سؤال ينتظر الإجابة‏!‏ بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

من طرف وفاء الأربعاء مارس 11, 2009 11:45 am

سؤال ينتظر الإجابة‏!‏
بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

أنا
الآن في الطائرة أقطع الطريق بين مدينة الرياض ومدينة دبي‏,‏ وأنتهز فرصة
هذه الساعة التي انفردت فيها بنفسي لأكتب لكم هذه السطور عن رحلتي
الأخيرة‏,‏ أو عن مرحلة من مراحلها لم تكن الأولي‏,‏ ولن تكون الأخيرة‏.‏

قبل
أسبوعين من اليوم كنت في تونس أشارك في الاحتفال بالذكري المئوية الأولي
لميلاد أبي القاسم الشابي‏,‏ وقد حدثتكم عن هذا الاحتفال في الأسبوع
الماضي حين عدت الي القاهرة لأحمل حقيبتي من جديد‏,‏ وأتجه أنا والشاعر
سيد حجاب الي دبي لنشارك معا في المهرجان الدولي للشعر الذي تقيمه هناك
مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم تحت هذا الشعار المثير ألف شاعر‏..‏ لغة
واحدة‏.‏

هذا الشعار يحتاج الي تفسير‏,‏ فالشعراء الألف تعبير عن
تعدد ثقافات العالم وغناها‏,‏ واللغة الواحدة تعبير عن وحدة الحضارة
البشرية‏,‏ وبإمكاننا أن نقول أيضا إن اللغة الواحدة هي الشعر الذي يتميز
في كل اللغات بميزات مشتركة تجعله لغة واحدة‏,‏ أي طريقة واحدة في النظر
للوجود‏,‏ وتعبير واحد عن هذا النظر‏,‏ ولهذا تترجم القصيدة من أي لغة
أجنبية الي لغتنا‏,‏ وتترجم القصيدة من لغتنا الي أي لغة أخري فتظل شعرا
برغم ما قد تفقده بسبب الترجمة‏.‏

الشعر تعبير بالصورة‏,‏ فالشاعر
يقول عمن يرثيه إنه يدخل في عتمة ظله ولا يقول انه مات‏,‏ ذلك لأننا
نستعيد في الشعر تجربة انفعالنا بالعالم‏,‏ هذه التجربة التي نعيشها بكل
جوارحنا وطاقاتنا الفكرية والوجدانية‏,‏ ولهذا نلم أشتاتها‏,‏ ونتذكرها
بكل تفاصيلها‏,‏ ونتخيلها‏,‏ ونتمثلها‏.‏

والشعر أيضا تعبير
بالموسيقي‏,‏ لأن الموسيقي في الشعر تساعد الشاعر علي أن يبدع لغة أخري
تختلف عن اللغة العادية التي نستخدمها جميعا في حياتنا اليومية‏,‏ الشاعر
يكتب قصيدته بمادة مستعملة هي اللغة التي يتفاهم بها الجميع في جدهم
وهزلهم‏,‏ فكيف يستخرج من هذه المادة المستعملة المبتذلة مادة جديدة لا
قصد لها إلا وجه الجمال؟ إنه يحقق ما يسعي إليه عن طريق تزويد هذه المادة
بأدوات تبعدها عن وظيفتها الاجتماعية بعض الشيء‏,‏ وتحولها الي فن باق‏,‏
وكما يكون الشعر في لغتنا يكون في كل اللغات‏,‏ فبوسعنا أن نعتبره لغة
واحدة ينطق بها كل شعراء العالم وتفهمها عنهم كل الأمم‏.‏

يستطيع
الشعر إذن أن يكون لغة للحوار ووسيلة للتفاهم والعمل المشترك‏,‏ وهذا ما
أراد القائمون علي مهرجان دبي أن يقدموه في مهرجانهم‏,‏ أرادوا أن يقولوا
للعالم إن العرب لا يكتفون بأن يرحبوا بحوار الثقافات‏,‏ بل هم يفتحون
صدورهم له ويدعون العالم للدخول فيه‏.‏

