المشـترك الثقافـي في المـدارس بقلم : د‏.‏ وجدي زيد

من طرف نورا نورا السبت مارس 07, 2009 5:09 pm

المشـترك الثقافـي في المـدارس
بقلم : د‏.‏ وجدي زيد

غدا
في أنقرة يفتتح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مؤتمرا دوليا مهما عن
الأبعاد الفلسفية لمشكلات التعليم في ظل العولمة‏,‏ وداخل هذه الإطروحة
يفتتح المؤتمر أبوابا أخري عن الفلسفات المعاصرة للتعليم ونقدها‏,‏
والتعددية الثقافية‏,‏ وأخلاقيات وقيم التعليم وفيها تدريس الدين في
المؤسسات التعليمية وغيرها من القضايا المهمة المطلوب إعادة دراستها الآن
وبشدة في عالمنا المعاصر الذي تشهد فيه كل القوميات والثقافات تحديات
كبيرة مصاحبة لتغييرات ضاغطة وسريعة ومتلاحقة‏.‏

وفي هذا المؤتمر
يشارك من مصر بحث بعنوان المشترك الثقافي وفلسفة التعليم الذي يطرح إمكان
دخول مفهوم المشترك الثقافي ضمن نظرية التعليم وتطبيقاتها في المؤسسات
التعليمية خاصة المراحل التعليمية الأولي في كل دول العالم علي اختلاف
ثقافاتها‏,‏ فهذا من شأنه أن يساعد الأجيال الناشئة علي تفهم وقبول
الثقافات المغايرة‏,‏ وبالتالي يخفف من حدة الاختلاف والصدام بين الحضارات
الذي يهدد عالمنا ويحذر المفكرون من عواقبه‏!‏

ولقد كانت مصر أول
من طرحت علي العالم فكرة المشترك الثقافي من خلال جامعة القاهرة الرائدة
التي نظمت واستضافت المؤتمر الدولي الأول للمشترك الثقافي في
نوفمبر‏2006,‏ وسبقه العديد من المؤتمرات المصغرة علي مدي عامين حضرها
العشرات من المفكرين المصريين وحاولوا فيها التوصل إلي برنامج ثقافي يختلف
عن برامج الحوار التي ازدهرت وتكاثرت في العالم لكن فائدتها بدت قليلة‏!‏

واكتشف
المفكرون المصريون أن برامج الحوار هذه قد فشل معظمها لأن المشاركين فيها
يأتون وفي عقولهم هدف واحد وهو اثبات صدق ما يعتقدونه وزيف ما يعتقده
محاوروهم وهذا هو الفارق الاستراتيجي بين برامج الحوار وبرنامج المشترك
الثقافي الذي يبدأ بالاحترام والتفهم المبني علي المعرفة للآخر واكتشاف
الأفكار الانسانية النبيلة في ثقافته والتي تتماثل مع الثقافات الأخري‏.‏

في
هذا المؤتمر الدولي الأول شاركت بحوث عديدة من دول العالم المختلفة في
صياغة وتحديد ماهية مفهوم المشترك الثقافي وأهدافه والخطوات المطلوبة
لانجاحه‏,‏ ولقد تميزت في هذا المؤتمر اسهامات وزارة الخارجية المصرية
بأبحاث قدمتها عقول قادرة ومحترمة‏,‏ فجاء الدكتور بطرس غالي الأمين العام
للأمم المتحدة السابق ورئيس المجلس الأعلي لحقوق الإنسان في مصر ببحثه
الصادم الذي قال فيه إن الوصول للمشترك الثقافي بين الحضارات والدول لن
يتحقق بالمؤتمرات ولكن من خلال بنية تحتية تتمثل في مؤسسات تأخذ به وتنفذ
برنامجه‏,‏ والمفترض هو أن تقوم بهذا الدور الأمم المتحدة لكنها ـ وكما
يقول الدكتور غالي ـ في محنة‏!‏

ويقترح أن تكون أول خطوة هي أن
تأخذ الأمم المتحدة نفسها بالديمقراطية أولا‏,‏ ثم تأتي بقية دول
العالم‏,‏ فهاتان الخطوتان يمكن أن تؤسسا للبنية التحتية المطلوبة لنجاح
برنامج المشترك الثقافي‏,‏ ويحذر الدكتور غالي من العولمة عندما ينقسم
فيها العالم إلي قوي عظمي تسيطر بثقافاتها علي منظمة الأمم المتحدة
والعالم ودول أخري ضعيفة تكاد تذوب ثقافتها وتنهار أمام ثقافات القوي
العظمي‏!‏

