مطاردة طائرة البشير بقلم : مكرم محمد أحمد

من طرف صفاء الأحد مارس 08, 2009 10:00 am

نقطة نور
بقلم : مكرم محمد أحمد

مطاردة طائرة البشير

هل
يمكن ان تقوم دولة عضو في الأمم المتحدة بمطاردة طائرة الرئيس السوداني
عمر البشير‏,‏ وهو في طريقه إلي الدوحة لحضور القمة العربية الدورية‏,‏
وإجبارها علي الهبوط‏,‏ واختطاف الرئيس السوداني الذي لايزال يمارس مهامه
رئيسا شرعيا لبلاده‏,‏ وتسليمه الي المحكمة بدعوي ان الحكومة السودانية
رفضت تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية بالقبض علي البشير‏,‏ كما أعلن
المدعي العام للمحكمة الدولية أوكاسيو‏,‏ برغم اعتراض مجموعة دول الاتحاد
الافريقي والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي الذين يشكلون أكثر من نصف
تعداد العالم علي قرار المحكمة‏,‏ واعتزامهم مطالبة مجلس الأمن بتعليق
تنفيذ القرار لمدة عام تجنبا لتداعيات خطيرة‏,‏ سوف تلحق ضررا جسيما بأمن
السودان ووحددته واستقراره‏!‏

ولماذا يتطوع المدعي العام أوكاسيو
بمثل هذه الفتوي التي تطلب من دول العالم مطاردة طائرة البشير استباقا
لصدور قرار من مجلس الأمن يحدد آليات تنفيذ حكم المحكمة‏,‏ ربما يصعب
صدوره إذا استخدمت روسيا أو الصين حق الفيتو‏,‏ كما يتوقع الجميع‏,‏ إلا
أن يكون المطلوب تأكيد المعايير المزدوجة للعدالة الدولية‏,‏ التي تتعجل
القبض علي البشير قبل استيفاء كل شروط الاجراءات القانونية‏,‏ بينما تهدر
النظر في جرائم حرب مؤكدة تفوق جرائم النازي‏,‏ يرتكبها الاسرائيليون كل
يوم ضد الشعب الفلسطيني آخرها الحرب الوحشية علي قطاع غزة‏!‏

إن
أخطر ما في قرار المحكمة ليس التعجيل بالقبض علي البشير ومحاكمته‏,‏ وإنما
الاثار التي يمكن ان تترتب علي هذا القرار الذي يفتح أبواب الفوضي علي
مصاريعها في السودان‏,‏ ويقتل كل فرص المصالحة بين حركات التمرد في دارفور
وحكومة الخرطوم المركزية‏,‏ ويشجع المتمردين علي استبدال هدف اصلاح
الروابط بين الخرطوم العاصمة وواحد من أقاليم الحكم الذاتي علي أساس إعادة
تقسيم السلطة والثروة الذي كان قد قطع شوطا كبيرا بالانفصال الكامل عن
السودان‏,‏ الأمر الذي يزيد من فرص تجدد العنف‏,‏ ويعيد القضية مرة أخري
الي المربع رقم واحد‏,‏ برغم كل الجهود التي بذلها المجتمع الدولي للوصول
الي اتفاق متوازن بين كل أطراف النزاع تحددت بالفعل جميع ملامحه‏,‏ لكن
المجتمع الدولي لم يضغط بالقدر الكافي علي بعض حركات التمرد كي تقبل عناصر
الاتفاق الذي قبلته حكومة الخرطوم‏,‏ ويزيد من حجم الأخطار ان قرار القبض
علي رئيس لايزال يمارس شرعية الحكم يستدعي صورا أخري من الفوضي‏,‏ لأنه
يشجع علي الانقلاب العسكري‏,‏ ويغري بالانشقاق داخل سلطة الحكم‏,‏ ويزيد
من عدم الاستقرار صراعا علي الحكم بسبب غياب انتقال السلطة علي نحو سلس‏.‏

وربما
تكون حكومة البشير قد تأخرت بعض الوقت في محاكمة المتهمين ببعض جرائم
الحرب في دارفور‏,‏ التي تم ارتكابها في نزاع تقليدي تعرفه معظم دول
افريقيا بين مصالح الرعاة الذين يتنقلون جنوبا في مواسم الجفاف بحثا عن
المرعي‏,‏ ومصالح المزارعين الذين تتعرض أرضهم لغزو الرعاة‏,‏ تصاعدت حدته
في السودان بسبب عوامل عديدة لايدخل جميعها ضمن مسئولية حكومة الخرطوم‏,‏
لكن ثمن ذلك ينبغي ألا يصل الي حد التآمر علي وحدة السودان‏,‏ وتفتيت
كيانه الي دويلات صغيرة كما كان المأمول ان يحدث في العراق‏.‏
‏

mmahasabo@yahoo.com