الإعمار السياسي بقلم : عماد عريان

من طرف ديانا الأربعاء مارس 04, 2009 10:27 am

سياسة خارجية
بقلم : عماد عريان

الإعمار السياسي
لم تكن القمة التي استضافتها مدينة شرم الشيخ قبل يومين مجرد مناسبة اقتصادية لحشد الجهود الدولية لإعادة إعمار ما خربه العدوان الإسرائيلي الأخير علي قطاع غزة‏.‏ وإنما كانت في حقيقة الأمر تظاهرة سياسية تؤكدها المشاركة المتميزة للمجتمع الدولي والقوي الأوروبية والولايات المتحدة وكلها أطراف أساسية صانعة للتطورات علي الصعيدين الدولي والإقليمي‏,‏ فوجود الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوث الرباعية الدولية توني بلير يؤكد أن الصفة السياسية لم تكن غائبة عن قمة شرم الشيخ لدعم إعمار غزة‏,‏ فلو كانت اقتصادية فقط لاختلف حجم المشاركة ودرجة التمثيل إذا كان الهدف مجرد جمع أموال لإعادة البناء‏.‏ ولاشك في أن تلك القمة المبهرة خرجت بنتائج أكثر من رائعة فيما يتعلق بحشد مليارات الدولارات لإعادة بناء غزة التي تئن يوميا تحت وطأة الحصار الفلسطيني وتدهور مستوي المعيشة للمواطنين نتيجة لهذا الحصار‏,‏ ورغم ذلك فإن النتائج السياسية المواكبة لهذا الحدث الضخم لا تنبئ بإمكان حدوث اختراقات كبري علي صعيد المشكلة الفلسطينية‏,‏ ودليل ذلك شواهد عديدة تجمعت خيوطها خلال القمة أو علي هامشها‏.‏ فالحديث عن أمن إسرائيل كان طاغيا من جانب عديد من الأطراف الأوروبية‏,‏ فضلا عن أن كلمة واحدة أو قرارا واحدا بتحميل إسرائيل مسئولية ماحدث في غزة وإدانتها علي ذلك لم تصدر عن القمة‏,‏ وعلاوة علي ذلك لم تظهر في الأفق أي توجهات سياسية لتحريك الموقف أو الحصول علي ضمانات بردع إسرائيل ومنعها من تكرار ما أرتكبته في قطاع غزة من دمار وخراب‏,‏ وأيضا عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بآليات دعم الفلسطينيين كشعب وليس كمؤسسات فئوية‏.‏ وربما كان التطور الأهم والأخطر الذي ينسف جهود الإعمار من جذورها هو قرار الحكومة الإسرائيلية عشية قمة شرم الشيخ بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة والسماح لنحو‏250‏ ألف إسرائيلي أو أكثر باستيطان وابتلاع مناطق فلسطينية جديدة‏,‏ وبذلك فإن السرطان الإسرائيلي يتمدد ويبتلع حقوق الفلسطينيين دون أي قدرة دولية حقيقية علي ردع الطرف المحتل‏,‏ وإذا أخذنا في الاعتبار قدرة الدول العربية منفردة علي إعادة إعمار غزة دون مساعدات خارجية فكان المطلوب من الدول الأوروبية والقوي الدولية إرادة سياسية حقيقية لردع إسرائيل عن تصرفاتها غير المسئولة ووضع المفاوضات علي الطريق الصحيح‏,‏ والمرجح في هذا الشأن هو حاجة غزة والأراضي الفلسطينية بل والشرق الأوسط إلي الإعمار السياسي حتي يصبح للإعمار الاقتصادي معني حقيقي وأرضية تضمن له النجاح والاستمرار‏.‏