لاشكر علي واجب!بقلم : محمد علي إبراهيم

تحذير فارسي لسوريا!


المصالحة العربية سيف يطعن ملف إيران النووي




يوم الثلاثاء الماضي تعرضت في مقالي بالعدد اليومي بعنوان "إعمار النفوس"
لما دعا إليه نائب الرئيس الإيراني برويز داودي في المؤتمر الصحفي المشترك
الذي عقده مع ناجي العطري رئيس وزراء سوريا حيث طالب داودي دمشق بالحذر من
حيل الأعداء؟!

تساءلت في المقال عن هؤلاء الأعداء وهل يقصد إسرائيل أم يقصد مصر
وتحديدا مؤتمر شرم الشيخ لإعمار غزة الذي تزامن انعقاده مع المؤتمر الصحفي
للمسئولين الإيراني والسوري.

والحقيقة أن تطورات الأحداث منذ ذلك الوقت جعلتني أعود للتحذير الإيراني مرة أخري لمعرفة كنهه


التأمل البسيط جعلني أتصور أن المقصود ألا تساهم سوريا في مؤتمر إعمار
غزة وتبقي علي تحفظها من فتح ودعمها ل "حماس".. كانت الرسالة الإيرانية
البسيطة التي أضاءت في ذهني أن طهران تذكر سوريا بالتزاماتها وتحالفها
معها.. كان الإيرانيون يرغبون في أن يبلغوا رفقاء السلاح أن الخندق
الفارسي السوري لا يقبل أن يخرج منه أحد الآن.. الخندق يتسع لقادمين جدد
لكنه مثله مثل "الحمام" في أمثالنا الشعبية التي تقول دخول الحمام ليس مثل
الخروج منه.

اعترتني الدهشة وأنا أتأمل التحذير الإيراني لسوريا.. وأعدت علي نفسي
السؤال مرة أخري من هم الأعداء؟ قطعا ليس إسرائيل! فلو كانت طهران تقصد تل
أبيب لوجهت التحذير لدمشق عندما بدأت الأخيرة مفاوضاتها غير المباشرة مع
إسرائيل برعاية تركية.. ولم ينطلق التحذير من طهران عندما أعلنت أنقرة
أنها توشك أن تحول المفاوضات إلي تفاوض مباشر بين السوريين والإسرائيليين.

إذن الأعداء ليسوا هم إسرائيل علي وجه اليقين ولكنهم أشقاؤها العرب!
والأمر الذي يعضد الشك في نفسي هو أن تحذير نائب الرئيس الإيراني لسوريا
من حيل الأعداء. تبعه في الوقت نفسه تصريح من الرئيس الإيراني نفسه أحمدي
نجاد يدعو سوريا إلي تحالف قوي مع بلاده! وهنا نسأل أليس التحالف القائم
الآن قويا بما يكفي أم أن طهران تريد أكثر؟

علي أية حال بعد دراسة الموضوع جيداً يهمني التأكيد علي المعني الذي
سقته قبل ذلك وهو أن المفتاح السوري بدأ ينسحب من القفل الإيراني!

طهران لا تريد لأجواء المصالحة العربية أن تتم.. فقد توقفت الحملات
الإعلامية تقريباً بين دمشق والرياض والقاهرة.. هناك انفتاح سوري علي
العلاقات مع من كانت تسميهم معسكر الاعتدال وهناك مياه تتدفق تحت الجسر
السعودي السوري.. كما أنني أشعر أن الفتور المصري تجاه دمشق لم يعد كسابق
عهده.. الأهم أن هناك خطوات إيجابية من واشنطن في اتجاه سوريا الأمر الذي
يؤكد أن دمشق يمكن أن تحقق مطالبها السياسية بعيداً عن إيران وبالتالي
تنكسر أهم حلقة تربط الفرس بالقضايا العربية.

طهران عندما استشعرت الخطر بأنه من الممكن أن تنسلخ دمشق عنها أصدرت
هذا التحذير الذي يعني أن الفرس لن يملكوا كروتاً عربية ليقايضوا بها علي
ملفهم النووي.. أو لينفذوا أحلامهم التوسعية لضم دول الخليج إلي
امبراطوريتهم التي يحلمون بإقامتها.

من المؤكد أن إيران تشعر بقلق بالغ أن تتم المصالحة العربية علي أكمل
وجه.. فالفرس استراتيجيتهم تشجيع الخلاف وبذر بذور الشقاق وبالتالي فليس
من مصلحتهم أن تتم المصالحة العربية.

