ترويع الآمنين والإفساد في الأرض بقلم‏:‏د‏.‏ محمد داود

من طرف **محمد** الإثنين مارس 09, 2009 12:15 pm

حوارات معاصرة
ترويع الآمنين والإفساد في الأرض
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد داود
أستاذ بجامعة قناة السويس

ترويع الآمنين والإفساد في الأرض بقلم‏:‏د‏.‏ محمد داود 44653_3m

الإسلام
دعوة إلي الإيمان والأمن والسلام والتعايش بين الناس علي اختلاف ألوانهم
وأعراقهم وأديانهم وثقافاتهم‏,‏ والتاريخ خير شاهد علي هذا‏,‏ فلقد دخلت
أمم شتي في دين الله عن اقتناع ورضا‏,‏ لما رأوه من تسامح الإسلام
والمسلمين‏,‏ وكان من بين صحابة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ وهم أعمدة
هذا الدين ـ الفارسي والرومي والحبشي‏.‏

وقد ضمت حضارة الإسلام بين
أعطافها جميع ثقافات العالم وشعوبه‏,‏ وعاش الناس في ظل دولة الإسلام
آمنين من البطش والعنف والترويع والتفرقة العنصرية‏.‏

وما يحدث في
واقعنا المعاصر من أحداث العنف والإرهاب‏,‏ إنما هو نتاج عقول منحرفة عن
منهج الله‏,‏ وأيد خفية تريد أن تلصق بإسلامنا تهما هو منها براء‏,‏ فلقد
جاء دين الإسلام إنقاذا للإنسان من كل ألوان الظلم والإفساد‏,‏ وجاءت
هداياته تحقق الأمن للفرد والمجتمع‏,‏ فالإسلام يأمر أتباعه ألا يتعرضوا
بسوء لأموال الناس وأعراضهم ودمائهم‏,‏ وأن يحافظوا عليها‏,‏ أخرج الترمذي
أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ إن المؤمن من أمنه الناس علي
دمائهم وأموالهم‏.‏

وجعل الإسلام مقياس الخيرية للإنسان عند الله
بقدر عطائه من الخير لمجتمعه وأمان الناس من شره‏,‏ أخرج الترمذي أيضا أن
النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ خيركم من يرجي خيره ويؤمن شره‏.‏ بل
إن الأمن في الإسلام يمتد ليشمل جوانب الأخلاق والمعاملات‏,‏ فقد جاءت
آيات القرآن الكريم صريحة في النهي عن الغيبة والنميمة وسوء الظن والكبر
والتعالي والغش‏..‏ إلي آخر الأخلاق السيئة‏,‏ وكل هذا لتحقيق الأمن
الأخلاقي في مجتمع المسلمين‏.‏

ودعا الإسلام إلي تأمين الناس في
طرقاتهم ومساجدهم وأسواقهم‏,‏ حتي لا يتعرضوا لأذي‏,‏ بل وأوجب حقوقا
للمجالس بالطرقات‏,‏ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلي
الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا‏:‏ يا رسول
الله‏,‏ ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها‏,‏ فقال رسول الله ـ صلي الله
عليه وسلم ـ‏:‏ فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه‏.‏ قالوا‏:‏ وما
حق الطريق يا رسول الله؟ قال‏:‏ غض البصر‏,‏ وكف الأذي‏,‏ ورد السلام‏,‏
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسلم‏.‏

فدل هذا الحديث علي منع الجلوس في الطريق إلا لمن قام بحقه من هذه الأمور‏.‏
وعن
أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ الإيمان بضع
وستون ـ أو سبعون ـ شعبة‏,‏ أعلاها لا إله إلا الله‏,‏ وأدناها إماطة
الأذي عن الطريق‏,‏ والحياء شعبة من الإيمان رواه مسلم والبخاري وغيرهما‏.‏

وكذلك
حث النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي تنحية الأذي ودفع الضرر عن طريق
الناس‏,‏ فقال‏:‏ إماطة الأذي عن الطريق صدقة أخرجه مسلم‏.‏

وقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه‏,‏ فشكر الله له فغفر الله له رواه البخاري‏.‏

بل
إن من وجد من نفسه رائحة كريهة فينبغي أن يعتزل جماعات الناس واجتماعاتهم
حتي يعالج هذه الرائحة التي تؤذي جاره في المجلس‏,‏ قال ـ صلي الله عليه
وسلم ـ‏:‏ من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا أخرجه
البخاري‏.‏
‏
*‏ والأمن الذي يدعو إليه الإسلام ليس للمسلمين وحدهم‏,‏ بل لهم ولغيرهم‏.‏
أخرج
البخاري أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ من قتل معاهدا لم يرح
رائحة الجنة‏,‏ وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما رواه البخاري‏.‏

وأخرج
أبو داود قول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ ألا من ظلم معاهدا أو
انتقصه أو كلفه فوق طاقته‏,‏ أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس‏,‏ فأنا حجيجه
يوم القيامة رواه أبو داود‏.‏
‏
*‏ ولقد وضح القرآن أنه ينبغي‏:‏
العدل مع غير المسلمين وعدم التعدي عليهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم‏,‏
بل ولا يجوز ترويعهم وإخافتهم‏,‏ ويعاملون بالعدل والقسط‏.‏

