مصالحة تحت الاختبار ماذا نتوقع من قمة الدوحة؟ اتركوا أسلوب عفا الله عما سلف!بقلم: محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم: محمد علي إبراهيم
مصالحة تحت الاختبار
ماذا نتوقع من قمة الدوحة؟
اتركوا أسلوب عفا الله عما سلف!

لا أحد يعلم علي وجه الدقة الكلام الذي
يدور في جلسة المحادثات الثلاثية بين الزعماء الثلاثة حسني مبارك والملك
عبدالله بن عبدالعزيز وبشار الأسد في الرياض اليوم.. لا يمكن أن نرجم
بالغيب في أمور السياسة. لكن استقراء الأحداث والوقائع التي سبقت القمة
الثلاثية المنعقدة اليوم في السعودية ربما يعني الكثير..

الملاحظات التي استوقفتني وغيري أمام هذه المصالحة انها لم تتم علي
طريقة عفا الله عما سلف.. فقد أثبتت الأحداث السابقة أن المصالحة لا يمكن
أن تتحقق بدون "مشرط جراح" يفتح الدمامل ويزيل الصديد وذلك حتي تشفي
الجروح نهائياً و"لا تقفل" علي أشياء يكون فيها دمار الجسد العربي..

الملاحظات التي سأسوقها في هذا الاجتهاد هي محض توقع شخصي. ومن ثم
فلو كان هناك خطأ ما في النتيجة أو الاستدلال فهذا مبعثه قصور في
المعلومات.. لذا فإن هذا التحليل مبني علي اجتهاد لأن المسئولين لا
يتكلمون في تفاصيل أبداً. وحتي إذا تكلموا فإنهم يفضلون الحديث إلي الصحف
العربية أو إلي أصدقائهم "المفضلين".

أولاً: لاحظنا أن المصالحة سبقها هذه المرة اشتراك رئيس المخابرات
المصرية الوزير عمر سليمان والأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات
السعودية في الزيارات والمشاورات التي تمت بين الجانبين السعودي والسوري
من ناحية والمصري والسعودي من ناحية أخري.. وليس خافياً علي أحد أن هذا
الاشتراك "المخابراتي" المصري السعودي في جهود المصالحة معناه أن كل شيء
انكشف.. وأن الشفافية أصبحت عنواناً للمشاورات.. لم يعد هناك ما يستحق
المداراة.. المكاشفة مطلوبة.. المواجهة بالأخطاء سواء ما تم في حق مصر أو
في حق السعودية.. وأتحدث عن مصر والسعودية تحديداً لأن دمشق سبق وأبدت
اعتراضها علي الكثير مما ينشر ضدها في وسائل الإعلام المصرية والسعودية.

ثانياً: وجود رئيسي المخابرات المصرية والسعودية في جهود ما قبل
المصالحة يعني أن المعلومات التي تم الكشف عنها لا تصلح للنشر ولا لوسائل
الإعلام.. هي معلومات موثقة عن أن هناك شيئاً ما كان يدبر أو مازال يدبر
لإفساد أو تعطيل أو عرقلة المصالحة الفلسطينية.. من ثم فإن هذا التدخل في
مسار الوفاق الفلسطيني وتشكيل الحكومة والتهدئة أو إفساد عمل اللجان الخمس
المنوط بها الوصول إلي توافق نهائي يجب أن يتوقف وفوراً.. المصالحة التي
نقبل عليها قبل القمة العربية بقطر لن تصمد والبعض ينفي ويكابر ويزعم أنه
لم يفعل كذا أو كذا وأن ما يثار حول هذه النقطة هو مجرد أكاذيب أو دعاية
إعلامية أو أنباء تروجها إسرائيل أو أمريكا أو غير هذا من الحجج
والذرائع.. من ثم فإن وجود رئيسي جهازي المخابرات المصري والسعودي في جولة
التمهيد للمصالحة يعني أن المكاشفة تحققت. ومايحاك في الخفاء أصبح
معروفاً. لكن ليس كل ما يعرف يقال.

