تاريخ مضيء للإسلام والمسيحية بقلم: محمد سلماوي

من طرف koko الأربعاء مارس 04, 2009 11:31 am

تاريخ مضيء للإسلام والمسيحية
بقلم: محمد سلماوي

لم
أقرأ منذ سنوات كتابا عن الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر
بهذا الجمال‏,‏ إنه الكتاب الذي أصدره كل من منير غبور وأحمد عثمان باسم
المسيحية في الإسلام‏,‏ ذلك أن الكتاب‏,‏ علاوة علي نبل مقصده‏,‏ اعتمد
علي نصوص محددة في القرآن‏,‏ ووقائع مؤكدة في التاريخ لإثبات العلاقة
الحميمية‏,‏ ليس فقط بين الإسلام والمسيحية‏,‏ بل أيضا بين المسلمين
والمسيحيين منذ بداية ظهور الإسلام وحماية المسيحيين لأتباعه‏,‏ وحتي عصور
ازدهاره وحمايته بدوره للمسيحيين‏,‏ وهو تاريخ تآخي متبادل بين الجانبين
ظل سائدا قرونا طويلة لم يكن فيها مشايخ يصفون المسيحيين بالمشركين‏,‏ ولا
كان المدرسون يقولون لطلبة المدارس ألا يسلموا علي المسيحيين لأنهم
كفار‏,‏ ولا كانت الناس في الشوارع تحرق الكنائس‏,‏ وتعتدي علي المساجد‏.‏

ومن
أجمل فصول كتاب المسيحية في الإسلام ذلك الفصل القصير الذي ورد في باب
النصاري والإسلام الذي يحمل عنوان هجرة المسلمين إلي الحبشة المسيحية‏,‏
والذي يروي فيه المؤلفان كيف أن عرب الجزيرة‏,‏ خاصة قبيلة قريش اضطهدوا
أتباع دين محمد الجديد‏,‏ وضيقوا عليهم الخناق‏,‏ فأوذي أصحاب الرسول‏(‏
صلي الله عليه وسلم‏),‏ وضاقت عليهم مكة حتي صارت حياتهم جحيما لا يطاق‏,‏
وأن المسيحيين هم الذين حموهم حين هاجر المسلمين إليهم في الحبشة‏.‏

في
تلك الفترة نزلت سورة الكهف التي روت قصة الفتية الذين فروا بدينهم من
الظلم الذي كانوا يلاقونه‏,‏ وأووا إلي كهف يحتمون به مما كان يراد بهم‏,‏
وهكذا أمر النبي المسلمين المستضعفين من أتباعه في مكة بالهجرة‏,‏ بعد
مرور خمس سنوات من بعثة الرسول زادت خلالها قريش من تعذيبهم‏,‏ أما مكان
الهجرة الذي اختاره لهم النبي فهو الحبشة المسيحية‏,‏ فكان النصاري من أهل
الحبشة هم حماة من هاجر إليهم من المسلمين‏,‏ بينما أذاقهم أهل مكة كل
صنوف التعذيب‏.‏

وهكذا قال الرسول لأتباعه ـ حسب رواية السيرة
النبوية لابن هشام ـ لو خرجتم إلي أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده
أحد‏,‏ وهي أرض صدق‏,‏ حتي يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه‏,‏ فكانت هذه
هي الهجرة الأولي في الإسلام قبل سنوات من الهجرة إلي المدينة‏.‏

أما
الملك الذي قصده النبي فهو النجاشي‏,‏ الذي كان نصرانيا اطمأن الرسول إلي
حسن معاملته للمسلمين‏,‏ وحمايتهم والسماح لهم بممارسة حياتهم‏,‏ واتباع
تعاليم دينهم وهم آمنون تحت رعايته‏.‏

كانت لبلاد الحبشة في ذلك
الوقت صلات قوية مع العرب برغم وثنيتهم ومسيحية الأحباش‏,‏ فقد كان أهل
الحبشة آنذاك من النصاري الذين اعتنقوا المسيحية‏,‏ وتبعوا كنيسة القديس
مرقص القبطية في الإسكندرية‏,‏ وهي الكنيسة التي مازالت تتبعها إثيوبيا
حتي يومنا هذا‏.‏

كان عدد الذين هاجروا من المسلمين إلي الحبشة‏12‏
رجلا و‏4‏ نساء‏,‏ من بينهم عثمان بن عفان نفسه رضي الله عنه‏,‏ وزوجته
رقية ابنة الرسول‏,‏ وقد تسللوا في جنح الليل حتي لا تشعر بهم قريش‏,‏
وخرجوا إلي البحر عن طريق جدة فوجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلي
الحبشة‏.‏

