أملي للســـلام بقلم : مرسي سعد الدين

من طرف tooooot الثلاثاء مارس 10, 2009 12:17 pm

أملي للســـلام
بقلم : مرسي سعد الدين

هذا
هو عنوان الكتاب الذي صدر الأسبوع الماضي عن دار الجامعة الأمريكية
للنشر‏.‏ مؤلفة الكتاب هي السيدة الفاضلة جيهان السادات‏,‏ وهذا كتابها
الثاني بعد امرأة من مصر‏.‏ وقد أقامت دار النشر حفلا للتوقيع في قصر
المانسترلي كان لي حظ حضوره مع مئات من المصريين والأجانب الذين التفوا
حول المؤلفة لتوقع لهم علي نسخهم‏.‏

وعدت بنسختي الموقعة إلي بيتي
وبدأت قراءة الكتاب ولم أشعر إلا وقد انتهيت من قراءته في جلسة واحدة‏,‏
ليس فقط بسبب سهولة الأسلوب ولكن لما جاء فيه من معلومات مهمة عرضتها
المؤلفة في سرد يكاد يكون روائيا أو شاعريا‏.‏

الكتاب هو مزيج من
السيرة الذاتية‏Autobiography‏ والتحليل التاريخي والسياسي لأهم الأحداث
التي مرت بها منطقتنا‏,‏ بل والعالم وهي القضية الفلسطينية‏,‏ والإرهاب
وربطه الخاطئ بالإسلام‏,‏ والمرأة ومشكلاتها‏.‏ وحين تعرض الدكتورة جيهان
السادات هذه المشكلات فهي تعرضها من موقف من شاركت فيها أو كانت قريبة
منها‏.‏

لا أعرف من أين أبدأ‏,‏ ولكن لعل من الأوفق أن أبدأ
بالسيرة الذاتية التي تخبرنا كيف استطاعت سيدة مصر الأولي حين كانت تأمر
فتطاع إلي مواطنة مصرية مغتربة في بلد يبعد آلاف الأميال من مصر‏,‏ وأقصد
الولايات المتحدة التي أصبحت الوطن الثاني للمؤلفة‏,‏ وليسمح لي القارئ أن
أقدم فقرة لتعبر فيها المؤلفة عن التغير الثوري في حياتها لم يكن من السهل
أن أعتمد علي نفسي وكان جزء مني يكره أن أخلع عباءة السادات‏.‏ وبرغم شعور
الراحة وأنا أجد ملاذا في ذكريات حياتنا معا وشراكتنا في خدمة بلدنا‏,‏
إلا أن أنور قد رحل‏.‏ ولا أستطيع أن أعتمد عليه لمساعدتي في إعداد
محاضراتي وتدريس فصولي أو دفع فواتيري‏.‏ وفي تلك الأعوام الأولي في
أمريكا كنت أبحث عن معلومات في كيف أكون أرملة‏.‏

وتستمر المؤلفة
لتستشهد بالكاتبة الإنجليزية المشهورة فرجينا وولف في مقالها المشهور حجرة
ملكك التي تقول فيه إنه لكي تستطيع المرأة أن تخلق يجب أن يكون هناك سقف
فوقها ومكان تعتبرة ملكها‏,‏ وتضيف بعد ذلك إن كلمات فرجينا وولف لا تزال
حقيقة الآن وأنا أعتبر دليلا حيا لكلماتها‏,‏ لأول مرة في حياتي أملك
منزلا اشتريته من مالي الذي كسبته‏.‏ إن منزلي في الجيزة ليس ملكي بل ملك
الحكومة التي أعطته لي في حياتي فقط‏,‏ ولكن منزلي في فرجينا ملكي أنا‏.‏
إنه ليس فخما ولكنه واسع ومريح‏..‏ في مصر سأكون دائما زوجة رئيس
الجمهورية يحترمني ويحيط بي من يريدون فعل كل شيء إلي أما في أمريكا ولأول
مرة في حياتي أستطيع أن أخرج بمفردي وأشعر بسعادة كبيرة في رحلاتي إلي
محلات البقالة‏,‏ حيث أتجول في أنحائها‏,‏ حرة في أن أحقق كشف البقالة
الذي أعددته‏.‏

وكان بدؤها حسابا لها في البنك من الأمور التي لا
تنساها‏,‏ وتضيف‏:‏ كيف ذهبت إلي البنك ومعها تحقيق الشخصية والائتمان
الاجتماعي وبدأت الحساب‏.‏ وتقول‏:‏ إن هذا شيء طبيعي لأي أمريكي ولكن
بالنسبة لي كان نقطة تحول في حياتي‏.‏ كان يرمز لبدء جديد في حياتي‏.‏ لم
أعد مجرد جيهان السادات‏,‏ أرملة رئيس مصر المغتال‏,‏ لقد تحولت إلي امرأة
مستقلة حديثة تعمل وتعيش بمفردها‏,‏ وكنت ممزقة بين أحاسيس بالسعادة
والأسي‏,‏ حنين للماضي وتوقع للمستقبل‏.‏

