الدور الثقافي لرجال الأعمال‏..‏ النموذج الياباني بقلم : د‏.‏ وليد محمود عبدالناصر

من طرف العنتيل الأحد مارس 08, 2009 10:41 am

الدور الثقافي لرجال الأعمال‏..‏ النموذج الياباني
بقلم : د‏.‏ وليد محمود عبدالناصر

تناول
العديد من المقالات خلال الفترة الماضية‏,‏ الجوانب المختلفة لدور رجال
الأعمال في الحياة العامة‏,‏ أو ما يطلق عليه العمل العام لرجال
الأعمال‏..‏ وسنتعرض هنا لجانب واحد من هذه الجوانب‏,‏ وأقصد هنا دور رجال
الأعمال في مجال النشاط الثقافي‏,‏ ليس باعتباره مصدرا للدخل أو الربح‏,‏
ولكن باعتباره عملا طوعيا‏,‏ بل وخدمة للمجتمع ومواطنيه‏..‏ وسنتناول
ثلاثة أمثلة علي هذا الدور في مجتمع من آسيا‏,‏ وهو المجتمع الياباني‏,‏
وهو مجتمع يجمع بين التراث والتقاليد الشرقية‏,‏ خاصة في المجالين الثقافي
والاجتماعي‏,‏ من جهة‏,‏ والحداثة الغربية‏,‏ خاصة في المجالات الاقتصادية
والعلمية والتكنولوجية‏,‏ وأيضا التأثير الثقافي والاجتماعي والفني‏,‏ من
جهة أخري‏.‏

ففي الحالة اليابانية‏,‏ هناك تنوع بين الدور الثقافي
لرجال وسيدات الأعمال والمؤسسات الاقتصادية الكبري أو الشركات الأصغر
حجما‏,‏ في دولة يعد اقتصادها هو الثاني علي مستوي العالم ككل‏,‏ كما أن
العمل الثقافي كخدمة مجتمعية يتداخل‏,‏ وأحيانا يتقاطع‏,‏ مع جوانب أخري
للعمل الطوعي‏,‏ سواء كان تعليميا أو صحيا أو خيريا طبيا أو اجتماعيا‏,‏
وأحيانا يأخذ هذا العمل شكلا فرديا أو عفويا‏,‏ بينما في مناسبات أخري
يأخذ شكل بناء مؤسسي ثابت يتصف بالاستدامة والانتظام والدورية‏,‏ كما أن
هذا النشاط لا يقتصر علي نشاط ثقافي داخلي‏,‏ بل يمتد إلي أنشطة تعاون
ثقافي خارجي‏,‏ دولي وإقليمي‏,‏ كما سنبين فيما يلي‏..‏

وأول
الأمثلة التي سنعرض لها في الحالة اليابانية‏,‏ هو رجل الأعمال الشهير
موري‏,‏ الذي يملك عددا من أعلي وأحدث المباني في العاصمة طوكيو وعبر
العالم‏,‏ وهو أيضا الذي اختير عام‏2007‏ كأهم رجل أعمال في آسيا‏,‏ وقد
كرس الرجل وزوجته جزءا من وقتهما ونشاطهما لمجال العمل الطوعي والثقافي‏,‏
وتمثل ذلك في متحف موري للفنون الذي يحتل آخر دورين بأحد مباني السيد موري
في قلب العاصمة طوكيو‏,‏ وهو مبني الـ روبونجي هيلز‏,‏ والمتحف مفتوح
للزائرين‏,‏ كما تنظم رحلات خاصة بشكل جماعي إليه لطلاب المدارس والجامعات
اليابانية‏,‏ وكذا لدور المسنين‏,‏ وهو مخصص أساسا للفن الحديث‏,‏ سواء
الرسم أو الفنون التشكيلية‏,‏ بمدارسها وتنويعاتها المختلفة‏.‏

ولكن
المهم أيضا أن المتحف في حالة تفاعل دائم مع العالم من حول اليابان‏,‏ فهو
طرف في اتفاقيات تعاون عديدة مع الكثير من المتاحف ومؤسسات الإبداع
الثقافي عبر العالم‏,‏ بحيث يقيم بجنباته علي فترات معارض فنية من دول
وأقاليم من مختلف أنحاء العالم‏,‏ تعكس إسهامات ومدارس فنية متنوعة
وعديدة‏,‏ وكثيرا ما تشتمل هذه المعارض علي أعمال من أكثر من دولة أو
منطقة‏,‏ بغرض تقديم صورة متوازنة للزائرين من المواطنين اليابانيين
والزوار الأجانب عن تقدم وتنوع الفنون التي تنمو في إطار ثقافات ومجتمعات
مختلفة‏.‏

أما المثال الثاني الذي نتعرض له هنا‏,‏ فيتصل بمؤسسة
اقتصادية عملاقة في اليابان‏,‏ وهي مؤسسة توشيبا المتخصصة في المنتجات
الكهربائية والإلكترونية وغيرهما‏,‏ فقد أنشأت المؤسسة الاقتصادية مؤسسة
أخري ثقافية منبثقة منها‏,‏ تسمي مؤسسة توشيبا الدولية‏,‏ وتقوم المؤسسة
الأم بتمويل ودعم المؤسسة الثقافية التابعة لها حتي تقوم بنشاطها الثقافي
دون النظر لاعتبارات الربح والخسارة‏,‏ بل النظر للمردود في مجال التربية
الثقافية والفنية الرفيعة للمواطن الياباني العادي‏.‏

