ملامح وزارة الثقافة قبل الثورة بقلم: سامح كريم

من طرف koko الأربعاء مارس 04, 2009 1:34 pm

ملامح وزارة الثقافة قبل الثورة
بقلم: سامح كريم

حول
وجود اهتمام للدولة بالثقافة تساءل البعض بعد ما نشرناه‏:‏ وهل كان هناك
اهتمام بالثقافة من حكومات ما قبل الثورة أم أن هذا الاهتمام اقتصر علي
حكومة الثورة وحدها؟ ولهذا البعض كل الحق في هذا التساؤل‏,‏ إذ انه كانت
هناك اهتمامات وبدائل تشي بالملامح الأساسية لما يسمي بوزارة الثقافة من
حكومات متتالية قبل الثورة نذكر منها علي سبيل المثال إشراف الدكتور طه
حسين علي أحد هذه البدائل علي اعتبار أنه كان يحلم بوجود وزارة للثقافة
بمصر‏,‏ وقد عبر عن ذلك بكتابه مستقبل الثقافة في مصر عام‏1938‏ فكان يري
شجرة الثقافة باسقة قد نبتت أصولها في أرض مصر‏,‏ وارتفعت فروعها في
سمائها‏,‏ وامتدت أغصانها في كل وجه فأظلت ما حولها من البلاد العربية‏..‏
وما كان طه حسين ليدري أن القدر يمكر به ذلك المكر الجميل حيث دفعه إلي
رسم منهاج جرئ للثقافة‏,‏ وليطالبه به بعد بضع سنين تنفيذ ما أملته عليه
نفسه التي هامت في حب مصر‏,‏ حين اختاره النقراشي باشا وزير المعارف وقتئذ
في وزارة علي ماهر باشا مراقبا عاما للثقافة التي بشر بها في كتابه مستقبل
الثقافة في مصر لتصبح أعمالا ملموسة‏,‏ ويتيح الفرصة لإنشاء أكاديمية
مصرية يمكن أن يكون لها دور خطير في الحياة الثقافية‏,‏

كما يقيم
إدارات ثقافية جديدة‏,‏ والأهم يقوم بتمصير المناصب التي يشغلها
الأجانب‏,‏ وهكذا يحول مراقبة الثقافة بالوزارة الي خلية عمل‏,‏ فهذا مدير
إدارة الترجمة والنشر محمد بدران يعرض عليه قائمة بالكتب الأجنبية التي
اختارتها إدارته‏,‏ ويوافق عليها طه حسين‏,‏ وهذا مدير مصلحة الآثار
المصرية أيتين دريوتون يعرض عليه مالديه من أفكار تخص الآثار‏,‏ ويرد عليه
طه حسين‏:‏ أحب أن تدرس المصلحة إنشاء قسمين جديدين الأول للنشر
والاتصال‏,‏ والثاني يختص بالحفائر‏,‏ ثم ينبهه إلي أن هناك من المصريين
من سيحل محله بعد الحرب‏,‏ وهذا مدير إدارة الآثار جاستون فبيت يعرض عليه
ما لديه من اقتراحات فيستمع إليه ثم يقول له‏:‏ إن الناس تظن أن دار
الآثار الوحيدة الموجودة بمصر هي الأنتكخانة مع أن لدينا في القاهرة وحدها
أكبر دار للآثار الإسلامية في العالم ثم يسأله‏:‏ أحب أن أعرف رأيك في شأن
إعداد مسئولين مصريين للإدارة مستقبلا ثم يستدعي الدكتور محمد حسن الزيات
الذي كان يعمل معه بالمراقبة ويقول له‏:‏ عليك أولا أن تجمع البيانات
الخاصة بكل الجمعيات العلمية التي تعينها وزارة المعارف ونشاطاتها‏,‏ ثم
عليك ثانيا أن تعد بحثا عن الأكاديميات في فرنسا وإنجلترا وألمانيا‏,

‏
وعندما تتجمع لديك هذه المعلومات فعليك أن تبحث في إمكان إنشاء أكاديمية
مصرية‏,‏ مع توضيح تصورك حسبما تحدثنا عنه من أن في التاريخ الإسلامي
مؤسسات ثقافية مماثلة سبق بها العرب في العالم القديم الأوروبيين في
العالم الحديث‏,‏ وأخص بالذكر بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة العباسي
المأمون‏..‏ وهكذا كانت كل الادارات المتفرعة من المراقبة الثقافية تعمل
وكأنها وزارة للثقافة‏,‏ وكان طه حسين يديرها راضيا رغم ما كان يعانيه من
نظرة وزارة المعارف لها بأن هذه الادارة لا تعني إلا بالمثقف وتعينه علي
الارتقاء بذوقه ومداركه حتي يكون له أثر في المحيط الذي يعيش فيه‏,‏ ومن
هنا كانت نظرة الوزارة غير المعنية بالثقافة أو شئونها‏,‏ وهو ما لم يرض
به طه حسين‏,‏ أمر جعله يطلب إعفاءه من الاشراف علي هذه المراقبة من
النقراشي‏,‏ وقبل أن يبت الأخير في طلب الاعفاء ترك الوزارة ليخلفه
الدكتور محمد حسين هيكل باشا الأخ والصديق لطه حسين‏,‏ فلا يجد مفرا من
الاستمرار‏,‏ وحتي بعد أن ترك الدكتور هيكل وزارة المعارف وخلفه أحمد نجيب
الهلالي باشا وزيرا‏,‏ طلب منه ـ راجيا ـ الاستمرار مضيفا الي منصبه في
الاشراف علي المراقبة الثقافية منصبا جديدا هو المستشار الفني للوزارة حتي
يتيسر له تنفيذ المشروعات الثقافية‏,

‏ ومن هناك استطاع طه حسين أن
يحقق بعضا من حلمه في الثقافة استكمله بعد أن أصبح وزيرا للمعارف
عام‏1950,‏ وإلي جانب جهود طه حسين كانت جهود نفر من الرواد المعروفين‏.‏