المشي فوق الأشواك بقلم : محسن محمد

المشي فوق الأشواك
بقلم : محسن محمد
الكلمة الأخيرة للشعب

كلمة واحدة هي التي جاءت بأوباما إلي البيت الأبيض وهي "التغيير"


وهي تعني معالجة المشاكل القديمة بأسلوب جديد وبأفكار جريئة لم تخطر ببال أحد من قبل.


أعلن أوباما بعد أقل من شهر علي جلوسه في البيت الأبيض أنه لن يوقع أي
قانون جديد إلا إذا طرح نصوصه كاملة علي الشعب ليقول رأيه فيها.

قال خصومه:


ولكن سيكون الكونجرس قد أبدي رأيه فيه وانتقده أو أيده أو أيده الأعضاء.. فما الحاجة إلي عرض القانون علي الشعب مباشرة؟.


قال أوباما:


سأعرض كل نصوص القانون علي مدونة أو شاشة الإنترنت للبيت الأبيض وأنتظر رأي الناس خمسة أيام كاملة.


وسأتابع كل رأي يصلني في حدود خمسة آلاف كلمة قبل التوقيع.


وبهذه الطريقة أكون قد أعطيت كل مواطن الفرصة ليقول رأيه في القانون.


قال خصوم أوباما:


وهل خمسة أيام تكفي ليقول الناس آراءهم مع مشروع القانون أو ضده؟.


قال أوباما:


سنجرب.. وعلي ضوء التجربة نعيد النظر في الفكرة معها أو ضدها.



* * *



نحن هنا في مصر


قبل انتهاء الدورة البرلمانية بأيام قليلة تذكر الحكومة أن هناك
مشروعات قوانين يجب أن يقرها مجلس الشعب فتعرضها عليه حتي لا تضطر إلي
تأجيلها دورة برلمانية كاملة.

ويضطر المجلس إلي نظر مشروع القانون في عجالة وعلي وجه السرعة وقد لا
تتاح للأعضاء الفرصة كاملة لدراسة المشروع ومع ذلك لابد من إقراره.

ما رأيكم في أننا بدلاً من الانتظار حتي يوافق البرلمان علي القانون
أن نعرضه علي الشعب قبل التصديق عليه أو تطرح الحكومة أي مشروع قانون جديد
علي الشعب ليقول رأيه فيه. أن تطرح الحكومة المشروع علي الناس مباشرة عن
طريق الصحف والإذاعة والتليفزيون ثم يعرض بعد ذلك علي مجلس الشعب بعد أن
يكون الأعضاء قد عرفوا آراء كثير من أفراد الشعب.

والفارق بين هذه الطريقة وما يفعله أوباما أن يكون الرأي للشعب أولاً في مصر وأخيراً في أمريكا.


وإذا اتخذنا هذه القاعدة أسلوباً جديداً للحياة النيابية في مصر فإننا
سنتجنب الاعتصامات والمظاهرات احتجاجاً علي أي قانون يفاجأ الناس
والنقابات والجمعيات به. بل تصبح هذه القاعدة مثالاً علي الشفافية في
إصدار القوانين. وربما أدي هذا إلي مراجعة كل قانون بتمحيص ودقة قبل
إصداره.


* * *



العالم كله يسعي الآن للتغلب علي آثار الأزمة المالية.


أمريكا مثلاً قالت للشعب:


اشتروا البضائع الأمريكية.


وأرغمت الشركات الصناعية علي أن تستعمل المواد الأولية الأمريكية في صنع السيارات وغيرها من السلع.


انتقد البعض هذا الإجراء وقالوا:


هذه حماية. وهذا ابتعاد عن العولمة والسوق الحرة وستؤدي في النهاية إلي الحماية الجمركية وغيرها للإنتاج المحلي.


وفي فرنسا بدأوا يفرضون الحماية علي السيارات الفرنسية.


وفي دول كثيرة بدأوا يهتمون بالإنتاج المحلي للاستغناء عن الاستيراد.


ومشاكل أمريكا تفوق باقي الدول.


ومن هنا فإن من يتوقع أن يبدأ أوباما بتحقيق السلام في الشرق الأوسط واهم تماماً.


أوباما أمامه مشكلة الاقتصاد الأمريكي والعجز في الموازنة الأمريكية وهو جعل لهذه المشكلة الأولوية في اهتماماته.



* * *



علي سبيل المثال:


الذين اشتروا بيوتهم في أمريكا بالقروض وبأقساط يسددونها علي سنوات طويلة فالإفلاس ينتظرهم ويتربص بهم.


وهناك خمسة ملايين أمريكي سيضطرون إلي رد البيوت التي اشتروها للشركات لأنهم عاجزون عن دفع الفوائد المتراكمة.


أوباما اختار حلاً غير تقليدي لهؤلاء.


جعل من حق القاضي أن يراجع كل عقد وأن يعيد تغييره ووضع شروط جديدة للدين.


قيل له:


هذا يعتبر تدخلاً من الدولة في شئون الناس ولم يسبق أن جري مثل هذا الأمر.


قال:


وهل جري إفلاس مشتري البيوت بالقسط بهذه الطريقة من قبل؟.


ووضع أول قاعدة لشراء البيوت بالقسط وهي ألا يدفع المقترض أكثر من 31 في المائة من مرتبه أو من دخله قسطاً شهرياً أو سنوياً.


أما القاضي فمن حقه أن يبحث العقد بين صاحب البيت الذي يريد سداد الأقساط ولكنه يعجز عن ذلك.