وتلعب مؤسسة
توشيبا الدولية دورا مزدوجا‏,‏ فمن جهة تسعي مؤسسة توشيبا الدولية إلي
الترويج لمختلف أوجه الثقافة والفنون اليابانية‏,‏ خاصة تلك التقليدية
المهددة بعدم الاهتمام بشكل متزايد لدي الفئات العمرية الأصغر في صفوف
الشعب الياباني‏,‏ سواء كانت أنشطة الترويج تلك داخل اليابان أو خارجها‏.‏
ومن جهة أخري‏,‏ تقوم المؤسسة بجلب واستضافة فرق تؤدي فنونا شعبية تقليدية
تعكس تراث وثقافة شعوب من خارج اليابان‏.‏

واللافت للنظر أنه عندما
يتم تنظيم عروض لهذه الفرق الزائرة داخل اليابان بواسطة مؤسسة توشيبا
الدولية‏,‏ فإن الحفل نفسه يجمع بين الفرقة الزائرة وفرقة يابانية تؤدي
فنونا تقليدية يابانية‏,‏ من رقص وغناء وموسيقي وغير ذلك‏,‏ وعادة ما تكون
الحفلات التي تنظمها المؤسسة داخل اليابان أو خارجها‏,‏ إما بالمجان أو
بأسعار رمزية‏,‏ بغرض تشجيع أكبر عدد من المشاهدين علي الإقبال‏,‏ بل
واستهداف فئات بعينها من اليابانيين‏,‏ خاصة النشء والشباب‏,‏ وتحفيزهم
علي الحضور والمشاهدة بغرض التعلم والاستمتاع معا في آن واحد‏.‏

أما
المثال الثالث الذي نتعرض له هنا‏,‏ فهو خاص هذه المرة بسيدة أعمال‏,‏ في
العقد التاسع من العمر‏,‏ ولها باع طويل في العمل الطوعي بشكل عام‏,‏ سواء
الطبي أو التعليمي أو الاجتماعي أو الثقافي‏,‏ وهي السيدة يوفو
ماتسوناجا‏,‏ وقد دخلت السيدة ماتسوناجا ميدان العمل العام مبكرا من عدة
أبواب‏,‏ أولها من زاوية إنشاء مؤسسة طبية خيرية تشرف عليها ابنتها وزوج
ابنتها‏,‏ وهما طبيبان‏,‏ كدليل علي الاهتمام بهذا النشاط‏,‏

وثانيها
عبر إقامة دور حضانة مدعمة لأطفال نساء عاملات يتعين عليهن العمل لإعالة
أطفالهن في الوقت الذي لا يتحصلن فيه علي دخل يسمح لهن بإدخال أطفالهن
الصغار في دور حضانة برسوم تجارية‏,‏ وثالثها إقامة دور لرعاية المسنين
برسوم رمزية أيضا‏,‏ ورابعها وآخرها‏,‏ وليس أقلها‏,‏ وربما أهمها هنا‏,‏
الدور الترويجي الثقافي والفني من خلال مؤسسة تنمية الفنون التقليدية
اليابانية‏,‏ التي أسستها وتنفق عليها وترأسها السيدة ماتسوناجا‏.‏

وتنظم
المؤسسة حفلات كبري لا تقتصر علي العاصمة طوكيو‏,‏ أو المدن الكبري‏,‏ بل
تمتد للمدن الصغيرة وبعض القري في الريف الياباني‏,‏ وهي حفلات عادة ما
يحضرها الآلاف‏,‏ وتكون تتويجا لمسابقات مطولة في الفنون التقليدية
اليابانية من موسيقي ورقص وغناء وفن ارتداء الزي الياباني التقليدي‏(‏
الكيمونو‏),‏ والفن التقليدي لتنسيق الزهور اليابانية‏(‏ الإيكيبانا‏)‏
وغيرها‏,‏ وتركز أيضا علي صفوف الشباب الياباني‏,‏

وتصعد بالفائزين
لحصد جوائز وتكريم بأشكال مختلفة مادية ومعنوية في حفلات كبري تخصص بغرض
إتاحة الفرصة لهذه المواهب‏,‏ لعرض ما لديها من تميز في هذه الفنون أمام
حشد ضخم من الجمهور وعلي الصعيد الوطني‏,‏ ولكن نشاط المؤسسة لا يسري فقط
داخل حدود اليابان‏,‏ بل تسعي لتقديم هذه الفنون التقليدية اليابانية خارج
اليابان‏,‏ بهدف الترويج لهذه الفنون خارج الحدود والتعريف بها‏,‏ ومن ذلك
حفلات في مصر أقيمت منذ سنوات عديدة‏,‏ وحفل مخطط له بدار الأوبرا المصرية
في ديسمبر من العام الحالي‏.‏

كانت هذه مجرد أمثلة لنماذج عينة
محدودة من صورة أكبر وأشمل وأوسع للدور الثقافي والفني التعريفي والترويجي
لرجال أعمال ومؤسسات اقتصادية‏,‏ أيا كان حجمها‏,‏ في اليابان‏,‏ وهو دور
يصب في خانة الخدمة العامة ورفع المستوي الثقافي والذوق الفني للمجتمع
بأسره‏,‏ وللمواطنين علي تباين مستوياتهم الاقتصادية أو التعليمية أو
الاجتماعية‏,‏ وتنوع خلفياتهم الجغرافية‏.‏