تغليظ الأحكام بقلم‏:‏ شريف الشوباشي

من طرف حلفاوى الأربعاء مارس 11, 2009 11:51 am

تغليظ الأحكام
بقلم‏:‏ شريف الشوباشي
‏‏

لا
شك عندي في أن الحكم بإعدام عشرة من الذئاب البشرية الذين قاموا باغتصاب
سيدة شابة أثلج صدر الكثيرين وشفي غليل كل من راعته تلك الجريمة
النكراء‏!‏ ومنهم كاتب هذا المقال‏.‏ ولا شك عندي أيضا في أنه لو قمنا
باستفتاء حول الحكم لأيدته الغالبية الساحقة من الشعب المصري‏.‏ فجريمة
الاغتصاب من أبشع الجرائم وأكثرها إثارة للغضب والاشمئزاز والغثيان‏.‏

لكنه
بعد أن هدأت مشاعري بدأت أفكر بشيء من التجرد في قضية عامة وهي الاتجاه
الذي أستشعره بتغليظ الأحكام في كل الجرائم المهيجة للرأي العام والتي
تفجر قضايا مجتمعية في غاية الحساسية‏.‏

ومنذ بضعة شهور قرأنا عن
حكم صدر ضد شاب تحرش جنسيا بإحدي السيدات وأمسك بجزء حساس من جسدها‏,‏
فكان جزاؤه السجن ثلاثة أعوام‏.‏ كما أن تحرير شيك بدون رصيد يعرض مرتكب
تلك المخالفة للسجن‏.‏ بل وصل الأمر إلي أن بعض المخالفات المرورية مثل
السير في الاتجاه المعاكس قد تودي بمرتكبها أيضا إلي الحبس‏.‏

وليسمح
لي القاريء الكريم بمناقشة هذا الاتجاه لتغليظ العقوبات بهدوء‏,‏ حيث إنه
لا يمكن بناء صرح القانون علي المشاعر والانفعالات ولا علي الغضب
الجماهيري والهياج الجماعي‏.‏ وأعلم أن من أهم مباديء القانون أنه لا
عقوبة بغير نص‏,‏ لذلك فلا أناقش أحكام القاضي الملتزم بالقانون وإنما
المشرع الذي يجنح إلي التشديد‏.‏ فمن حقي كمواطن طرح رأيي أمام واضعي
القوانين‏,‏ وهو رأي مبني علي معرفتي بالقوانين في الكثير من بلاد العالم
من خلال إقامتي الطويلة بالخارج وزيارتي لأكثر من ستين دولة أجنبية‏.‏

وإذا
بدأنا بموضوع الشيكات فإن غالبية دول العالم تستبعد تماما السجن فيها‏.‏
وفي فرنسا علي سبيل المثال يكتفي بحرمان الشخص من تحرير أية شيكات أو
استخدام الفيزا كارد لفترة قد تطول إلي أكثر من عام‏.‏ وقد نتصور بناء علي
ذلك أن جرائم تحرير شيكات بدون رصيد أكبر كثيرا في فرنسا منه في مصر‏,‏
خاصة في الفترة التي كان فيه السجن موجبا عندنا حتي عام‏2005.‏ لكن الواقع
هو عكس ذلك تماما‏.‏ فالشيكات بدون رصيد في بلادنا تفوق عشرات الأضعاف
مثيلاتها في فرنسا‏.‏ إذا فتغليظ العقوبة لم يكن له الأثر الرادع الذي
تخيلناه والذي أدي علي العكس إلي مشكلات لا حصر لها ووقف حال التعاملات
المالية والتجارية لمدة سنين‏.‏

نفس الشيء بالنسبة للتحرش
الجنسي‏.‏ ولو قمنا بسجن كل من أقدم علي هذه الجريمة فإننا سنحتاج إلي
ملايين الزنازين‏,‏ وربما لن نجد شبابا يدرسون بالمدارس والجامعات وقد
تخلو دواوين العمل من الموظفين والعاملين‏.‏

ولو اكتفينا بعقوبة
منطقية مثل التحقيق والبيات في القسم وغرامة مالية فورية فإن الرجال
سيفكرون ألف مرة قبل التحرش بالنساء في الطريق العام‏.‏ أما أن نترك
الملايين يتحرشون يوميا ثم نحكم فجأة علي شخص واحد بالسجن لعدة سنوات فهذا
تهدئة لمشاعر الرأي العام أكثر منه حل للمشكلة‏.‏

وفيما يخص جرائم
الاغتصاب فلا يختلف أحد في أنها جرائم غاية في البشاعة‏.‏ وأدرك أن تلك
الجريمة المروعة تترك آثارا نفسية مدمرة علي الضحية‏.‏ ولو استسلمنا
لمشاعر الغضب لقلنا إن مرتكب هذه الجريمة يستحق التعذيب البدني والحرق
والشنق في ميدان عام‏.‏ لكن الشعوب المتخلفة وحدها هي التي تستسلم
لمشاعرها في إصدار القوانين والأحكام‏.‏ فالقوانين لا بد أن تعكس الصالح
العام وهي ليست وسيلة انتقام شخصية أو جماعية من مرتكبي الجرائم‏.‏

وكلما
تقدم المجتمع وارتقي أصبحت العقوبة متوافقة مع طبيعة الجريمة‏.‏ ففي
العصور الماضية كان السارق يتعرض للإعدام‏..‏ وفي بداية القرن التاسع عشر
تم شنق طفلة انجليزية بأحد سجون لندن وهي في الحادية عشرة من عمرها بتهمة
سرقة قطعة من الخبز‏.‏

أما اليوم فإن غالبية دول العالم قامت بإلغاء عقوبة الإعدام ولم تعد سوي‏58‏ دولة في العالم تطبق عقوبة الحرمان من الحياة‏.‏

وأعلم
أن البعض سيتهمني بالتقاعس والتخاذل أمام جرائم بشعة مثل هتك العرض
والاغتصاب ويتصايحون بوحشية هذه الجرائم وكأنني أطالب بمنح المغتصبين
جائزة علي جريمتهم‏.‏ لكن الواقع أنني أدرك بشاعة هذه الجرائم مثلي مثل
غيري‏.‏ لكني أري أن عقوبة السجن المؤبد قد تكون أشد وطأة وأكثر عذابا علي
نفس مرتكبيها من الإعدام‏.‏ والأفضل عندي أن يسجن نصف أو حتي ربع مرتكبي
تلك الجرائم بدلا من إعدام أقل من واحد في المائة منهم‏.‏

وأذكر في
السبعينيات أنه حكم بالإعدام علي نحو خمسة قاموا باغتصاب فتاة كانت مع
خطيبها‏.‏ فهل منع ذلك الاغتصاب في مصر‏,‏ الأرقام تشير إلي أن هناك حالة
اغتصاب كل نصف ساعة في بلادنا‏.‏ وإعدام هؤلاء الأشرار لن يؤدي للأسف إلي
التقليل من نسبة هذه الجريمة في بلادنا‏.‏

والسؤال الحقيقي هو‏:‏
هل تغليظ الأحكام هو الحل؟ وهل سنشهد انخفاضا في نسبة الجرائم بفعل تشديد
العقوبات؟ لقد جربت مجتمعات أخري هذا الحل واكتشفت مع الوقت أن مضاره أكبر
كثيرا من منافعه‏.‏

e.mail:cherifchoubachy@yahoo.com