التجربة والسيجارة‏..‏ هما الباب الواسع للإدمان‏!‏ بقلم : د‏.‏ عبدالهادي مصباح

من طرف tofeee الأحد مارس 08, 2009 10:45 am

التجربة والسيجارة‏..‏ هما الباب الواسع للإدمان‏!‏
بقلم : د‏.‏ عبدالهادي مصباح

تري
كيف يتحول المدمن من مرحلة التجربة إلي مرحلة الإدمان؟ في الحقيقة أن
خطورة الإدمان بشكل عام مرتبطة ارتباطا وثيقا بعدة عوامل منها‏:‏ أولا‏:‏
نسبة تكرار استخدام المادة المسببة للإدمان‏,.‏ ثانيا‏:‏ الجرعة التي يتم
تعاطيها في كل مرة من مرات التعاطي‏.‏ ثالثا‏:‏ أسلوب التعاطي‏.‏ فالشم
يختلف عن الحقن‏,‏ وهذا يختلف عن التدخين‏..‏ إلخ‏.‏ رابعا‏:‏ الزمن الذي
مضي علي بدء التعاطي‏.‏

ومن الواضح أن معظم من يبدأ في تجربة أو
تعاطي أي مادة أو دواء من التي تسبب الإدمان‏,‏ لا ينوي أو يدرك أنه سوف
يدمنها‏,‏ أو أنها سوف تسبب له كل ما يمكن أن تسببه من المشكلات والكوارث
التي تظهر فيما بعد‏,‏ لكنه يجربها من باب الفضول‏,‏ أو حب الاستطلاع‏,‏
أو التجريب‏,‏ أو الضياع‏,‏ أو التقليد‏,‏ أو إثبات الذات‏,‏ أو تسكين
الألم أو غيرها من الأسباب التي تدفع الشاب أو الفتاة للدخول في مثل هذه
التجربة‏,‏ وعادة ما يكون الشخص المجرب‏,‏ أو المتطلع إلي التجربة‏,‏ في
حالة من القوة تجعله يتوهم أنه يستطيع أن يملك زمام نفسه‏,‏ والتحكم فيها
خلال هذه التجربة‏,‏ وهذا هو أول الأبواب التي يدخل منها الشيطان‏,‏ لكي
يسلم هذا المجرب إلي نفسه الأمارة بالسوء التي سوف تتحكم فيه بعد تكرار
التجربة من خلال تغيرات بيولوجية وجينية معينة تحدث في مخه وداخل خلايا
جسمه‏.‏

وبالتأكيد فإن أحدا لا يمكن أن يدخل في مشكلة الإدمان دون
أن يمر بمرحلة التجربة التي قد يمر بها ولو مرة واحدة‏,‏ لذا فإننا نستطيع
أن نقول إن التجربة هي الباب الملكي للعبور إلي الإدمان‏,‏ أو هي البداية
الحقيقية لاحتمال حدوثه‏,‏ وتتوقف نتيجة التجربة علي رد فعل الشخص
المجرب‏,‏ ومدي ما سوف تحدثه المادة التي يجربها من رد فعل منعكس علي
جهازه العصبي الإرادي واللاإرادي‏,‏ فإذا كانت الآثار التي تحدثها هذه
المادة تشعر المجرب بسعادة وانطلاق‏,‏ أو بشعور معين يفسره هو علي أنه
شعور إيجابي ـ وهو بالطبع ما يحدث مع غالبية المخدرات والمهدئات والمنشطات
في بداية تعاطيها ـ فإنه سوف يكرر التجربة مرة أخري‏,‏ وربما مرات ومرات
حتي يدخل إلي منطقة الاعتياد‏,‏ ثم الاعتماد علي هذه المادة المخدرة‏,‏