وبعد ذلك تصف لنا د‏.‏
جيهان السادات الخطوات التي أدت إلي إنشاء كرسي أنور السادات للنمو
والسلام وكيف استطاعت عن طريق المحاضرات التي كانت تلقيها عن السلام أن
تجمع ميزانية له‏.‏ لقد سافرت من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب‏,‏ إلي
كندا وروسيا وتايوان وانجلترا وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية والبرازيل
وغيرها‏,‏ لقد كانت بحق بشير السلام في العالم‏.‏

والآن أصل إلي
موضوع مهم عالجته الدكتورة جيهان السادات‏,‏ وهو الإسلام ومعناه
الحقيقي‏.‏ لقد أعطت تحليلا مهما لديننا وما يعنيه‏,‏ ولكني أود هنا أن
أقدم ماقالته صديقة أمريكية محببة لها حين اعتنقت الإسلام وهي من أسرة
مسيحية محافظة‏,‏ وكانت تخاف د‏.‏ جيهان السادات أن تكون علاقتها بصديقتها
هي التي أدت إلي اعتناقها الإسلام‏,‏ ولذلك فقد حاورتها أكثر من مرة‏.‏
وأخيرا قالت لها صديقتها جيهان‏..‏ إن الإسلام بالنسبة لي يمثل كل ما هو
جميل في الأديان السماوية الثلاثة‏.‏ وحين كنت أقرأ وجدت إشارات عديدة
إيجابية في القرآن إلي من هم أصحاب العقيدة من مسيحيين ويهود وكذلك
مسلمين‏.‏ بالنسبة لي فإن الإسلام‏,‏ بطريقة متعمقة‏,‏ هو أحسن هذه
الأديان‏.‏

ونجد في الكتاب نماذج أخري من رأي الآخرين في
الإسلام‏,‏ وهذا هو ما يعطي لهذا الكتاب أهمية خاصة‏,‏ فهو ليس كتابا
دعائيا‏,‏ بل يعتمد علي آراء الآخرين وليس فقط علي آراء الدكتورة جيهان
السادات‏.‏

والآن نصل إلي القضايا السياسية المهمة التي يعالجها
هذا الكتاب وعلي رأسها القضية الفلسطينية‏.‏ إن ما كتبته مؤلفة الكتاب هو
تاريخ حقيقي وعلمي للخطوات التي مرت بها القضية ودور مصر فيها وضغط مصر
علي العرب للاعتراف بمنظمة التحرير‏,‏ ثم حروب مصر وحدها من أجل القضية
الفلسطينية‏.‏ ونعرف أن ما حدث في الأردن فيما يسمي سبتمبر الأسود وما
فعلته المنظمة في لبنان‏.‏ وهناك شرح واف لاتفاقية كامب دافيد وما قدمته
للفلسطينيين‏.‏ وتذكر الكاتبة ما حدث حين أقام المستشار الإعلامي في
ألمانيا السفير حمدي عزام حفلا لاستقبال أحد الدبلوماسيين العائدين من
كامب دافيد وكان ضمن الحاضرين ممثل منظمة التحرير الفلسطينية‏.‏ وحين بدأ
الدبلوماسي المصري شرح الاتفاقية‏,‏ التي لم يكن مندوب المنظمة قد
قرأها‏,‏ انسحب المندوب وقال‏:‏ إني أوشك أن أقتنع بما تقوله‏.‏ والدكتورة
جيهان السادات توقفت عن ذلك ولكن ما حدث هو أن ذلك المندوب حين عبر عند
رأيه قام الفلسطينيون باغتياله‏.‏

وحين قرأت الكتاب شدني جزء
مهم‏,‏ حين قالت المؤلفة إن العالم يهتم بمصر القديمة وتاريخها المجيد‏,‏
وملكاتها حتشبسوت وترمزي ونفرتاري ولكنها كما قالت كيف يستطيع الأمريكان
أن يفهموا المرأة المصرية الحديثة وحين لم تصل معلوماتهم عن أكثر من تلك
الملكات‏,‏ ولذلك قدمت المؤلفة عددا من المصريات اللاتي كان لهن دور كبير
في حصول المرأة المصرية علي حقوقها وأولهن هدي شعراوي‏,‏ رائدة الحركة
النسائية في مصر التي نادت وحققت خروج المرأة المصرية من خلف الخمار
ودورها في عام‏1923‏ حين شاركت في مؤتمر عالمي وعادت وأزالت الخمار حين
وصولها‏,‏ وهناك سيزا نبراوي التي تحدت بدورها الحجاب‏,‏ ثم في العصر
الحالي أمينة السعيد وسهير القلماوي ونبوية موسي وغيرهن‏.‏

وتعطي
د‏.‏ جيهان بعض الإحصاءات الخاصة بالمرأة منفردة مثلا أنه كما جاء في
تقرير الأمم المتحدة أن نسبة الأمية بين النساء نزلت من‏84%‏ في عام‏1960‏
إلي‏41%‏ في عام‏2005.‏

كتاب عظيم حقا يشرح حقائق مهمة‏,‏ خاصة دور
مصر في أهم القضايا العربية والدولية التي‏,‏ مع الأسف‏,‏ لا يريد الأخوة
العرب أن يعترفوا بها‏,‏ ولكن كما قال الرئيس السادات هذا هو قدر مصر‏.‏