ونتيجة لحسن معاملة الأحباش وملكهم للمسلمين فقد أمر
النبي المسلمين مرة أخري بالهجرة إلي الحبشة هربا من ملاحقة قريش لهم‏,‏
التي لم تخف وطأتها علي مر الوقت‏,‏ وفي هذه الهجرة الثانية كان عدد
الرجال‏83,‏ والنساء‏18.‏

علي أن قريش لم تسكت علي ذلك‏,‏ بل حاولت
استعادة المهاجرين‏,‏ فأرسلت رسولين هما عمرو بن العاص الذي لم يكن قد دخل
الإسلام بعد‏,‏ وعبدالله بن أبي ربيعة إلي النجاشي ملك الحبشة للمطالبة
بالمسلمين الذين فروا إليه من مكة‏,‏ وقد صحب الرسولين معهما الهدايا
الواجبة من قريش إلي ملك الحبشة‏,‏ وبعد أن قدما هداياهما إلي الملك قالوا
له‏:‏ لقد لجأ إلي بلدك غلمان سفهاء من عندنا خرجوا علي دين قومهم ولم
يدخلوا في النصرانية‏,‏ ونحن مبعوثون من أشراف عشائرهم لنطلب أن تردوا
إلينا هؤلاء الغلمان الذين لم يدخلوا دينكم‏.‏

فأتي النجاشي
بالمسلمين وسألهم إن كانوا يريدون العودة إلي مكة‏,‏ فرفضوا‏,‏ فقال
لهم‏:‏ اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي‏,‏ ثم رد لمندوبي قريش هداياهما فعادا
أدراجهما بخفي حنين‏.‏

ولقد عاش المسلمون في الحبشة المسيحية سنوات
طويلة بعد ذلك دون أن يمسسهم سوء‏,‏ ولم يعد البعض منهم إلا بعد أن هاجر
النبي إلي المدينة‏,‏ بينما ظل البعض الآخر في الحبشة بعد أن أنسوا إلي
الحياة فيها‏,‏ وخلال تلك الفترة دخل بعض الأحباش إلي الإسلام‏,‏ كما
اعتنق بعض المسلمين المهاجرين المسيحية ومنهم عبيد الله بن جحش بن رئاب
الأسدي‏,‏ وامرأته أم حبيبة ابنة أبي سفيان اللذان خرجا من مكة مسلمين
لكنهما تنصرا في أرض الحبشة‏,‏ ولم يسبب ذلك أي مشكلات بين المسلمين
والمسيحيين كتلك التي نسمع عنها الآن بين الحين والحين عن مسلمين أهينوا
في كرامتهم لأن مسلما اختار أن يعتنق المسيحية‏,‏ أو عن رهبان كنيسة
يطالبون إحدي المسيحيات بترك الإسلام الذي اعتنقته‏,‏ فرواية التاريخ تقول
لنا بكل وضوح‏:‏ إن ذلك التعصب المتخلف لا ينم إلا عن جهل أصحابه‏,‏ وضيق
أفقهم‏,‏ ذلك أن النبي محمد نفسه لم يضق بمثل هذا التصرف‏,‏ بل إنه بعد
وفاة عبيد الله بن جحش تزوج امرأته أم حبيبة من بعده‏,‏ وتلك رواية صحيحة
وردت هي الأخري في السيرة النبوية لابن هشام‏.‏

والسؤال الذي يطرحه
مثل هذا التاريخ العظيم للإسلام والمسيحية هو‏:‏ إذا كان هذا هو ديننا‏,‏
وإذا كان هذا هو تاريخنا‏,‏ وإذا كان هؤلاء هم أسلافنا‏,‏ فماذا ألم بنا
الآن حتي تنكرنا للدين والتاريخ بدعوة اقتفاء أثر الأسلاف؟

إن علي
من يدعون السلفية أن يتمعنوا سيرة هؤلاء الأسلاف العظام علي الجانبين
ليتبينوا روح الإسلام التي هي أيضا روح المسيحية‏,‏ والتي هي لا تمت بصلة
لما نراه الآن من حولنا من ممارسات تعبر عن التعصب والجهل والتخلف‏,‏ ولا
تعبر عن العقيدة الصحيحة‏,‏ والدين الحق‏.‏

من هنا أهمية هذا
الكتاب الذي أرشحه ليصبح ضمن مقررات المدارس لنعلم أبناءنا منذ الصغر
التعاليم الصحيحة للدين الذي ينتمون إليه‏,‏ ونعرفهم بهذا التاريخ المضيء
للإسلام والمسيحية‏,‏ بدلا من أن نقول لهم ألا يسلموا علي الطلبة
المسيحيين لأنهم كفار‏.‏