التحذير الذي خرج من إيران يعكس "زلزالاً" في السياسة الإيرانية التي
تقوم علي مبدأ "التقية" أو الحذر الشديد.. إيران تخلت عن الحذر الإعلامي
الذي طبقته لعقود في تسمية حلفائها بالمنطقة العربية بشكل عام.. ومن ثم
عندما تؤكد طهران في تحذيرها علي الحذر من الأعداء فإنها تعيش في قلق بالغ
من أن تؤدي المصالحة العربية وتحسين علاقات سوريا الدولية إلي تحقيق مصالح
دمشق من استعادة الجولان ورفع سيف الضغوط من علي عنقها.

سوريا كما تعلم طهران لن تتحمل أبداً خصاماً جديداً مع إدارة أمريكية
جديدة ربما يمتد ثمانية أعوام إذا ما تمت إعادة انتخاب أوباما.. دمشق لن
تتحمل أبداً واقعاً اقتصادياً جديداً فرضته الأزمة المالية العالمية.
والاقتصاد كما نقول يكسر أغلال السياسة ويفرض شروطه علي الأقوياء قبل
الضعفاء.

الرهان القائم حالياً هو نجاح المصالحة العربية وهو أكثر ما تخشاه
طهران.. سوريا دولة لها نظام حكم. وسواء اختلفنا مع هذا النظام أو غيره.
فإن الدول يفترض أن تحافظ علي مصالحها.. والدول ليست كالميلشيات فبالتالي
لا يمكن أن نتعامل مع سوريا مثلما نتعامل مع حماس وحزب الله.. سوريا دولة
نختلف معها في أشياء كثيرة. لكن أهم ما يميز الدول أن لها مصالح.. أما
الميلشيات فهي تنفذ سياسات ومصلحتها الوحيدة هي تحريك الشارع والحصول علي
الأموال.

لذلك كله ولكثير غيره أتوجه بدوري إلي دمشق بتحذير هو عدم تعطيل
المصالحة العربية والاستفادة من خبرة الرئيس مبارك وعلاقاته الدولية
الممتازة وعدم تجاهل يد أوباما الممدودة الآن واستغلالها في إنهاء أزمة
الجولان نهائياً.. والأهم من ذلك كله أن يتذكر السوريون أنهم عرب فقط
والخنادق والتحالفات تكون في وجه الأخطار والتهديدات الخارجية وليس في
الانضمام إليها ضد أهل البيت.. ولعل رسالة خادم الحرمين للرئيس بشار أمس
والتي حملها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بداية انفراجة كبري
بين دمشق والعالم العربي.






سبوبة قوافل الإغاثة..


جالاوي غير نشاطه من العراق لإيران!



كان مقررا أن تصل إلي مصر أمس قافلة مساعدات غذائية وإنسانية
لغزة والتي انطلقت من لندن يوم 14 فبراير الماضي وتخطط لبلوغ غزة بعد شهر
وتضم 300 ناشط و120 شاحنة تنقل كميات من الأدوية والتجهيزات الطبية
والإعانات الغذائية والأغطية للفلسطينيين في القطاع.

الحقيقة أن القافلة لفتت نظري في شيء أساسي هو طول الفترة الزمنية
التي من المفروض أن تستغرقها للوصول لغزة.. المفروض في الإغاثة أن تكون
عاجلة. لكن عندما يتعلق الأمر برحلة تستغرق شهرا فلابد أن يكون الهدف
إعلاميا في المقام الأول.. تأكدت من ذلك بعد فحص خط سير الرحلة الذي مر
عبر فرنسا وأسبانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا.. قائد القافلة هو
النائب البريطاني السابق جورج جالاوي صاحب فضيحة الرشاوي التي قدمها له
صدام حسين إبان حصار العراق والذي تأكد لكافة وسائل الإعلام أنه لا ينجز
مهمة أبدا لوجه الله.. وان الطريق الوحيد إليه هو الجنيه الاسترليني..
وكلما زادت قيمة المنحة المقدمة إليه أو علي الأصح الرشوة. كان اهتمامه
أكبر وتفانيه أكثر. جالاوي اصطحب معه في القافلة الصحفية ايفون ريدلي
البريطانية التي نشرت قصة اختطافها في العراق في الديلي تلجراف وكيف تحولت
للإسلام.

قافلة الإغاثة المشبوهة والتي كان يمكن أن تبحر في سفينه واحده تقطع
المسافة بين انجلترا وغزة في أسبوع بدلاً من شهر كشفت عن شيء مثير جدا وهو
ان ايفون ريدلي البريطانية أصبحت مراسلة لإحدي القنوات التليفزيونية
الإيرانية.. ريدلي اصطحبت معها في القافلة قناة Press TV الحكومية
الإيرانية لتعطيها وحدها حق البث الحصري لأخبار القافلة.