قال
تعالي‏‏ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم
شنئان قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير
بما تعملون‏)‏ المائدة‏/8.‏

والمعني كما قال البيضاوي‏:‏ لا
يحملنكم شدة بغضكم للمشركين علي ترك العدل فيهم‏,‏ فتعتدوا عليهم بارتكاب
ما لا يحل‏,‏ كقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا مما في قلوبكم‏‏
اعدلوا هو أقرب للتقوي‏)‏ أي‏:‏ العدل أقرب للتقوي‏,‏ صرح لهم بالأمر
بالعدل‏,‏ وبين أنه بمكان من التقوي بعدما نهاهم عن الجور‏,‏ وبين أنه
مقتضي الهوي‏,‏ وإذا كان هذا العدل مع غير المسلمين فما ظنك بالعدل مع
المؤمنين‏.‏

وقال ابن كثير‏:‏ ومن هذا قول عبدالله بن رواحة ـ رضي
الله عنه ـ لما بعثه النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ يخرص علي أهل خيبر
ثمارهم وزرعهم‏,‏ فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم‏,‏ فقال‏:‏ والله لقد جئتكم
من عند أحب الخلق إلي‏,‏ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة
والخنازير‏,‏ وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم علي ألا أعدل فيكم‏,‏
فقالوا‏:‏ بهذا قامت السموات والأرض‏.‏

وقد أجمل العلماء مقاصد
الشريعة السمحة‏,‏ شريعة الإسلام في خمسة محاور رئيسية‏,‏ أطلق عليها
الضرورات الخمس‏,‏ وهي‏‏ حفظ الدين‏,‏ وحفظ النفس‏,‏ وحفظ العقل‏,‏ وحفظ
العرض‏,‏ وحفظ المال‏).‏

هذا ما يغرسه الإسلام من فكر يقوم علي العدالة والرحمة‏,‏ ومن سلوكيات حميدة تقوم علي الخلق العظيم‏.‏

لكن
لا يسلم المجتمع من أشقياء ينحرفون عن صراط الله المستقيم‏,‏ ومثل هؤلاء
يحدثون اضطرابات وأذي وإفسادا في الأرض‏,‏ وهم أحد شخصين‏:‏
‏
*‏
إما شخص أصابه خلل في فكره من خلال بعض التيارات المتشددة التي تري في
التشدد والتزمت بطولة وقربة إلي الله تعالي‏,‏ وهؤلاء واجههم رسول الله ـ
صلي الله عليه وسلم ـ حين بلغه أن شبابا تذاكروا عبادتهم‏,‏ عن أنس بن
مالك ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ جاء ثلاثة رهط إلي بيوت أزواج النبي ـ صلي
الله عليه وسلم ـ يسألون عن عبادة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فلما
أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا‏:‏ وأين نحن من النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ
قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم‏:‏ أما أنا فإني أصلي
الليل أبدا‏,‏ وقال آخر‏:‏ أنا أصوم الدهر ولا أفطر‏,‏ وقال آخر‏:‏ أنا
أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا‏,‏ فجاء رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ
إليهم فقال‏:‏ أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟‏!‏ أما والله إني لأخشاكم لله
وأتقاكم له‏,‏ لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء‏,‏ فمن رغب عن
سنتي فليس مني أخرجه البخاري كتاب النكاح‏/467.‏
‏
**‏ وإما شخص باع
نفسه لأعداء الوطن والدين ووافق أن يستخدموه في هذه الأعمال الإجرامية‏,‏
وهؤلاء واجههم الإسلام ووضع لهم الحدود الرادعة من خلال حد الحرابة‏,‏ قال
تعالي‏‏ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك
لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏)‏ المائدة‏/33.‏

إن
ترويع الآمنين لا يمكن أن يكون دينا ولا خلقا‏..‏ وقد عده الإسلام جريمة
شنعاء وإفسادا في الأرض‏,‏ وأوجب علي ولي الأمر أن يأخذ بقوة علي يد
فاعليه‏.‏

ففي موت شقي واحد حياة وأمن لمجتمع المسلمين ومن يعيشون
معهم‏,‏ وقد وجهت السنة النبوية المطهرة جمهور المسلمين إلي أن يكون لهم
موقف إيجابي تجاه الفكر المغالي المتشدد‏,‏ وألا يكتفوا بالسلبية‏,‏ لأن
في ترك الفكر المتشدد دون مواجهة خطورة علي المجتمع وعلي تماسكه وأمنه‏,‏
وفي الحديث النبوي‏,‏ قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ مثل القائم علي حدود
الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم
أسفلها‏.‏ فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم‏,‏
فقالوا‏:‏ لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا‏.‏ فإن تركوهم
وما أرادوا هلكوا جميعا‏,‏ وإن أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعا أخرجه
البخاري‏,‏ كتاب الشركة‏/3213.‏