الآذان في "يالتا" صلاح عطية

من طرف جواهر الإثنين مارس 09, 2009 11:59 am

الآذان في "يالتا"
صلاح عطية
salahattia@hotmail.com

* "هذا الأسبوع" من خارج مصر.. من مدينة
كانت نقطة تحول في تاريخ العالم في نهاية الحرب العالمية الثانية.. مدينة
"يالتا" yaltaعلي البحر الأسود.. حيث عقد قادة الاتحاد السوفيتي والولايات
المتحدة الأمريكية وبريطانيا..ستالين وروزفلت وتشرشل.. مؤتمرهم الشهير
الذي بحثوا فيه مسائل ما بعد الحرب وكان بينها علي وجه التحديد المسألة
الألمانية.. والمسألة اليوغسلافية.. وكان ذلك في الفترة من 4 11 فبراير
1945 في هذه المدينة الجميلة.. وفي ثلاثة من قصورها التاريخية تطل علي
البحر الأسود.. كان كل واحد منها مقرا لرئيس من الرؤساء الثلاثة.. وكانت
الاجتماعات أو معظمها في مقر روزفلت في قصر ليفاديا Livadia)"علي البحر
الأسود.

* لماذا يالتا هذا الأسوع؟.. يالتا كانت مقراً لمعرض سياحي صغير
افتتح في الفترة من 4 6 مارس الحالي "9200".. وهو صغير.. ولكن الجمهورية
التي تنتمي إليها يالتا. وهي جمهورية "كرايميا" Crimea.. وهي جزء من
أوكرانيا ولكنها تتمتع بحكم ذاتي مر بفترات تغير عديدة.. ثم استقر مع تفكك
الاتحاد السوفيتي في عام ..1991 وهي عبارة عن شبه جزيرة في البحر الأسود..
مساحتها 27 ألف كم مربع.. هذه الجمهورية ووزارة السياحة فيها حريصة علي
هذا المعرض واستمراره..

* هذا المعرض السياحي لجمهورية كرايميا. احتفل هذا العام بدورته
الثامنة عشرة.. ومصر للأسف الشديد لم تستطع أن تتحمل معرضها السياحي أكثر
من 7 دورات فوأدته. ولم تدعه يعبر إلي سنته الثامنة. مع أن المعارض
السياحية تنتشر في كل بلد حولنا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. إلا مصر
قدر لها أن تكون بلا معرض سياحي.. تحالف عليه الكثيرون.. واستطاعوا أن
ينجزوا قراراً بإيقافه.. وكان من الممكن تطويره.. والبناء علي ما تحقق..
واستغلال استمراره لسبع سنوات.. ولكن هذا ما حدث للأسف الشديد..

* وكانت يالتا أيضاً هذا الأسبوع مقراً لاجتماع مجلس إدارة الاتحاد
العالمي للصحفيين والكتاب السياحيين "الفيجيت FIJET" وقد عقد علي هامش هذا
المعرض.. وشارك أعضاء مجلس الإدارة في افتتاح المعرض وعلي رأسهم تيجاني
حداد رئيس الاتحاد ثم بدأوا اجتماعاتهم التي استمرت يومين في يالتا.. التي
أصبحت مدينة مؤتمرات ومعارض وسياحة واستشفاء.. بعد مؤتمرها ذاك الشهير عام
..1945وكانت الدعوة إلي الاجتماع موجهة من وزارة السياحة في كرايميا.. وهي
هناك تأخذ اسماً يدل علي نوعية السياحة التي تستقبلها كرايميا.. حيث تسمي
وزارة المنتجعات الصحية والسياحة.. وهذا يؤكد ما تشتهر به كرايميا من
منتجات صحية وسياحية في نفس الوقت.. وقد استقبلت كرايميا في العام الماضي
خمسة ملايين سائح أي أكثر من ضعف عدد سكانها الذي يصل إلي مليونين و400
ألف شخص.. و70% من هؤلاء السياح قادمون من روسيا و20% من باقي أنحاء
أوكرانيا. والباقي من مختلف أنحاء العالم.

* وكانت مضيفتنا في هذا الاجتماع هي مارينا ستافيلا Marina A.
Stavila وهي تشغل موقع نائب الوزير في وزارة السياحة. وهي مستمرة في هذا
الموقع مع ثلاثة وزراء تعاقبوا علي الوزارة.. وهي خبيرة في التعاون الدولي
والاستثمار وتتبعها أيضا إدارة تسمي إدارةسياسة تحديد صورة كرايميا.. وهي
لهذا تعتبر الدينامو الممثل لبلدها في المؤتمرات والتجمعات الدولية.. وقد
سبق للفيجيت FIJET أن عقد مؤتمره السنوي في كرايميا منذ نحو عشر سنوات..
وعندما عقدنا مؤتمر الفيجيت في مصر منذ عدة سنوات كانت مارينا ضيفة هذا
المؤتمر.

