تكريم الله ـ تعالي ـ لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏(1)‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي

من طرف **محمد** الإثنين مارس 09, 2009 12:09 pm

هذا هو الإسلام
تكريم الله ـ تعالي ـ لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏(1)‏
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

تكريم الله ـ تعالي ـ لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏(1)‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي 44653_4m

تكريم الله ـ تعالي ـ لنبيه محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد تكرر في القرآن الكريم في كثير من آياته‏.‏

والقرآن
الكريم هو خير مصدر لمعرفة شخصية سيدنا وشفيعنا رسول الله ـ صلي الله عليه
وسلم‏,‏ ولإدراك ما منحه الخالق ـ عز وجل ـ لخاتم رسله ـ صلي الله عليه
وسلم ـ من نعم وآلاء وهذا التكريم من الله ـ تعالي ـ لنبيه ـ صلي الله
عليه وسلم ـ له مظاهر متعددة‏,‏ وله شواهد متنوعة‏,‏ وله براهين ساطعة‏,‏
منها‏:‏

تفضيله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي غيره‏,‏ وقد جاء ذلك
واضحا في قوله ـ سبحانه ـ تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله
ورفع بعضهم درجات وءاتينا عيسي ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو
شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا
فمنهم من آمن ومنهم من كفر‏.‏ ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما
يريد‏(‏ البقرة‏253)‏

والإشارة بتلك في قوله‏‏ تلك الرسل‏)‏ الي
جماعة الرسل الذين تقدم ذكرهم في السورة والذين أرسلهم الله ـ تعالي ـ
لهداية البشر‏,‏ وأمرنا ـ سبحانه ـ بالإيمان بهم‏.‏

أي أولئك الرسل
الذين أرسلناهم لهداية الناس‏(‏ فضلنا بعضهم علي بعض‏)‏ أي جعلنا لبعضهم
مناقب وخصائص ومزايا لم تتوافر للبعض الآخر‏.‏

ثم بين ـ سبحانه ـ
بعض مظاهر التفضيل فقال‏‏ منهم من كلم الله‏)‏ أي منهم من كلمه كموسي ـ
عليه السلام ـ فقد وردت آيات صريحة في ذلك‏,‏ منها قوله ـ تعالي‏(‏ وكلم
الله موسي تكليما‏)‏ وقوله ـ تعالي ـ‏‏ قال يا موسي إني اصطفيتك علي
الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين‏)(‏ الأعراف‏:‏
الآية‏144)‏

ثم قال ـ سبحانه‏(‏ ورفع بعضهم درجات‏)‏ أي‏:‏ ومنهم من رفعه الله علي غيره من الرسل مراتب سامية ومنازل عالية‏.‏

قيل كإبراهيم الذي اتخذه الله خليلا‏,‏ وإدريس الذي رفعه الله مكانا عليا‏,‏ وداود الذي آتاه الله النبوة والملك‏.‏

والذي
عليه المحققون من العلماء والمفسرين أن المقصود بقوله ـ تعالي‏(‏ ورفع
بعضهم درجات‏)‏ هو سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ لأنه هو صاحب
الدرجات الرفيعة والمعجزة الخالدة الباقية إلي يوم القيامة‏,‏ والرسالة
العامة الناسخة لكل الرسالات قبلها‏.‏

وقد صرح صاحب الكشاف بذلك
فقال‏:‏ قوله‏(‏ ورفع بعضهم درجات‏)‏ أي ومنهم من رفعه الله علي سائر
الأنبياء‏,‏ فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة والظاهر أنه
ـ سبحانه ـ أراد محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ لأنه هو المفضل عليهم‏,‏
حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقبة إلي ألف آية أو
أكثر‏,‏ ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفي به فضلا منيفا علي سائر ما أوتي
الأنبياء‏,‏ لأنه المعجزة الباقية علي وجه الدهر دون سائر المعجزات‏.‏ وفي
هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره مالا يخفي‏,‏ لما فيه من الشهادة
علي أنه العلم الذي لا يشتبه‏,‏ والمتميز الذي لا يلتبس‏.‏ ويقال للرجل‏:‏
من فعل هذا؟ فيقول‏:‏ أحدكم أو بعضكم‏,‏ يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه
من الأفعال‏,‏ فيكون أفخم من التصريح‏,‏ وسئل الحطيئة عن أشعر الناس‏,‏
فذكر زهيرا والنابغة ثم قال‏:‏ ولو شئت لذكرت الثالث‏,‏ وأراد نفسه‏,‏ ولو
قال‏:‏ لو شئت لذكرت نفسي لم يفخم أمره‏.‏