من ثم فإنه ليس صعبا علي أي شخص معرفة من الذي تسبب في اعتناق ريدلي
للإسلام وماذا كان الثمن؟ وما هو الدافع أن يغطي أنباء القافلة محطتان
تليفزيونيتان إيرانيتان فقط الأمر الذي يقطع بأن هذه القافلة ممولة
إيرانيا. وان جورج جالاوي خان ذكري صديقه صدام حسين الذي جعله من أثرياء
بريطانيا وتحالف مع عدوه التقليدي إيران.

شيعة بريطانيون


الأمر الثاني اللافت للانتباه هو الحضور الواضح لممثلي الطائفة
الشيعية ضمن القافلة وعلي رأسهم "مولانا شمس الحق مشتاق" زعيم ما يسمي
"بجمعية العلماء في بريطانيا" الذي كان يتصرف طوال الرحلة كأمير لتنظيم
شيعي متحرك. علي حد قول أحد الملاحظين.

وكان من الواضح منذ البداية ان تركيبة الوفد وهيئة أفراده والطريق
البرية الطويلة التي اختاروا اتباعها إلي غزة كانت مبعث ريبة وتوجس من
سلطات كافة البلدان التي عبرتها القافلة. وقد تجسمت هذه الشكوك منذ محطة
الانطلاق في بريطانيا حيث أوقفت الأجهزة الأمنية البريطانية المختصة في
مقاومة الإرهاب تسعة من الناشطين المشاركين واحتجزتهم فترة مع شاحناتهم
وان كانت سمحت لهم لاحقا بعد أن تم استجوابهم بالالتحاق جوا بالقافلة
أثناء مرورها بالاراضي التونسية.

وصرح أحد منظمي القافلة ان الشرطة البريطانية استجوبت الأشخاص الذين
تم اعتقالهم حول الجهات الممولة للقافلة بعد أن تم العثور علي مبالغ نقدية
عند تفتيشه. وحاول المتحدث تبرير وجود كميات الأوراق النقدية لدي بعض
أعضاء القافلة بالقول ان المصارف البنكية في بريطانيا لم تسمح للمنظمين
بفتح حسابات بنكية للحملة.

وعند عبور القافلة من أسبانيا إلي المغرب انتقد الفريق الصحفي
المرافق لها إصرار السلطات المغربية علي تفتيش القافلة باستعمال الكلاب
المدربة علي الكشف عن القنابل والذخيرة واجبارهم لشاحناتها علي المرور عبر
بوابات أمنية خاصة للكشف عن أية متفجرات.

كما احتج مسئولو القافلة علي استنطاق أحد المشاركين من قبل السلطة
المغربية. وزعم هؤلاء المنظمون ان تلك السلطات منعت "اجتماعا شعبيا"
للترحيب بالقافلة في الدار البيضاء وهو ما نفته السلطة المغربية.

لندنستان


أما في تونس فقد لفتت القافلة الانتباه بإصرارها علي تغيير مسارها في
آخر لحظة "بدعوي أنها تريد تدارك التأخير الكبير الذي سجلته قبل الوصول
إلي الحدود التونسية" ولكنها بعد أن دخلت الأراضي التونسية لم يبد البعض
من أفرادها رغبة في اتباع أقصر السبل إلي الحدود الليبية بل حاولوا السير
بشاحناتهم شمالا في الاتجاه المعاكس للحدود الليبية. ولما تم توجيههم إلي
الطريق الصحيحة الأقصر المؤدية إلي المعبر الحدودي الليبي حاولوا اتهام
تونس باختطافهم!

ولم تكن تونس استثناء فقد غيرت القافلة مسارها في المغرب والجزائر
بقرارات فجائية اتخذها المنظمون من جانب واحد عدة مرات. ولكن هذا لم يمنع
ايفون ريدلي من اتهام السلطة في المغرب والجزائر وتونس بأنها كانت تتصرف
كما لو انها تريد اخفاء المشاركين عن شعوبهم "زاعمة بأن سلطات البلدان
الثلاثة كانت تحاول إجبار القافلة علي اتباع مسالك خلفية" وأضافت ريدلي
أنها تخشي بالخصوص المحطة المصرية من الرحلة!

وقد دفعت هذه التصرفات الغريبة البعض من الشباب البريطاني الذي شارك
في القافلة إلي الإعراب عن استغرابه من تعمد الناشطين المسيرين للقافلة
إضاعة الوقت وإجراء اتصالات غير معلنة بما يوحي بضلوع هؤلاء المنظمين في
أجندات اقليمية وأجنبية من وراء الرحلة لا علاقة لها بالبحث عن ايصال
المساعدات الإنسانية لأهل غزة.

