قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

لولا مولد محمد بن عبدالله صلي الله عليه
وسلم ما عرفت البشرية طريق الهداية. ولما استطاع أحد ان يحظي بذرة مما
حباه الله به من الكرامة. ولولا وجود هذا النبي الخاتم ما عرف الناس إلي
الحق سبيلا وما اهتدوا إلي نور العدل طريقا. ولكان العالم قد لقي حتفه منذ
قرون. نعم ان محمداً بن عبدالله هو الذي أنقذ الدنيا من الهلاك. وهو الذي
حمي العالم من الضياع. وهو الذي فصل الله به بين الحق والباطل. والنور
والظلمات والهداية والغواية. وتعلم الناس منه ما رفعهم الله به درجات.
ووجد كل حائر في دينه ضالته فاستقام من عوج. وارتقي من سفل. وهدأ من عناء.
وطعم من جوع وأمن من خوف. وعلم من جهل وكان رحمة للعالمين. فما من مخلوق
ولا كائن ولا شيء إلا وجد في بعثة محمد بن عبدالله ومولده ودينه حظاً من
تلك الرحمة الكبري التي تسع جميع الكائنات وتستوعب كل المخلوقات. فكان
أرحم بالناس من آبائهم وأمهاتهم الذين فطر الله قلوبهم علي حب أبنائهم.
حتي هؤلاء الذين واجهوه وقاتلوه وشغبوا عليه وطاردوه يلتمس لهم العذر.
ويغمرهم بالرحمة. فلا يرضي ان يطبق الله عليهم جبال مكة. ولكنه يدعو لهم
بالرحمة ويطلب من الله ان يهديهم لأبوابها. فيقول: "اللهم اهد قومي فإنهم
لا يعلمون". ويأمل فيهم خيراً. فلا يعتريه اليأس من جهتهم. ولا يفقد الصبر
علي تحمل ضرباتهم. فهدايته ان لم تصادف اولئك الذين تآمروا عليه وصموا
آذانهم عنه. فإنها قد تصادف ما بأصلابهم من النسل. وما سيخلفه الله عنهم
من الذرية. وكما قال صلي الله عليه وسلم "لعل الله ان يخرج من أصلابهم من
يؤمنون به ويقيمون عدله وينصرون دينه". ولم يخب رجاؤه فكان ما تفيأه بصبره
واقعا يري في كل جيل. وحقائق معلنة من كل منحي وجهة. وحين يفرض عليه
اعداؤه المواجهة بقتالهم. لا يباغت فارسا سقط من جواده. ولا يطعن عدوا في
ظهره. ولا ينقض علي مريض أو عاجز أو طفل أو امرأة. ولا يهدم عامراً ولا
يدمر دار عبادة يقصدها أصحابها بحسب عقيدتهم. ولا يحرق زرعاً. ولا يستذل
أسيرا بل يعامل أسري الحرب معاملة كريمة تحترم آدميتهم وتحفظ كرامتهم
وتصون حياتهم وتؤمن سلامتهم. فلم تبعده قسوة المواجهة مع أعدائه عن منابع
الرحمة الكامنة في كيانه وكان رحيما بالكائنات. فلم يتلف زرعاً ولم يلوث
ماء أو يسرف فيه. ودعا إلي نظافة البيئة والرفق بالحيوان وجعل النظافة في
البدن والمسكن والشارع عبادة يتقرب الناس بها إلي ربهم. فدعا إلي نظافة
الطرق ومنع الأذي بكل صوره عنها. ورسخ مفاهيم الجمال والكمال والزينة وما
هؤلاء الذين يتطاولون عليه الا بعض من عبيد احسانه. وطلاب فضله وخيره
وكماله.