ثم قال ـ تعالي‏:‏ـ‏(‏ وآتينا عيسي ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس‏)‏
والمعني‏:‏ وأعطينا عيسي بن مريم الآيات الباهرات‏,‏ والمعجزات‏.‏

ثم قال ـ تعالي‏:‏ـ‏(‏ ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر‏)‏

أي‏:‏
ولو شاء الله ـ تعالي ـ ألا يقتتل الذين جاءوا بعد كل رسول من الرسل وبعد
أن جاءهم رسل بالبينات الدالة علي الحق‏,‏ لو شاء الله ذلك لفعل‏,‏ ولكن
الله ـ تعالي ـ لم يشأ ذلك‏,‏ لأنه خلق الناس مختلفين في تقبلهم للحق‏,‏
فترتب علي هذا الاختلاف أن آمن بالحق الذي جاءت به الرسل من فتح له
قلبه‏,‏ واتجه إليه اختياره‏,‏ وأن كفر به من آثر الضلالة علي الهداية
واستحب العمي علي الهدي‏,‏ وترتب عليه ـ أيضا أن تقاتل الناس وتحاربوا‏.‏

ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله‏‏ ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد‏)‏
أي‏:‏
ولو شاء الله عدم اقتتالهم لأي سبب من الأسباب لما اقتتلوا‏,‏ ولكنه ـ
سبحانه ـ يفعل ما يريد حسب ما تقتضيه حكمته‏,‏ وترتضيه مشيئته‏,‏ فهو
الكبير المتعال الذي كل شيء عنده بمقدار‏.‏ فالآية الكريمة تبين أن الرسل
ـ عليهم السلام ـ يتفاضلون فيما بينهم‏,‏ وتنهي الناس في كل زمان ومكان عن
الاختلاف والتنازع لأنهما يؤديان إلي أوخم العواقب‏,‏ وأسوأ النتائج‏.‏

هذا
ومن الأحاديث الشريفة التي وردت في فضله ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ ما جاء
في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلي الله عليه
وسلم ـ قال‏:‏ إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي‏,‏ كمثل رجل بني بيتا فأحسنه
وأجمله‏,‏ إلا موضع لبنة من زاوية‏,‏ فجعل الناس يطوفون به‏,‏ ويعجبون له
ويقولون‏:‏ هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأنا هذه
اللبنة وأنا خاتم النبيين‏.‏

وروي الإمام مسلم في صحيحه أن رسول
الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‏.‏ وأنا
أول من ينشق عنه القبر‏,‏ وأنا أول شافع وأول مشفع أي‏:‏ إنه ـ صلي الله
عليه وسلم ـ أول من يطلب الشفاعة لأتباعه وأول من يجاب طلبه ـ وفي رواية
للإمام الترمذي‏:‏ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‏,‏ وبيدي لواء الحمد ولا
فخر‏,‏ وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا وهو تحت لوائي‏.‏ وإذا كان يوم
القيامة كنت إمام النبيين‏.‏

وعن أنس ـ رضي الله عنه أن النبي صلي
الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ أنا أكرم ولد آدم علي ربي ولا فخر وفي رواية أنه
ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ أنا أكرم الأولين والأخرين ولا فخر‏.‏

هذه بعض الآيات القرآنية‏,‏ والأحاديث النبوية التي وردت في تكريم النبي ـ صلي الله عليه وسلم عن طريق تفضيله علي غيره‏.‏