ومن المفهوم أن تبادر دبي
لاحتضان هذا الحوار الذي حققته عمليا حين استضافت كل هذه الجنسيات التي
قدمت إليها من أركان المعمورة‏,‏ واجتمعت فيها‏,‏ لكل جماعة لغتها
وثقافتها‏,‏ وهي مع ذلك تعيش معا‏,‏ وتعمل معا‏,‏ وتحقق هذه الانجازات
التي تنتسب للجميع‏.‏

ومن المقرر أن ينعقد المهرجان في خمس دورات
وخمس سنوات‏,‏ كل سنة دورة يشارك فيها نحو مائتي شاعر يكتمل عددهم مع آخر
دورة ويصبحون ألف شاعر‏.‏

وقد دعتني اللجنة المنظمة للمهرجان
لأشارك في اجتماع عقدته قبل افتتاحه بأسبوعين‏,‏ ثم دعتني لأشارك فيه
كشاعر‏,‏ وهكذا سافرت من القاهرة الي دبي فحضرت الافتتاح‏,‏ وشاركت في
الأمسية الشعرية الأولي التي أقيمت في اليوم ذاته‏,‏ ثم حملت حقيبتي مرة
أخري الي الرياض لأتحدث في معرضها الدولي للكتاب عن تجربتي الشعرية بدعوة
من وزارة الثقافة والإعلام في البلد الشقيق‏.‏

وقد التقيت في
الرياض بعدد لم أكن أتوقعه من الأدباء السعوديين كتابا وشعراء‏,‏ ورجالا
ونساء‏,‏ وتحدثت الي جمهور حافل فاجأني بإقباله وسعة اطلاعه وغمرني
بعواطفه‏,‏ وقد أثار هذا اللقاء في نفسي خواطر أرجو أن أشرحها في حديث
قادم‏,‏ لأنها تتصل من قريب أو من بعيد بأسئلة تشغل الجميع‏.‏

أما
الآن‏,‏ فالطائرة تستعد للهبوط بنا في مطار دبي التي عدت إليها مرة أخري
لأشارك في أمسية أخري تعقد اليوم ـ الأحد ـ ثم أحضر حفل الختام يوم
الثلاثاء المقبل مع بقية الشعراء المدعوين وفي مقدمتهم سونيكا النيجيري‏,‏
وبرايتنباخ الجنوب إفريقي‏,‏ وسارتوريوس الألماني‏,‏ وامتياز ذاركر
الهندية‏,‏ وتوماز سالمون السلوفيني‏,‏ فضلا عن العرب الذين يعدون
بالعشرات‏,‏ وأعود في اليوم التالي ـ اليوم ـ الي القاهرة لأستعد مع غيري
من الشعراء والنقاد المصريين لافتتاح ملتقي القاهرة الدولي للشعر العربي
الذي نعد له في المجلس الأعلي للثقافة منذ عدة شهور‏.‏
‏
}}}‏

هذا
التقرير لا أقدمه عن نفسي‏,‏ وانما أقدمه في المقام الأول عن الشعر‏,‏
لأنتقل منه الي السؤال الذي يلح علينا جميعا عن حال الشعر الآن في اللغة
العربية‏,‏ وعن مكانه في حياتنا‏,‏ علام تدل هذه الاحتفالات التي تقام
للشعر في تونس‏,‏ ودبي‏,‏ والرياض‏,‏ والقاهرة‏,‏ وفي وقت واحد؟

لا
ريب أنها دليل علي أن الشعر موجود‏,‏ وأن الحاجة إليه عميقة ملحة‏,‏ غير
أن هذه الاحتفالات من ناحية أخري ليست دليلا علي أن الشعر مزدهر في هذه
الأيام‏,‏ أو أن انتاجنا منه يلبي حاجتنا إليه‏.‏

الشعر موجود‏,‏
فالذين ينتسبون للشعر حقا وصدقا‏,‏ أو زورا وبهتانا يعدون بالعشرات
والمئات‏,‏ والصحف والمجلات ودور النشر تصدر الدواوين وتنشر القصائد
وتتحدث عنها‏.‏

والأمسيات‏,‏ والمهرجانات‏,‏ والملتقيات تعقد‏,‏ والجوائز ترصد‏,‏ لكن الحصيلة لسبب أو لآخر ليست كما نريد ونرجو‏,‏ لماذا؟

تلك هي حال الشعر‏,‏ وهذا هو السؤال الذي ندعو الجميع للمشاركة في الإجابة عليه‏.‏