارج ضد مصر ومحاولتها إصلاح ذات البين بين الفلسطينيين.


بالأمس إيران طلبت من سوريا التعاون معها لدعم الفصائل الفلسطينية
وحذرتها من حيل الاعداء المجاورين.. أي أعداء تقصد طهران؟ هل تقصد مؤتمر
إعمار غزة؟ هل المطلوب أن يبقي القطاع مدمراً لا زرع فيه ولا ماء ولا
حياة؟! هل يريدون أن تبقي غزة مقبرة للفلسطينيين ليبقي النضال خياراً
وحيداً. وليترسخ مفهوم أن المقاومة تعني القتل برضا وطيب خاطر وإسقاط
الحياة والأمل والمستقبل من أولويات واهتمامات الفلسطينيين؟

من أجل ذلك كله يؤكد الرئيس مبارك دائماً علي ان التهدئة بين
الفلسطينيين والاسرائيليين ستكون هي الهدف الأسمي.. التهدئة تعني في
مفهومها الشامل ان تصفو النفوس.. أن يشعر الاسرائيليون ان الشعب الذي يرزح
تحت احتلالهم له الحق في الحياة مثل باقي الشعوب.. مصر تبذل جهوداً فائقة
مع إسرائيل لتعديل مواقفها من الفلسطينيين. ولو نجحت في ذلك سيكون هذا
أكبر إنجاز لمصر.

ان مصر وهي تقود جهود التهدئة بعد أن تضمن إعادة إعمار غزة يهمها أن
تركز علي أهمية التجاوب الجاد للمبادرة العربية للسلام. فأمن شعب إسرائيل
لا يحققه سوي السلام العادل.

مصر وهي تسعي لإعمار النفوس يهمها أن تكون هناك حكومة فلسطينية موحدة
تلتزم تماما بعملية السلام وفي الوقت ذاته فإنه ينبغي أن يظهر التزام
الحكومة الإسرائيلية المقبلة بالسلام أيضا وليس أن تسعي - كما هو واضح
الآن - للتنصل من تبعاته واستحقاقاته.

إعمار النفوس له واجبات ومقتضيات علي الجانبين.. فنحن بحاجة أن يعالج
الفلسطينيون القضايا الأمنية بوجهة نظر واحدة.. تبذل مصر جهودها كي تصفو
نفوس الفلسطينيين إزاء بعضهم البعض.. لايمكن أن تسري التهدئة بين
الفلسطينيين والإسرائيليين وحماس وفتح علي هذا التناحر والاختلاف.

لا يمكن أن تكون هناك تهدئة والنفوس فيها ما فيها بين أكبر فصيلين
فلسطينيين.. لا يمكن أن تنجح التهدئة واحدهما يطالب بأن يطرد الآخر من
القطاع والثاني لا يريد إشراك الأول في الإشراف الأمني علي المعبر.

لا يمكن أن تصمد التهدئة وهناك نوعان من الموظفين.. الأول يحصل علي
مرتبه بانتظام من السلطة الوطنية الفلسطينية والثاني يحصل علي مرتبه من
قوة إقليمية يدين لها بالولاء أكثر من ولائه لوطنه وأهله وعشيرته.

ينبغي أيضاً حتي تكتمل الصورة وتنصلح النفوس أن تبدأ الحكومة
الفلسطينية الموحدة عملها علي أساس المرجعية الفلسطينية الواحدة.. ولابد
أن يتوقف الاستيطان.. المستوطنات سرطان ينهش في الجسد الفلسطيني ويقوض
جهود المصالحة.

لا يعقل أن نقول مفاوضات وحكومة توافق وطني فلسطيني ثم نفاجأ
بإسرائيل تذكي نيران التطرف وتصر علي استمرار الاستيطان مما يعطي مبررات
قوية لمن يكرهون السلام أن يدفنوه حيا كلما زاد الاستيطان.

إن إعمار النفوس الذي تسعي إليه مصر يهدف إلي إنهاء هذه الحلقة المفرغة من البناء والهدم والتي لاتكاد تتوقف إلا وتبدأ من جديد..


الإعمار هذه المرة غير قابل للانتكاس.. لا نستطيع أن نغامر بالعودة
إلي نقطة الصفر.. الإعمار للنفوس قبل المباني والجيوب.. إعمار النفوس
سيختصر الطريق إلي عملية السلام.. سيقابل الفلسطينيون الإسرائيليين بموقف
واحد ورؤية ثابتة..

إعمار النفوس يكفل فتح المعابر وإنهاء الحصار.. لن يتمسك أحد برأيه
في فتح معبر وترك الآخر. أو التواجد علي معبر دون غيره.. إعمار النفوس
أصعب كثيراً. لكنه أكثر أهمية. ونأمل الانتهاء منه سريعاً!