دايماً .. بعد خراب مالطة! خالد إمام

..وماذا بعد؟!
دايماً .. بعد خراب مالطة!
خالد إمام
E-mail:khaled@almessa.net.eg


لا أدري ما المفروض أن نفعله أكثر مما فعلنا ونفعل وبإخلاص وتجرد عن أي هوي.


في كل أزمة.. لم تدخر مصر جهداً إلا وبذلته. ولا موقفاً إلا واتخذته.
ولا نصيحة إلا وقدمتها. ولا حتي كلمة طيبة إلا وقالتها لوجه الله تعالي لم
تُرد من ورائها جزاءً ولا شكورا.

مع هذا.. فإن الكثيرين لم يقدروا ما بذلته وقدمته مصر ولم يستمعوا إلي نصيحتها وكلمتها الطيبة.


الشيء الغريب أنهم دائماً يفيقون ولكن بعد خراب مالطة.. ثم يتساءلون: أين مصر؟!



* * *



ولأن هؤلاء أصابهم "الزهايمر السياسي".. نود فقط تذكيرهم ببعض الأحداث الكبري وموقف مصر ورأيها فيها والذي صمُّوا آذانهم عنه.


* في الثمانينيات.. دعا الرئيس حسني مبارك إلي ضرورة عقد مؤتمر دولي
لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة.. يحدد أول ما يحدد تعريفاً
دقيقاً للإرهاب حتي لا يختلط الحابل بالنابل.

لم يجد الكلام قبولاً لدي الغرب واعتبروه رد فعل للحوادث الإرهابية
التي تتعرض لها مصر.. إضافة إلي أنهم لم يحبذوا فكرة تحديد تعريف للإرهاب
حتي لا يتم تبرئة مقاومة الاحتلال من تهمة الإرهاب.

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أيقنت أمريكا أن الأمر جد خطير.. وبدأت حربها ضد الإرهاب والتي أخذت مناحي أخري غير القضاء علي الإرهابيين.


ألم تكن مصر علي حق؟!



* * *



* وفي 2 أغسطس 1990 اقتحم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت واحتلها واعتبرها المحافظة العراقية رقم .19


ثارت الدنيا ضده.. وأرسل إليه الرئيس مبارك 32 رسالة يطالبه فيها بترك
الكويت ويوضح له المخاطر التي تنتظره.. لكنه أبي واستكبر حتي جاءه الطوفان
وخرج منها وهو صاغر.

دحروه. حاصروه. جوعوا شعبه.. ثم بدأوا الإعداد لاحتلال أرض الرافدين.


الشيخ زايد بن سلطان رئيس الإمارات الراحل طالب صدام حسين بالتنحي
لإنقاذ العراق والعراقيين من المصير المجهول لكنه رفض. نصحه الرئيس مبارك
بالمرونة مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية لتفويت الفرصة علي
الغرب وحتي لا يتخذوها ذريعة للغزو لكنه أبَي.

أيضًا.. وجه الرئيس مبارك نصائح مخلصة إلي أمريكا بعدم غزو العراق
حتي لا يزيد الإرهاب وتتعرض المنطقة إلي عدم الاستقرار خاصة انها تتمتع
بقدر كاف من عدم الاستقرار نتيجة ممارسات إسرائيل.. إلا أن واشنطن صمت
آذانها ورفضت النصيحة لغرض في نفس يعقوب.

وبعد أن وقعت الواقعة.. وتم احتلال العراق وتدمير بنيته الأساسية
وانتهاك حرماته ونهب ثرواته وانتشار الإرهاب في كل أرض الرافدين.. وجد
الرئيس الأمريكي جورج بوش أقدامه تغوص في مستنقع بلا قرار. ودفع صدام
حياته ثمنًا لصلفه وغروره وعناده وغبائه.. ثم وجدنا الأصوات تعلو وتتساءل:
أين مصر؟

مصر تحدثت مع كل الأطراف. ونصحت. وأوضحت بأمانة وإخلاص النتائج
كاملة.. والكل لم يستمع للنصيحة.. فما هو المطلوب من مصر إذن؟.. فليتحملوا
أوزارهم وخطاياهم . ألم تكن مصر علي حق


* * *



* في عام 2006 وبعد إقالة حكومة اسماعيل هنية.. احتلت حماس
قطاع غزة وبدأت الإعداد لتحويله إلي إمارة إسلامية منفصلة تمامًا عن مشروع
الدولة الفلسطينية.