أما
إذا أحدثت التجربة رد فعل سيئا علي المجرب‏,‏ مثلما يحدث في بعض الحالات
النادرة من أعراض القيء‏,‏ وضيق التنفس‏,‏ وغير ذلك من الخبرات السيئة
التي تحدث للمجرب‏,‏ فإنه يكره تكرار التجربة مرة أخري لهذا النوع نفسه‏,‏
إلا أنه قد يكرر التجربة مع نوع آخر إذا كانت شخصيته من النوع الذي يميل
إلي تكرار التجربة‏,‏ حتي يقع فريسة للمادة التي تشعره بما يحب أن يشعر في
بداية تعاطيها‏,‏ وفي كل مرة تتكرر فيها التجربة غالبا ما يكون هناك صراع
نفسي داخلي في عقل المجرب ونفسه‏,‏ يتجاهل خلاله الآثار النهائية والخطيرة
الناتجة عن إمكان وقوعه في براثن الإدمان‏,‏ ويتذكر فقط الآثار الإيجابية
الوقتية التي يشعر بها في بداية التعاطي‏,‏ وتزداد المشكلة تعقيدا في حالة
التجربة مع أصدقاء السوء الذين يمدون كل وسائل العون والتشجيع إلي
المجرب‏,‏ لكي يقع في براثن الإدمان كما وقعوا هم من قبل‏.‏

وأهم
العوامل التي تساعد علي تكرار التجربة الوجود مع الأصدقاء أنفسهم‏,‏ وفي
الجو نفسه الذي يتيح هذا التكرار‏,‏ مع توافر المال الذي يمكن المجرب من
إعادة هذه التجربة مرة أخري‏,‏ إلي جانب احتمال وجود عوامل نفسية وأسرية
تدفعه إلي ذلك‏,‏ وغياب الرقابة علي هذه المجموعات‏,‏ وسهولة حصوله علي
المواد التي تؤدي إلي إدمانه‏,‏ لذا يجب علي الشاب أو الفتاة أن يقاوما
الدخول من باب التجربة من أساسه‏,‏ وإذا دخلا فبعد أول تجربة ينبغي أن
يقلعا نهائيا عن تناول المادة المسببة للإدمان‏.‏

وإذا استمر
الإنسان في تناول مثل هذه المواد فإن عليه أن يعلم أنه ينزلق بسرعة إلي
مرحلة أخري من مراحل الإدمان بعد التجربة‏,‏ ألا وهي الاعتياد‏,‏ حيث لا
يمكنه علي الإطلاق أن يحدد أو يتحكم في زمن ومدة وقوعه في دائرة الإدمان
بعد ذلك‏,‏ والذي ينبغي أن يعلمه أيضا أنه داخل إلي هذا المنحدر بمحض
إرادته حتي الآن‏,‏ دون أي نوع من الإجبار أو القهر‏,‏ سواء من الناحية
النفسية أو الجسدية‏,‏ فقبل الدخول إلي هذه المرحلة لا يكون هناك أي نوع
من الاعتماد علي مثل هذه المواد‏,‏ سواء نفسيا أو جسمانيا‏,‏ ولا يحدث له
أي نوع من العواقب أو المضاعفات نتيجة توقفه عن تناولها‏,‏ وإذا شعر الشاب
برغبة في تكرار التجربة مرة أخري فعليه أن يلجأ إلي الاستشاريين أو
المتخصصين في مواجهة وعلاج الإدمان‏,‏ حيث إن هذه الفترة قبل الدخول إلي
سيطرة المادة المخدرة تكون هي الفترة الذهبية لإنقاذ مثل هؤلاء الشباب قبل
سقوطهم في هذه الهوة السحيقة‏,‏ وقد يتطور استخدام الشخص المجرب لهذه
المواد فيستخدمها بشكل متكرر‏,‏ لكن عشوائي‏,‏ عندما تسمح ظروفه بذلك‏,‏
وهو يظن أنه مازال يملك القوة للأخذ والمنع تبعا لمزاجه وإرادته‏,‏ وهذا
خطأ جسيم‏.‏

وارتباط المدمن نفسيا بالمادة المسببة للإدمان‏,‏ أو
ما يسمي الاعتماد النفسي علي الدواء‏,‏ يعد آخر المراحل التي يمكن أن يتم
إنقاذ المريض فيها قبل أن يسقط في هوة الإدمان السحيقة‏.‏ فالمستخدم لمثل
هذه المواد إما أنه ينشد المزاج الذي يجعله في حالة نفسية ومعنوية
عالية‏,‏ أو النشاط الذي يعينه علي القيام بواجبات وأنشطة أكبر‏,‏ مما
يمكنه من أن يتحمل جسمه القيام بها‏,‏ أو من أجل تسكين الآلام والمساعدة
علي النوم‏,‏ مثلما يحدث في حالات كثيرة من الألم أو الأرق أو الحوادث أو
الأمراض المزمنة والنفسية التي تصيب الكثير من الناس‏,‏ وتظل ملازمة لهم
علي مدي حياتهم‏.‏