* وتشكل السياحة في كرايميا نحو 6.7% من اجمالي الناتج القومي لهذه
الجمهورية التي تتمتع بحكم ذاتي في إطار أوكرانيا.. باقي مصادر الدخل
بينها الحديد والصلب والزراعة والصناعات الكيماوية والغذائية وبناء وإصلاح
السفن.

* وقد تأثرت السياحة إلي كرايميا بتداعيات الأزمة الاقتصادية
العالمية.. كما تأثرت السياحة منها إلي الخارج بانخفاض عملتها إلي النصف
تقريباً.. وقد أجاب وزير السياحة في كرايميا علي سؤال لي عن تأثير الأزمة
علي السياحة والاقتصاد في كرايميا. في مؤتمر صحفي عقده بعد افتتاح المعرض
السياحي فقال: ان مجمل التأثير علي الاقتصاد كله في كرايميا وصل إلي نحو
9%.. وبالتالي تأثرت الحركة الوافدة إلي كرايميا.. ولذلك كان لابد من خطة
لزيادة النشاط التسويقي وتنويع مصادر الحركة السياحية وزيادة التسويق
لسياحة الاقامة.. حيث تعتبر "يالتا" علي وجه الخصوص المقر الثاني للكثيرين
من الوافدين إلي كرايميا والذين يملكون شققاً في "يالتا".

* وتملك كرايميا نحو 150 ألف سريرفندقي بخلاف الشقبق الفندقية التي
توفر نحو 20 ألف سرير وتنمو بسرعة.. وسياحة الاستشفاء هي السياحة الأولي
بسبب طبيعة جوها المعتدل وتوفر المنتجعات الصحية التي تعتمد علي توفير فرص
المشي في حدائقها كبيرة المساحة وتتركز معظمها في "يالتا" وألوباكا Alupka
وجورتسوف Gurzuf.

* ويالتا الكبري تضم مدينتين هما يالتا. و"ليفاديا" Livadia مع
ثلاثين قرية صغيرة.. ويالتا تقع علي ثلاثة تلال وتضم واديين لنهرين صغيرين
وسكانها الآن ثمانون ألف نسمة.. وتتميز بالتروللي الذي مازالت تحتفظ به
لتخفف من التلوث الذي تسببه وسائل المواصلات..

* وتعتبر يالتا مصيف الصفوة.. وقد كانت كذلك منذ أيام حكم القياصرة.
وبعد قيام الاتحاد السوفيتي.. وكانت يالتا أول بلد يخرج إليه خروتشوف من
روسيا. لأول مرة في حياته.. وأصبحت مكاناً مفضلاً إليه بعد ذلك.. وكانت
ضمن طريق الحرير الذي تمر به المبادلات التجارية بين الصين وآسيا. وأوروبا
والمشرق العربي.

* وتنتعش حركة البناء علي شواطيء البحر في يالتا. وترتفع الأسعار
بشكل كبير بعد أن شهدت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي زحف أصحاب الأموال
الروس الذين شرعوا في البناء واقتناء الدور والقصور.. وتنفذ يالتا مشروعاً
لتطوير شواطئها بمشاركة رءوس أموال أوكرانية وروسية..

* وأصبح اقتناء الدور في يالتا نوعاً من الوجاهة يهتم بها الروس كثيراً.. وخاصة أصحاب الثروات الطارئة الجدد..

* وأثناء زيارتنا في يالتا كان الجليد يغطي قمم الجبال وينتشر إلي
جوانب الطرق وفوق الأشجار.. ولكن البحر الأسود في "يالتا" لا يتجمد
أبداً.. في حين يتجمد في "أوديسا".. أهم موانيء أوكرانيا علي البحر
الأسود.

* و"لكريميا" صلات وتأثيرات عديدة من اليونان وتركيا وكذلك التتار
فضلاً عن الروس.. وأسماء معظم المدن والقصور أسماء يونانية مثل يالتا
والوبكا وليفاديا.. وعلاقات اليونان بالبحر الأسود تعود إلي القرن السابع
قبل الميلاد.. حيث أنشأوا الكثير من المستعمرات المزدهرة.

