نظرية المؤامرة تنسينا أخطاءنا العرب .. وأزمة البشير!بقلم : محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم : محمد علي إبراهيم
نظرية المؤامرة تنسينا أخطاءنا
العرب .. وأزمة البشير!
الخيارات محدودة .. والأمل في مصر والخليج


الخوض في مسألة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير أصبح أمراً حساساً
يرفضه الاخوة في السودان الذين يعتبرون أي مناقشة في هذا الموضوع بمثابة
تعريض بالنظام وتأليب للمجتمع الدولي ضده.

ومع تسليمي بأن للمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت أمر اعتقال
البشير هدفاً سياسياً واضحاً. إلا أنني لا استطيع إغفال عدد من الحقائق
ينبغي أخذها في الاعتبار إذا ما أردنا احتواء الأزمة والحكم عليها بالعقل
وليس بالعاطفة.. والحقيقة أن هذه مهمة ليست يسيرة فالشعوب العربية اعتادت
أن تحكم علي قضاياها بعواطفها وقلوبها.. الشعوب العربية تميل إلي نظرية
"المؤامرة" وهي وإن كانت موجودة في بعض القضايا. إلا أننا لا نستطيع أن
نحتكم إليها دائماً باعتبارها المرجعية الوحيدة.

الاحتكام إلي نظرية المؤامرة له عيب جوهري وهو أنه يعمينا عن اخطائنا
ويبرر لنا ارتكابها ويغسلنا من ذنوبنا كما يُغسل الثوب الأبيض من الدنس.
رغم أننا بشريون ونخضع لناموس الكون بأخطائه وسيئاته.. وحسناته
وإيجابياته.

بداية أقول إن كثيراً من التحليلات التي أقرؤها تنتقد صدور مذكرة
الاعتقال بحق البشير علي أساس انها سابقة خطيرة كونها تصدر لأول مرة بحق
رئيس في السلطة ويمارس اختصاصاته!!

وهذا صحيح.. لكن الصحيح أيضا هل يحق لأي رئيس أن يرتكب جرائم بحق
الانسانية وبحق شعبه ثم يفلت من العقاب لأنه في السلطة؟.. اذا كنا نحترم
القانون. فإن أي قانون دولي لا يعطي حصانة للشخص طالما انه في السلطة..
فهذا معناه أن للرؤساء الحق في إبادة شعوبهم.

الأهم من ذلك اننا كعرب نشارك في جزء من المسئولية.. فالمجتمع الدولي
كله بما فيه نحن العرب لم نفعل شيئا طوال السنوات الماضية لكف يد الخرطوم
عن التورط في مذابح بدارفور.. من ناحية أخري لم تبادر الدول العربية
الغنية وبخاصة دول الخليج الي تقديم مساعدات لأهالي دارفور الا بنسبة
محدودة جدا ولا تقارن بما قام به المجتمع الدولي وتمثل في تدفق اعانات
الاغاثة.

المشكلة الكبري التي تواجه النظام السوداني في الوقت الحالي هي في
الاعلام الذي يتحدث نيابة عن البشير والمستشارين القانونيين.. فعلي سبيل
المثال ينكر الرئيس السوداني أرقام القتلي في دارفور والذين اتهمته
المحكمة الدولية بإزهاق أرواحهم.. يقول البشير انهم ليسوا 300 ألف كما
يزعمون. وانما يزيدون بقليل عن 10 آلاف.

وفي الحقيقة فإن هذا الدفاع الذي يصدر عن نظام البشير هو في حد ذاته اتهام له.