واصلت مصر جهودها لتهدئة الأوضاع سواء بين حماس والسلطة الوطنية أو
بينها وبين إسرائيل.. نصحت الأشقاء كثيرًا بأن ذلك ينسف القضية الفلسطينية
كما أوضحت لهم الصورة الدامية التي سيكونون عليها لو اعتدت عليهم إسرائيل
لكنهم لم يستمعوا وانساقوا خلف إيران وأذنابها من الأنظمة العميلة
والأجنحة العسكرية التي تحارب بالوكالة والتيارات غير الشرعية.. فكان ما
كان يوم 27 ديسمبر .2008

ومرة أخري.. بعد أن وقعت الواقعة.. تساءلوا: أين مصر؟ لماذا لا تفتح منفذ رفح؟


ألم نبلغهم بكل هذه النتائج الكارثية؟.. ألم ننصحهم ونناشدهم الهدوء والرشد؟.. فما المطلوب منا إذن؟


الرئيس مبارك كان واعيًا وفاهمًا جدًاللمؤامرة التي تدبر ضد مصر والفخ
المنصوب لها.. ولذلك فوت الفرصة علي الجميع وحافظ علي مصر واستقلال قرارها
وعلي شعبها وانجازاتها وحاضرها ومستقبلها.. وفي نفس الوقت ساعد - ومازال -
الأشقاء في غزة بقدر ما يساعدون هم أنفسهم.

ألم تكن مصر علي حق؟!



***



* والسودان له نفس وضع غزة من حيث إنه العمق الاستراتيجي
لمصر والذي يؤثر حتماً علي أمننا القومي.. لذلك كانت مصر حاضرة دائماً في
كل مشكلة بين الخرطوم والجنوب السوداني ودارفور.. بالنصيحة والكلمة الطيبة
والمساندة العادلة.

الآن.. وبعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس
السوداني عمر البشير.. لا يجوز أبداً الاستهانة بالمذكرة.. أو أن تطالب
الخرطوم الدول العربية والأفريقية الموقعة علي اتفاقية إنشاء المحكمة
بالانسحاب منها.

وبدلاً من هذه الاستهانة وتلك المطالب.. كان المفروض علي الخرطوم أن
تستمع للنصيحة أو تتخذ عدة إجراءات منذ 4 سنوات تقريباً عندما بدأ الإعداد
لصدور قرار المحكمة وفي مقدمتها إجراءان حاكمان:

- أن يوكل البشير محامياً عنه لدحض التهم واثبات عدم اختصاص المحكمة بمحاكمته أمامها والتأكيد علي أن هناك تسييساً للقضية.


- التحقيق مع المتسببين في أحداث دارفور ومحاكمتهم.. علي الأقل لإثبات
حسن نوايا البشير وحكومته وشفافيتهم في التعامل مع أهالي دارفور إضافة إلي
الاهتمام أكثر بقضاياهم.. لكنه لم يفعل أياً من الإجراءين.

الآن.. صدرت مذكرة الاعتقال.. وهذا يعني أن البشير إذا زار أي دولة
من الدول ال 108 الموقعة علي اتفاقية إنشاء المحكمة سيتم اعتقاله فوراً أو
اعتراض طائرته في الجو وإجبارها علي الهبوط في أي دولة موقعة علي
الاتفاقية للقبض عليه ومحاكمته خاصة أن أمريكا تدرس حالياً إمكانية فرض
منطقة حظر طيران فوق دارفور مثلما حدث من قبل مع العراق وهو ما يشير إلي
أن الموضوع بدأ يأخذ أبعاداً أخري.

ومثلما حدث مع غزو العراق والعدوان علي غزة.. بدأت المؤتمرات
والإعداد للوقفات الاحتجاجية ونتوقع أيضاً مسيرات تشجب وتندد وتحاول الضغط
علي مصر.

القرار لن تلغيه مؤتمرات ولا وقفات ولا حتي مسيرات.. وأعتقد أننا
جربنا كل ذلك ولم ينجح.. بل يحتاج إلي "شغل" سياسي في مجلس الأمن مع روسيا
والصين لعل وعسي.

الموضوع خطير فعلاً ولا يجب الاستهانة به مثلما كان يستهين صدام حسين.


والسؤال: ألم تكن مصر علي حق؟!