ثالثاً: المصالحة تجيء في وقت يبدأ فيه حوار المصالحة الفلسطيني
بالقاهرة.. واعتقادي أن مصر من طول ماجربت وحاولت ونصحت واستمعت وصبرت
صارت متأكدة أن هذا الحوار هو المحاولة الأخيرة أو لنقل المصالحة
الأخيرة.. انها الفرصة التي لا أعتقد أن مصر تقبل بضياعها.. من ثم فإن من
يدخل علي الخط باجتهادات أو إرغام فصائل المقاومة علي ترك مائدة الحوار
لاختلاف وجهات النظر. فإنه يعمل علي إفشال المصالحة وهدم السلام وذبح
استقرار المنطقة بالكامل.

رابعاً: ان مصر وهي تدخل المصالحة العربية لا تنسي ما أعلنه الرئيس
مبارك يوم 17 يناير الماضي عندما أكد أن الوضع الراهن في غزة رغم خطورته
لا ينبغي أن يصرف انتباهنا عن جوهر القضية الفلسطينية وهو إنهاء الاحتلال.
وإقامة الدولة المستقلة ولا ينبغي أن يصرف أنظارنا عن خطورة تكريس
الانقسام الحادث بين الأراضي المحتلة بين الضفة والقطاع.

وأكد الرئيس في خطابه يومها أن مصر ستبقي راعية لقضايا أمتها مدافعة
عن مصالحها. تحفظ الهوية العربية والشأن العربي من محاولات الاختراق وتسعي
- كعهدها - لما يجمع العرب ولا يفرقهم.

إذن الرئيس كما نعلم جميعا له منهاج معين في التعامل مع قضية فلسطين
والصراع العربي الإسرائيلي وهو أن هذه القضية عربية أولاً وأخيراً..
هويتها عربية.. ومن ثم فإن دخول قوي إقليمية تحت غطاء عربي لخطف القضية
لصالح اجندتها الخاصة أمرآ مرفوض.

خامساً : أهم ما تحرص عليه مصر في المرحلة القادمة هو الحفاظ علي
الهوية العربية.. هذه الهوية تم السطو عليها بفعل عوامل خارجية تحالفت مع
أنظمة عربية الأمر الذي زاد عوامل الفرقة والانقسام. وليس من المعقول أن
نترك قضايانا تدار من الخارج ويرهنها البعض إلي أن يتم الانتهاء من
ملفاته.

سادساً : ليس من المعقول أن تعمل مصر من أجل السلام ويجيء آخرون
ليرفضوه.. نسعي لتوحيد الفلسطينيين ويشجعهم آخرون علي الانقسام.. نسعي لحل
الدولتين فنفاجأ بحل الثلاث دول الذي لايوافق أحدا سوي إسرائيل.

سابعاً : مرة أخري أشدد علي أن شروط مصر للمصالحة جوهرية لأنها تقوم
علي مبدأ واحد هو أن القضايا العربية لامحل فيها لاجتهاد قوي إقليمية..

من ثم فان الانتخابات اللبنانية القادمة في يونيو ينبغي ألا تكون
ساحة لتصفية الحسابات أو مدعاة لدخول دول عربية إلي جانب ميلشيات لبنانية
تأتمر - كما يعلم الجميع - بأوامر إيران.

مصر ترفض اختطاف دولة عربية هي لبنان أو تشجيع دولة أخري علي التنكر
لقرارات دولية بدلا من مساعدتها للخروج من المأزق.. مصر ياسادة تعرف أن
المرحلة القادمة من أصعب ما يكون لأنها مرحلة تزايدت فيها التحديات لدرجة
أصبح العالم العربي كله مهدداً بالانقسام أو التشيع أو الاقتتال الداخلي
أو الارتماء في أحضان الفرس أو الأمريكيين.

وفي النهاية نقول إن القمة العربية القادمة هي أخطر قمة للعرب منذ
سنوات وعليهم أن يواجهوا تحدياتهم بقلب رجل واحد وليس بقلب المصالح
والأهواء وحسابات الأرباح والخسائر الفردية.