* وفي كرايميا الكثير من المساجد حيث ترتفع نسبة المسلمين بين سكانها
إلي 13% من مجموع السكان.. وقد جاء التتار في القرن الثالث عشر بينما جاء
العثمانيون في القرن الخامس عشر وفي القرن الثامن عشر أصبحت كرايميا جزءاً
من روسيا حتي الثورة البلشفية.. ثم عادت مرة أخري إلي روسيا في عام ..1924
ثم أعطيت إلي أوكرانيا.. ومنحت استقلالا ذاتياً.. وهكذا فإنك في يالتا..
وفي غيرها من مدن كرايميا تجد المآذن.. وتجد الأذان.. فهي ليست كمالطة..
بلا أذان.. أو أذان لمن لا يسمع..

سياحة القصور التي نفتقدها في مصر

* والمثير في "يالتا" فعلاً هو قصورها الجميلة التي تنشط السياحة
إليها.. وهو نوع من السياحة نفتقده في مصر رغم أهمية ما تمتلكه مصر من
قصور يمكن أن تزيد من اقامة السياح. كما تفعل كل دول العالم التي تفتح
قصورها للزيارة.

* ويالتا تعيش مع شهرتها بمؤتمر "يالتا".. الذي كان موضع سؤالنا عنه
وعن المواقع التي عقدت اجتماعاته فيها.. حتي زرنا قصر ليفاديا حيث عقدت
معظم اجتماعات المؤتمر.. وكان كما قلنا من قبل مقراً لاقامة الرئيس
الأمريكي روزفلت.

* وتتميز يالتا بممشي جميل يمتد علي البحر الأسود. وتنتشر عليه
المحلات المختلفة.. وفي نهايته تمثال لينين.. وقد ثار حول هذا التمثال
نقاش بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. حول الابقاء عليه أو رفعه من مكانه.
وانتصر الرأي القائل بالإبقاء عليه. لأنه يمثل فترة تاريخية في حياة
كرايميا.. ولكن هناك من يتندر الآن علي وجود التمثال المواجه لسلسلة مطاعم
أمريكية دخلت البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. قائلين انه هو الذي
وقع عقد هذه السلسلة.

* نعود إلي اجتماع "يالتا".. وقد حاولت أن أجد شيئاً مكتوبا عنه في
المكتبات السياحية ولكن لم أجد إلا مجرد تواريخ الاجتماع.. وهكذا كان
عليَّ أن أعتمد علي المعلومات التي نقلها إلينا زميلنا سكرتير عام الكتاب
السياحيين في كرايميا ألكسي سولوفيف " Alexey Soloviev " الذي تولي
مرافقتنا طوال الرحلة وتولي أيضاً الشرح لنا.. إلي جانب ما لدي من
معلومات.. وما جمعته بعد ذلك من معلومات..

* وقد كان اجتماع يالتا اجتماعاً غير مكتوب. ولم تعرف معظم قراراته
في حينها ولم ينشر النص الكامل لما تم الاتفاق عليه في يالتاإلا في عام
1947. وكان من أهم بنوده بالنسبة لألمانيا تحديد سياسة تسليمها بعد
هزيمتها. بدون قيد ولا شرط وتحديد الاحتلال الرباعي لألمانيا بإضافة فرنسا
إلي دول المؤتمر الثلاث. ثم تقسيم برلين بينها.. بالاضافة إلي عقد المؤتمر
التأسيسي للأمم المتحدة والاتفاق علي حق الفيتو في مجلس الأمن.. وموافقة
روسيا علي دخول الحرب ضد اليابان خلال 3 شهور من استسلام ألمانيا..

* وقد زرنا قصر "ليفاديا" في "يالتا" الذي جرت فيه أحداث هذا المؤتمر
في عام ..1945 وقد بني القصر في أوائل القرن العشرين "في عام 1911" علي
طراز عصر النهضة الإيطالي وصممت بعض أنحائه من الداخل علي الطراز العربي..
وكان مقراً لأسرة الرومانوف وهي العائلة المالكة الحاكمة في روسيا والتي
استمر حكمها من عام 1613 حتي عام 1917 ميلادية حين قامت الثورة البلشفية
التي أعدمت العائلة المالكة الروسية.. وفي القصر الكثير من بقايا هذه
العائلة وأشهرها صورة أسرة آخر أباطرة الرومانوف نيكولاي الثاني وزوجته
وبناته الثلاث وابنه.. وقد أخذت الصورة في مناسبة الاحتفال بمرور 300 سنة
علي حكم الأسرة الذي انتهي بعد ذلك بأربع سنوات.