وشرط الأخذ بالديمقراطية علي المستوي الدولي وداخل
الأوطان ـ كما يقول وزير الخارجية أحمد أبوالغيط في بحثه عن لقاء الثقافات
ـ له علاقة عضوية مباشرة وقوية بالاستقرار في الاقتصاد والسياسة وكل
مجالات الحياة‏,‏ فالعديد من القرارات الدولية لها تأثيرات بعيدة المدي
علي الأمور الداخلية للدول‏,‏ وقد لا تستطيع الدولة أو حتي مجموعة من
الدول أن تتفادي هذه التأثيرات‏,‏ ويطالب أبوالغيط بضرورة أن تلتقي كل
الثقافات من أجل التعاون والتنسيق والاحتفال بالوشائج التي تربطنا جميعا
لأنها تعمق انسانية الإنسان وكرامته في كل الثقافات‏.‏

وفي بحثه عن
المشترك السياسي يدعو السفير نبيل فهمي إلي أن يسعي العالم الآن إلي تحقيق
ما يسميه كينونة عالمية يلتقي فيها الغني مع الفقير والقوي مع الضعيف دون
النظر إلي اختلاف في العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية‏,‏ فالسبب
الرئيسي للصراع والصدام بين الحضارات لم يكن الدين بل الخلافات السياسية‏!‏

ويقترح
السفير عبدالرحمن صلاح في ورقته أن تقوم الجاليات المسلمة العربية في
المجتمعات الغربية بدورها في الوصول للمشترك الثقافي مع تلك المجتمعات
الغربية‏,‏ فهذه خطوة عملية يمكن أن تسهم في علاج الصدام الأوسع بين
الحضارات‏.‏

وللإعلام أيضا دور كبير في الوصول إلي ما يقرب الشعوب
والثقافات من بعضها‏,‏ فليس هناك حضارة بعينها‏,‏ وكما يقول السفير
د‏.‏وليد عبدالناصر في بحثه عن العالمية والخصوصية في الإعلام ـ تمتلك
الحقيقة كلها‏,‏ وهذا يدعونا إلي الانفتاح والتفهم والتسامح وقبول
الثقافات الأخري‏!‏ ويقدم د‏.‏وليد عبدالناصر أربعة أنواع من المدارس
الإعلامية وأفضلها المدرسة الرابعة التي تسعي وتدعم كل ما يقرب الحضارات
من بعضها‏,‏ وفي هذا السياق قدمت مؤسسة الأهرام النموذج‏.‏

ولم
تكتف بمشاركة رئيس تحريرها أسامة سرايا في المؤتمر وتقديمه الرؤي التي
أسهمت في نجاحه‏.‏ بل دعمت المؤتمر ذاته علي نحو جعل فكرة المشترك الثقافي
محط اهتمام المجتمع‏.‏

ومن سويسرا جاءت أفكار الفيلسوف هانزكنج
التي يقول فيها إن مطمح كل الديانات هو إرساء قيم العدالة والصدق والسلام
والإخوة والمساواة والتسامح وأن أركان كل الديانات واحدة تتلخص في ألا
نقتل ولا نكذب ولا نسرق ولا نزني وأن نحترم الوالدين فكل الأديان السماوية
تنتمي إلي جذور واحدة لأن أصلها واحد وهو الخالق سبحانه وتعالي‏.‏

ومن
طريف ما جاءت به نتائج المؤتمر تلك الفكرة التي قدمها ويليام ريدر في بحثه
عن الإبداع والمشترك الثقافي وقال فيها إن نجاح المجتمع اقتصاديا
واجتماعيا يعتمد أساسا علي التفاعل والتداخل بين قوي خلاقة‏,‏ وعلي اشتراك
كل الناس‏,‏ وأن الفن يعمل بنفس الطريق والفنان الأكثر تميزا ونجاحا يقف
دائما في المنتصف حيث يستطيع مخاطبة ما يسمي بالوعي الجمعي‏!!‏

ويأتي
مؤتمر أنقرة غدا ليقدم فيه المستشار الثقافي المصري باسطنبول البحث الذي
يعرض فيه هذه النتائج والأفكار مقترحا الاستراتيجية والوسائل التي تجعل
مفهوم المشترك الثقافي وبرنامجه جزءا أصيلا من المناهج الدراسية‏.‏
‏wagdyi.zied@gmail.com

‏