علي طريق الإيمان

ليست الأيام والشهور والسنون كلها سواء عند الله. فقد فضل بعضها علي بعض
بأحداث شرفت بها وأشرقت بموجبها علي ما سواها. وقد درجت البشرية المؤمنة
علي تفضيل هذه العلامات الزمنية تبعا لتفضيل الله - سبحانه وتعالي - لها.
والقضية منطقية لهذا الارتباط بين الحدث والزمن. والمسلمون يذكرون الشهور
والأيام جيدا ويحفظونها بصفاتها التي فضلها الله بها. ومما يذكرونه جيدا
من الشهور شهر ربيع الأول الذي اتخذ المسلمون من ليلة الثاني عشر منه عيدا
لهم بسبب ميلاد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فيها. يحتفلون فيها
بالذكري العطرة. بل يقضون ليالي هذا الشهر الكريم في احتفالات بالمناسبة.
فتعقد حلقات المعلم في المساجد وقاعات الدرس. وتكتب المقالات في الصحف
والمجلات وتصدر الكتب للمناسبة ولغيرها من المناسبات الإسلامية. وإذا كان
هذا عاما في حياة المسلمين فهو من خصوصيات شهر ربيع الأول. شهر ميلاد أفضل
الخلق عند الله. وإذا كانت بعض الدول الإسلامية لا تتخذ من هذا اليوم عيدا
بميزات احتفالية علي اعتبار أن مرور كل يوم في حياة المسلمين يذكرون فيه
دينهم ونبيهم يعتبر عيدا عندهم. وهذا واقع لا شك فيه. فالبشرية لا تجد
نبيا يحتفي به وبرسالته مثل النبي محمد - صلي الله عليه وسلم - وبهذا جاء
الكتاب الكريم الذي أنزله الله علي قلب هذا الرسول وأصبح دستور حياتها
ونبع فكرها ومعين رسالتها في الحياة. وقد وردت أوصاف كثيرة للقرآن في
القرآن مقرونة بالإسناد الكريم لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهو
الأمر العظيم الذي لم يتحقق لرسول من قبل النبي الخاتم محمد - صلي الله
عليه وسلم - ولا لكتاب سابق أنزل علي نبي سابق قبل هذا النبي الخاتم. بل
إن العالم كله يحتفل مع الفاتح من شهر يناير كل عام أو قبله بأيام أو بعده
بأيام بأول السنة الميلادية. والميلاد هنا ينسب في الأصل إلي نبي الله
سيدنا عيسي - عليه السلام - وإن كان توقيت الاحتفال يختلف عند الغربيين
عنه عند الشرقيين. فهو عند الغربيين يكون قبل أول يناير بأيام. وعند
الشرقيين يكون بعد أول يناير بأيام. وأهل الحساب لا يتفقون علي يوم معين.
وهذا الاختلاف منسوب إلي اختلافهم في يوم ميلاد المسيح - عليه السلام -
ولكن يوم ميلاد النبي الخاتم - محمد صلي الله عليه وسلم - معروف بالميقات
الدقيق وبساعة من اليوم الذي ولد فيه. وهذا توثيق رباني كفله الله لميلاد
النبي الخاتم الذي توج الله شخصيات الرسل الذين بعث بهم إلي البشرية
لإرشادها إلي دينه وتوج بكتابه كل الكتب التي بعث رسله بها إلي الناس.
وجعل هذا الكتاب الخاتم وثيقة لا مجال إلا لتصديقها علي الكتب السابقة.
فإذا أردنا أن نعرف شيئا عن التوراة فلا نعرفه إلا من القرآن. وإذا أردنا
أن نعرف شيئا عن الإنجيل فلا نعرفه إلا من القرآن. لأن الأصل من كل من
التوراة والإنجيل ذهب وكتب الله الزوال له. وما بقي فإنما بقي عنهما في
أقاويل الأحبار والرهبان التي تضمنت مدخولات كثيرة علي النصوص الأصلية.
أما القرآن الكريم فقد حفظه الله من التغيير والتبديل والحذف والإدخال.
ونص علي هذا الحفظ في الآية التاسعة من سورة الحجر. حيث يقول تعالي: "إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" والذكر من أسماء القرآن الكريم. وفي حفظ
الله للقران وهو كتاب الإسلام حفظ لكل الكتب والرسالات التي نزلت علي
الأنبياء السابقين علي النبي الخاتم محمد - صلي الله عليه وسلم - فبقاء
القرآن وحفظ الله له بقاء للرسالات السابقة عليه ولكتبها التي أنزلها الله
- سبحانه وتعالي - فالنبي الخاتم الذي نحتفل بذكري مولده هذه الأيام هو
المبلغ عن الله بالأنبياء السابقين عليه. وكتابه القرآن هو الوثيقة
الباقية عنهم. وهي وثيقة ثابتة بنصها الذي أنزلها الله به. وهي بذلك ليست
وثيقة للإسلام وحده. وإنما هي وثيقة لكل الأديان السابقة عليه. فإذا أردنا
أن نعرف شيئا صحيحا عن اليهودية فإنما نعرفه من القرآن. وإذا أردنا أن
نعرف شيئا صحيحا عن النصرانية فإنما نعرفه من القرآن. وبذلك يكتسب الإسلام
صفة العمومية للناس جميعا. كما يكتسب القرآن صفة العمومية للناس جميعا.

إننا حين نحتفل بذكري مولد الرسول الخاتم محمد - صلي الله عليه وسلم
- فإنما نحتفل بذكري كل نبي سابق عليه. وحين نحتفل بالكتاب الخاتم الذي
نزل عليه فإنما نحتفل بكل الكتب التي أنزلها الله علي الأنبياء قبله
واحتفظ القرآن وحده بنقاء هذه الكتب كما أنزلت فلم يدخل إليه تحريف ولا
تغيير. وهذا قضاء الله وقدره لحفظ الإسلام وحده دينا للبشرية كلها. وحفظ
كتابه دستورا للبشرية كلها. فهو الكتاب المحفوظ بعناية الله القائل في
الآية التاسعة من سورة الحجر: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ولذلك لا نجد نسخة من القرآن تختلف في آية واحدة عنها في أية نسخة أخري في
مشارق الأرض أو مغاربها. فالإسلام دين الله وهو حافظه. وعلي البشرية أن
تدرك ذلك علي طريق إيمانها.

يعطيكـ العافيهـ


ع


المجهود الاكثر



من


رائعـ


لاعدمناكـ

مشكور كتير على هالموضوع