* غير أن ما يلفت النظر في القصر هو الاحتفاظ بكل المواقع التي جرت
فيها المباحثات بداية من المائدة المستديرة التي وضعت في مدخل القصر.. وهي
نسخة من المائدة الأصلية التي جلس عليها القادة الثلاثة والتي نقلت إلي
موسكو.. ثم قاعة الاجتماعات الرئيسية التي أضيفت إليها الآن مائدة
اجتماعات طويلة تستغل في الاجتماعات الكبري التي تجري في هذا القصر.. كما
يضم القصر صورا لكل أحداث ولقاءات المباحثات بين القادة الثلاث روزفلت
وستالين وتشرشل.. وصورا للصفحات الأولي من "البرافدا" التي سجلت وقائع
الاجتماعات.. وصورا للرؤساء في القصر وخاصة روزفلت الذي جلب له سرير نوم
خاص جمع من قصور روسيا.. وكان روزفلت بدون زوجته حيث لم تحضر الزوجات هذا
المؤتمر لأن ستالين كان بلا زوجته.. التي قيل انها ماتت اما منتحرة واما
مقتولة بأمر ستالين..

* والقصر مر بمراحل عديدة بعد الثورة البلشفية وأخذت كثير من
محتوياته إلي موسكو ثم أعيد بعضها بعد أن أصبح متحفاً.. ثم تحول إلي مصح
علاجي.. ثم حوله جورباتشوف إلي متحف لعائلة الرومانوف.

* وخلال المباحثات في عام 1945 خصص قصر لكل زعيم من الزعماء
الثلاثة.. وقد أتيحت لنا فرصة أخري لزيارة القصر الذي أقام فيه تشرشل ولم
يسمح ضيق الوقت بزيارة القصر الثالث الذي أقام فيه ستالين.

* والقصر الثاني الذي أقام فيه تشرشل يقع في مدينة ألوبكا Alupka وهي
المدينة الثانية في يالتا الكبري.. ويعود تاريخه إلي عام ..1828 وقد صمهه
مهندس انجليزي..ولذلك جاء في جزء منه علي الطراز الأنجليزي..وفي جزء آخر
منه علي الطراز العربي الأندلسي.. ونقشت علي بعض واجهاته العبارة الشهيرة
في العمارة الأندلسية "لا غالب إلا الله".. ولم يزر المهندس الذي صممه
موقع القصر وإنما أرسل مساعده ليعطيه تفاصيل المكان ثم أرسله مرة أخري
بالتصميم ليشرف علي تنفيذه.. وقد استخدم في بنائه حجر الديوريت وهو حجر
أشد صلابة من الجرانيت.

* وقد زار ستالين تشرشل في هذا القصر. واحتفظوا بالقاعة التي جاء
ستالين إليها ليجلس مع تشرشل مرحباً به.. حيث لم يذهب تشرشل لاستقباله في
المطار وكذلك فعل مع روزفلت.. وقد صمم القصر بأحسن ما في أوروبا من أخشاب
الباركيه.. واختلفت نقشات الباركيه في كل حجرة عن أخري.. ونقشت جدران احدي
قاعاته بالزهور وضمت 750 زهرة ليس فيها زهرة مثل الأخري..وضمت الحديقة
المغلقة للقصر مجموعة من أندر التماثيل الرخامية لأشهر النحاتين
الإيطاليين بالإضافة إلي ما تضمه حجرات القصر من تماثيل نحاسية لمثالين
عالميين.

* ولابد وأنا أختتم هذه الكلمات السريعة عن زيارتي لكريميا.. وبالأخص
مدينة يالتا.. أن أذكر صعوبات الطيران.. بسبب ساعات الانتظار في المطار
لتغيير الطائرات بين القاهرة واسطنبول ثم سيبمفروبل " siamferobol " عاصمة
كرايميا.. والتي استغرقت جميعها أكثر من 15 ساعة في الذهاب ومثلها في
الإياب.. وكلها بسبب عدم وجود خطوط طيران مباشرة.. ولكن طوال هذه الرحلة
يهون عندما أتذكر المشاهد الجميلة التي شهدتها في كريميا.. ويالتا علي وجه
الخصوص.. والطبيعة الجميلة للجبال المطلة علي البحر الأسود.. والخضرة
والأشجار.. والمنتجعات المنتشرة في أجمل أماكن العالم.. وهي التي سحرت
القادة السوفيت.. فكانت يالتا مصيفاً يلجأون إليه.. وهي أيضا مصحاً
علاجياً.. واستشفائياً.. يقصده الملايين كل عام.. وربما نعود مرة أخري إلي
حديث آخر عن كرايميا.. لأنها تستحق أكثرمن زياردة.. ولو علي الورق..