اللافت للنظر ان الذين تابعوا أطوار هذه "الرحلة العجيبة" اكتشفوا ان
قضية الشعب الفلسطيني في غزة لم تكن بالفعل حاضرة دائما في أذهان
المشاركين في القافلة وقد كان العديد من هؤلاء يتحركون ويتصرفون بوازع
ايديولوجي وطائفي يثير تساؤلات جوهرية حول الاعتبارات الحقيقية التي جعلت
مجموعة من المتشددين تخرج من لندنستان - وهو الاسم الذي أطلقه التونسيون
علي "لندن" للتدليل علي أسلمتها لأغراض سياسية - ثم تصر علي عبور منطقة
المغرب العربي ومصر عن طريق مسلك بري طوله 8 آلاف كيلو متر ومن ثم
الارتماء علي أعتاب معبر رفح؟! كل هذا من أجل نقل كمية من المساعدات كانت
سفينة صغيرة واحدة كافية لنقلها من الموانيء البريطانية إلي وجهتها
النهائية!!








الوزراء والإضراب!



تدخل وزير الإعلام أنس الفقي لإنهاء إضراب ماسبيرو دفعني
للتساؤل هل ينبغي علي كل وزير يحدث في نطاق اختصاصه إضراب أن يبادر
بالتدخل الشخصي لحله؟!

اعتقادي أن التدخل يجعل المضربين يشعرون أن هناك من يحاول مساعدتهم..
ليس بالضرورة أن يفسر وقوف الوزير مع المضربين علي أنه رضوخ لمطالبهم أو
أنه لم يستطع مقاومة الضغوط.. المصريون - عادة - يحترمون المسئول حتي لو
كانوا علي خلاف شديد معه.. رد الفعل الطبيعي للمضربين أنهم يريدون سماع ما
يقوله المسئول.. إما يعجبهم كلامه أو ينفضون عنه.. المبادرة مهمة.. والأهم
طريقة احتواء المتظاهرين.. لو دخل المسئول علي المضربين قائلاً لهم ماذا
تريدون؟ سيكون هذا ضعفا وانهيارا في الصورة التي ينبغي أن يكون عليها
المفاوض أيا كان موقعه.. لا أعلم ما قاله وزير الإعلام للمضربين ولكن
انتقالهم بسهولة من الشارع إلي قاعة كبيرة داخل المبني يكشف أن أي وزير لو
أخذ المضربين إلي داخل "البيت" - سواء كان وزارة أو مصلحة أو هيئة أو
مؤسسة - فإن نصف المشكلة يحل..احساس أي متظاهر أنه يتحدث بلا عائق داخل
مكانه ومع أكبر رأس عنده يخلق شعوراً بالطمأنينة.. النقطة الأخري التي
تستحق وقفة أن قرارات إدارية كانت جاهزة قبل جلوس الوزير مع المضربين.
الأمر الذي هدأ من الثورة وكشف عن أن بعض ما يشكون منه يمكن حله بالهدوء.

غير أن أخطر ما في الإضرابات هو دخول فئة مندسة لتحرك غضب المتظاهرين
إلي اتجاه آخر.. مثلما حدث مع ظهور جميلة إسماعيل زوجة أيمن نور أمام مبني
ماسبيرو الذي أنهت علاقتها به قبل فترة وتوجه محسن راضي نائب الإخوان
بمجلس الشعب إلي المكان الأمر الذي قد يفهم أن للإضراب غرضاً سياسياً أو
أن هناك سياسيين معارضين متعاطفين معه.

إضراب الضرائب العقارية نجح لأنه لم يسمح بدخول أحد غير الموظفين
المتضررين.. وإضراب التليفزيون هدأ لأنهم تركوا الشارع ودخلوا "بيتهم"
للتفاهم فيه.

ويبقي أن الإضرابات ستظل أحد سبل الديمقراطية بشرط ألا يستغلها أحد
أو يتاجر بها.. من ثم سيظل إضراب الصيادلة نموذجاً يحتذي في الأسلوب
والرسالة وطريقة التفاوض.. وأشاد به الجميع سواء الحكومة أو المعارضة
وانتهي سريعاً لأنه رغم المرارة التي كان يشعر بها الصيادلة فإنهم لم
ينسوا مصلحة الجماهير ونسقوا لتظل صيدلية واحدة أو أكثر مفتوحة في كل حي..
نزع فتيل التوتر ليس ضعفاً أو رضوخاً. غير أن الأهم إزالة أسباب التوتر
نهائياً وإبعاد المتسببين فيها.