كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف ابو منصور الأربعاء مارس 11, 2009 10:51 am

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

( 1) ‏

‏بودي
أن أهدي هذه السطور إلي كل الذين مازال يحدوهم الأمل في إمكان الحفاظ علي
الهوية العربية واستمرار التحصن بالدرع القومية الواقية لكل أفكارنا
العربية من أخطار التفكيك والتقسيم والتجزئة والتفتيت‏!‏

بودي أن
يتعمق إدراك أننا لم نعد نواجه خطرا سياسيا واقتصاديا فقط‏,‏ إنما نحن
نواجه خطرا أفظع وهو خطر القضاء علي هويتنا الثقافية من خلال ضرب أحد أهم
ركائز هذه الهوية وأعني به اللغة العربية التي يراد تهميشها وتقليل
الاهتمام بها‏.‏

بودي أن يعرف الغائبون عن الوعي أن التحدي الأكبر
أمام الحركة الصهيونية من أجل تسريع خطوات إنشاء دولة إسرائيل كان في
المقام الأول متعلقا بإعادة إحياء اللغة العبرية لأنه لا قيمة لكل مايمكن
حشده من أموال ومايمكن شراؤه من مواقف سياسية بغير وجود قاعدة أساسية تقوم
عليها الدولة اليهودية‏.‏

وأي متابع مدقق لمراحل إنشاء إسرائيل
ومسيرة مايزيد علي نصف قرن من وجودها سوف يلحظ دون أي عناء أن اللغة
العبرية تعتبر من أهم الأسس التي تقوم عليها فلسفة التربية والتعليم لدي
اليهود‏,‏ وذلك لارتباط هذه اللغة كمبدأ من مبادئ القومية ولارتباطها
بالدين حيث إنها لغة التوراة والأدب العبري والتراث العبري القديم‏,‏ وقد
بقيت اللغة العبرية حبيسة الجيتو مئات السنين ولم تستعمل إلا كلغة دين
وشعائر فقط‏,‏ وقد اعترف قادة اليهود أنفسهم بذلك حيث يقول بن جوريون‏,‏
أول رئيس وزراء إسرائيلي‏,‏ إن اللغة العبرية لغة فقدت حياتها إذ لم يتحدث
بها أحد طوال ألفي سنة‏.‏

وبعد قيام الدولة اليهودية عام‏1948‏
تجاوزت اللغة العبرية النطاق الذي عاشت فيه قرونا كلغة تقليدية لتلعب دور
اللغة القومية‏,‏ فلم تعد لغة دين وشعائر وطقوس فحسب بل أصبحت أداة لخلق
الوحدة داخل المجتمع الإسرائيلي وأداة لتعميق الانتماء والولاء للأرض‏.‏

ومن
هنا تبدو أهمية اللغة العبرية في المجتمع الإسرائيلي نظرا لأن كثيرين من
اليهود الذين جاءوا إلي فلسطين لم يكونوا يتكلمون العبرية بل مشتقات
عنها‏,‏ مثل اليديش لا يقرأونها ولا يكتبونها‏,‏ وبهذا تحتل اللغة العبرية
مكانا بارزا في مناهج المدارس الإسرائيلية وهي لغة التدريس في جميع
الموضوعات‏.‏

لقد تم إدخال اللغة العبرية كلغة للتدريس تدريجيا‏,‏
حيث كان هناك صراع بين أنصار العبرية وأنصار التدريس باللغات الأجنبية‏,‏
وحجة هؤلاء عدم توافر الكتب والمؤلفات باللغة العبرية‏,‏ لكن مؤتمر
المعلمين اليهود قرر استعمال اللغة العبرية في كل الموضوعات علي أساس أن
الحاجة هي التي تخلق الكتب والكلمات المطلوبة‏,‏ وبدأ التدريس باللغة
العبرية للصفوف الابتدائية الأربعة الأولي‏,‏ وسمح بتدريس بعض الموضوعات
باللغات الأوروبية إلي أن أصبح هناك جيل من المعلمين قادر علي تدريس جميع
المواد باللغة العبرية ثم جاء عدد من الأساتذة اليهود الذين يدرسون في
الجامعات‏,‏ من أوروبا وأمريكا وقاموا بترجمة الكتب الأجنبية إلي
العبرية‏..‏ وهكذا بعد قيام دولة إسرائيل أصبحت اللغة العبرية‏,‏ هي اللغة
الرسمية‏,‏ حتي إن الآباء الذين هاجروا إلي فلسطين تعلموا اللغة العبرية
عن طريق أبنائهم‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

attalla@ahram.org.eg