والحقيقة أن صرخات نقيب الأطباء الأستاذ الدكتور
حمدي السيد من أجل تطبيق قانون حظر التدخين في الأماكن العامة والمغلقة
بحسم وصرامة‏,‏ ومحاكمة الأطباء والمدرسين المدخنين باعتبارهم قدوة‏,‏ قد
لاقت صدي طيبا في نفسي‏,‏ فالسيجارة ـ إلي جانب ما تسببه من أمراض وكوارث
صحية تنتهي بالموت ـ هي بوابة الإدمان عند الأطفال والكبار علي السواء‏,‏
فالبداية دائما تكون عبارة عن فضول وشغف لمعرفة ما يمثله هذا الدخان
المتصاعد‏,‏ الذي يرسم عالما من الأحلام عند المراهقين والشباب‏,‏ وبديلا
سهلا للحوار المفقود‏,‏ والكبت المستمر‏,‏ والأوامر الصارمة‏,‏ والرؤية
المشوشة‏,‏ ثم يصعد الطفل سلم هذا الدخان ليمسك بالسراب‏,‏ وتمتد الرحلة
بعد ذلك إلي الحشيش والبانجو والأقراص والحقن‏,‏ ولا تنتهي عند
الهيروين‏,‏ فالعقول الشريرة تكتشف وتقدم الجديد دائما‏.‏

وفي
دراسة أجريت بواسطة المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية علي‏4%‏ من
مجموع تلاميذ المدارس الثانوية المصرية للبنين تبين أن مدخني السجائر بين
متعاطي المخدرات‏(‏ الحشيش والأفيون‏)‏ يزيدون علي‏60%,‏ في مقابل‏8%‏ فقط
بين الذين لا يتعاطون هذه المخدرات‏,‏ أما في الدراسة التي أجريت لمعرفة
نسبة المدمنين بين المدخنين وغير المدخنين في الجامعات المصرية‏,‏ فقد
زادت هذه النسبة إلي‏72%‏ بين مدخني السجائر‏,‏ الذين أقروا بتعاطيهم
الحشيش والبانجو والأفيون وغيرها‏,‏ والإحصائيات الدقيقة بين من هم دون
هذه السن من أطفال الابتدائي والإعدادي غير متوافرة‏,‏ لكن ما نراه من
التصاق هذه العادة بأطفال الشوارع الذين يشمون الكلة ويلحسون الصمغ ينذر
بأرقام قد تصل إلي حد الكارثة‏.‏

وفي دراسة أخري بالمركز القومي
للبحوث الاجتماعية والجنائية حول وبائيات التعاطي والإدمان بين طالبات
الجامعة في مصر‏,‏ أظهرت النتائج أن‏40%‏ من الطالبات المشتركات في العينة
وعددهن‏7255‏ يدخن أكثر من‏20‏ سيجارة يوميا‏,‏ وأعلي نسبة كانت بين
البنات في الشريحة العمرية أقل من عشرين عاما‏,‏ أما المناسبات التي تدخن
فيها الطالبة لأول مرة فجاءت في أثناء الجلسات مع الصديقات والأصدقاء
بنسبة‏21%,‏ و‏16%‏ للتقليد والتجربة والمظهرية‏,‏ ونسبة‏5%‏ عند مواجهة
مشكلة معينة‏,‏ و‏8.8%‏ في مناسبات سعيدة‏,‏ وكشفت الدراسة عن أن‏53%‏ من
طالبات الجامعات تتعاطين الأدوية المهدئة‏,‏ و‏15%‏ تتعاطين الأدوية
المنشطة‏,‏ و‏45%‏ تتعاطين الأدوية المنومة‏,‏ وتراوحت أعمار المتعاطيات
عند بداية التعاطي بين‏12‏ سنة و‏26‏ سنة‏,‏ وكانت أعلي نسبة أيضا تحت سن
العشرين عاما‏.‏