وفي هذه الحالة فإن القاضي من حقه أن يغير سعر الفائدة وقيمة القسط.. إلخ.


والنتيجة أن الشركة مالكة البيت والتي باعته وتنتظر الأقساط الشهرية أو السنوية لا تصبح صاحبة الحق في ذلك.


كل الشروط التي وضعتها الشركة البائعة لضمان حقوقها تصبح لاغية ويدخل
عليها القاضي ما يريد من تعديلات لمصلحة الشركة ولمصلحة مشتري البيت بحيث
يمكنه الاستمرار في دفع الأقساط التي يحدد قيمتها القاضي.


* * *



في أمريكا يقولون الآن:


ولماذا لا يكون من حق القاضي أن يراجع كل العقود بين البائع والمشتري لا بالنسبة للبيوت فحسب؟.


قال بعض المنادين بحرية السوق:


هذا فيه القضاء النهائي علي السوق الحرة والنشاط الاقتصادي.


وقالوا:


إذا باع تاجر الثلاجات واحدة لزبون ولجأ المشتري للقاضي فيعيد الشروط
ويغير مواعيد الأقساط وقيمتها ونسبة الفائدة.. ماذا يبقي لصاحب المتجر؟.

كان الجواب:


ولكن لماذا نترك صاحب المتجر يفرض شروطه علي الزبون المسكين؟.


قالوا:


يستطيع الزبون أن يلجأ إلي بائع آخر.


كان الجواب:


لن تختلف الشروط من بائع لآخر.


قالوا:


ولكن هذه هي حرية التجارة.


ومن ناحية أخري فلماذا نضيف أعباء جديدة للقضاة؟.


قالوا:


ميزان العدل في أيديهم.


كان الجواب مرة أخري:


التجارة لا تحتكم إلي العقل. بل إلي اقتصاديات السوق.


الغريب في الأمر أنهم يفكرون بالفعل في تطبيق ما جري مع شركات بيع العقارات في نواحي كثيرة.


مثلاً..


يقولون إن البنوك تفرض فوائد عالية علي القروض التي تقدمها لأصحاب
الأعمال بحيث تزيد الفوائد علي قيمة القرض عدة مرات.. وفي بعض الحالات في
مصر وصلت الفوائد إلي خمسة أو عشرة أضعاف قيمة القرض.

وقد رأينا حالات التعثر في سداد الفوائد في مصر.


وقدم كثير من رجال الأعمال إلي القضاء وأدينوا وسجنوا. مع أنه لو ترك الأمر للقاضي العادل لأمكن تجنب حالات التعثر.


وفي مصر حدث كثيراً أن طلب بعض رجال الأعمال الكبار والصغار علي
السواء إعفاءهم من الفائدة. فالمشروعات التي أقاموها لم تبدأ بعد في تحقيق
أرباح.

ووجهت اتهامات لمدير البنك الذي امتاز بالجرأة وخفض قيمة الفواتير
واتهم ضمناً بالرشوة مع أن كثيراً من رجال البنوك كانوا ينظرون إلي مصلحة
الاقتصاد ومصلحة السوق فقط.

السؤال الآن:


هل يستطيع محافظ البنك المركزي أن يتخذ هذه الخطوة وأن يعطي رئيس
محكمة الاستئناف أو النقض الحق في نظر عقود قروض رجال الأعمال وأن يغير
ويبدل فيها بما يحقق نمو الاقتصاد لا إفلاس العملاء.

قد يقال:


هذه خطوة جريئة.


ولكننا بالفعل في حاجة إلي مثل هذه الخطوة أو خطوات أخري لدفع عجلة الاقتصاد.



* * *



نحن نشهد في مصر ربما لأول مرة عصابات تهريب الأطفال إلي أمريكا وأوروبا. وثمن البنت 8 آلاف جنيه والولد 14 ألفاً.


والأمهات يبعن أطفالهن من أجل القوت.


وحتي نخفف عن البعض الإحساس بأنهم يرتكبون جريمة. نقول إن الأطفال المباعة والمهربة إلي الخارج هم أطفال ولدوا سفاحاً.


وفي مصر وصف المراقبون السيارات الفارهة كبيرة العدد التي تمشي في
شوارع القاهرة بجانب صورة الفقر بأن هذا يمثل مجتمعين متنافرين في البلاد
ولابد من التقريب بينهما بزيادة الضرائب علي أصحاب الدخول الكبيرة. كما
فعل أوباما لسد العجز في الموازنة الأمريكية.

وقال الخبراء:


العجز في الإيرادات المصرية وفي الموازنة سيزيد بسبب النقص في إيرادات السياحة وقناة السويس ونقص الصادرات المصرية للخارج.


ومن هنا لابد من إصلاحات ضريبية قوية.


الدخل القومي في العالم سينقص بنسبة 1.5 في المائة علي الأقل. وسيزيد هذا النقص في الدول النامية.


والبطالة هي أكبر خطر تواجهه مصر.


وبعد انخفاض سعر البترول أصبحت أو ستصبح البطالة مشكلة العالم العربي كله.


والمطلوب تريليون دولار لإنشاء مائة مليون وظيفة في الدول العربية.


ما هو نصيبنا من هذا التريليون؟.


لا أحد يبحث أو يفكر. وإذا فعل فإنه يريد تصريحاً يملأ به الصحف المؤيدة للحكومة.


والحلول علي الورق غير الحلول في أرض الواقع.


ولابد من مواجهة المشاكل قبل أن تتفاقم وتتفاقم!.