فالمحكمة الدولية عندما أصدرت قرارها بتوقيف البشير كانت هي المرة
الثانية التي تصدر فيها قرارا بتوقيف رئيس أقدم علي قتل مسلمين.. فقد جري
توقيف زعيم صرب البوسنة رادوفان كاراديتش العام الماضي بطلب من المحكمة
الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة "وهي محكمة أخري في لاهاي" بتهمة قتل
الآلاف من أبناء البوسنة المسلمين في حرب البلقان خلال فترة التسعينات
وكان أكبر عدد منهم في مذبحة سريبر نيتشا عام 1995 والتي راح فيها 8 آلاف
مسلم!! إذا كاراديتش حوكم بسبب 8 آلاف فقط وإذا كان البشير قتل 10 آلاف
باعتراف إعلامه ومستشاريه فإن هذا لا يعفيه من العقاب ولا يبرر إسقاط
التهم عنه.

أيضا مسألة أن المحكمة هي جزء من النظام الاستعماري أمر مردود عليه
فالرئيس البشير بريء حتي تثبت إدانته وهذا هو المبدأ الذي علي الجميع
اعتناقه وإذا ثبتت البراءة فمن حقه ان يكشف عن وجود مؤامرة دولية ضده.

لكن للأسف البشير لا يعترف بالمحكمة الدولية الآن وبالتالي يضع نفسه
خارج النظام العالمي.. والغريب ان البشير الذي يهاجم أمريكا يتخذ نفس
موقفها من المحكمة الدولية.. فواشنطن رفضت الانضمام للمحكمة حتي لا تطارد
في أحد الأيام مواطنيها أو جنودها وتلاحقهم بسبب جرائم حرب ارتكبوها في
مناطق مختلفة من العالم.. من ثم فالمحكمة ليست استعمارية وقضاتها أحدهم من
غانا والثاني من البرازيل والثالث من لاتفيا.. والدول الثلاث علي خلاف مع
واشنطن!!

أيضا علينا أن نتنبه إلي نقطة في غاية الأهمية في دفاعنا عن الرئيس
السوداني وهي الاستهتار بما حدث من مآس وقتل في دارفور سينسحب بصورة سلبية
جدا علي السودان كله.. هناك مليونان ونصف مليون من أهالي دارفور يعيشون في
الخيام حاليا ومعظمهم من المسلمين فإذا اهملنا مأساتهم المستمرة منذ ست
سنوات فإننا بهذا نعطي للعالم أقوي مبرر لتقسيم السودان. لأن حكومته عاجزة
عن حماية الشعب.. وبهذا يتحول السودان العربي إلي دولة زنجية مسيحية في
الجنوب وأخري عربية شمالية عاصمتها الخرطوم وثالثة إسلامية إفريقية في
دارفور.

إن مصر مطالبة بالضغط علي السودان لعدم الانسياق وراء رد فعل غاضب
إزاء قرار المحكمة وأن يتحلي بضبط النفس.. ملاحقة البشير إذا تمت لن تحدث
الآن. وإنما بعد سنوات طويلة.. القاهرة ومعها دول الخليج نتيجة
لاستثماراتها الكبيرة في قطاعي الزراعة والعقارات بالسودان يستطيعون اقناع
السودان باتخاذ عدة اجراءات فعلية تحسن صورة الخرطوم في عيون العالم.
ومنها اختيار متحدث رسمي للأزمة من الحركة الشعبية المعارضة وشريكة البشير
في الحكم بالإضافة لإقامة نظام قضائي يتيح مساءلة عادلة للمخطئين بدلا من
توجيه اتهامات متكررة للقانون الدولي.

أهم شيء علي السودان تداركه في الوقت الراهن عدم هدم اتفاق نيفاشا
للسلام الذي تحدثت عنه أمس حتي لا تندلع حرب أهلية وإعادة البلاد لدوامة
النزاع الشامل.. الحركة الشعبية المعارضة التي تشارك حزب المؤتمر الوطني
الحكم عليها مسئولية كبري وهي منع المتشددين داخل حزبهم وفي النظام
السوداني نفسه من زعزعة السلام الهش القائم حاليا.

وأخيرا علي جميع السودانيين أن يدركوا أن السودان أهم من البشير..
السودان وطن والبشير شخص.. والأوطان لا تضحي بنفسها من أجل أبنائها..
العكس هو الصحيح.