من الواقع محمد فوده

من الواقع
محمد فوده

الاستهتار واللامبالاة والعنترية التي واجه بها الرئيس السوداني عمر
البشير قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص بتوقيفه والقبض عليه بتهمة
ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور سيكون لها أثر بالغ علي
السودان ما لم تتحرك الدول الأفريقية والعربية مجتمعة تحركاً جاداً لتأجيل
تنفيذ هذا القرار لمدة عام.

لقد أوضح الدكتور شريف بسيوني أستاذ القانون الدولي بجامعة شيكاغو
الأمريكية ورئيس اللجنة التي صاغت القانون التأسيسي للمحكمة الجنائية
الدولية أنه كان بإمكان الرئيس البشير عندما طلب منه أن يدلي بأقواله أمام
المحكمة في يونيو من العام الماضي أن يوكل محاميا للدفاع عنه أو يقوم
بالطعن في إصدار قرار القبض عليه أو يرفع دعوي أمام محكمة العدل الدولية
بالطعن في اختصاص الجنائية لكنه لم يفعل وضرب بالموضوع عرض الحائط حتي صدر
قرار اعتقاله!!

وقال الدكتور شريف بسيوني في حديث لصحيفة الأهرام إن هذه اللامبالاة
والمكابرة سيترتب عليهما ارسال قرار الاعتقال إلي جميع الدول الأعضاء في
المحكمة وعددها 108 دول والقانون يلزم هذه الدول بالقبض عليه وترحيله
للمثول أمام المحكمة في مقرها بلاهاي.

ومعني هذا أن الرئيس البشير لا يستطيع ان يغادر بلده إلي أي من هذه الدول ال 108 وإلا تم القبض عليه بحكم القانون.


والسؤال هو: هل الدول العربية والأفريقية المنضمة إلي المحكمة تستطيع
الانسحاب منها كما طالبت السودان بذلك؟ وماذا سيترتب علي هذا الانسحاب إذا
كان ذلك ممكنا قانونياً؟!

الحقيقة أن الاجابة علي هذا السؤال تستدعي اللجوء إلي رجل من رجالات
القانون الدولي المطلعين علي القانون الأساسي للمحكمة للاجابة عليه.

لكن بعد ان تعقدت الأمور ووصلت إلي هذا الحد فإن الأمل الأخير يتمثل
أو يتركز في الجهود التي تقوم بها مصر بالسعي لدي مجلس الأمن الذي يملك
تنفيذ قرار القبض علي الرئيس السوداني إذا لم تقم الخرطوم بتسليمه طواعية
أن يؤجل المجلس تنفيذ هذا القرار لمدة عام علي أن يتم التحرك خلال هذه
الفترة للبحث عن مخرج لهذه الأزمة.

وإذا لم يوافق مجلس الأمن علي التأجيل وقرر إصدار قرار بالقبض علي
الرئيس البشير فإن الأمل سينحصر في كل من روسيا والصين لاستخدام الفيتو
لوقف تنفيذ القرار.

ومن هنا يجب السعي بكل جدية من قبل السودان أولاً ومن قبل الدول
العربية والأفريقية لدي الدولتين لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار القبض علي
البشير ومنع اتخاذ عقوبات ضد السودان.

الوضع خطير ويستلزم التصرف بعقلانية لأن مظاهرات التأييد للسودان والشجب للقرار لن تفيد في شيء.