هل تراجع الخرطوم موقفها؟بقلم : مكرم محمد أحمد

من طرف ادهم الخميس مارس 12, 2009 10:05 am

نقطة نور
بقلم : مكرم محمد أحمد

هل تراجع الخرطوم موقفها؟

لاجدال
أن قرار المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس البشير ينطوي علي نوع من
ازدواج المعايير‏,‏ كما أنه يتسم بعدم التوازن لأن المدعي العام للمحكمة
لم يصدر بعد لائحة الاتهام التي تخص بعض المتمردين‏,‏ الطرف الآخر في
المشكلة‏,‏ الذي ارتكب ايضا عددا من جرائم الحرب يعاقب عليها القانون
الدولي‏..‏ لكنني لا أعرف إن كانت ردود أفعال الرئيس البشير التي تتسم
بالغضب والانفعال والعصبية يمكن ان تكون الحل الأمثل لهذه الورطة الصعبة
التي وقع فيها السودان بعد أن صعد الرئيس البشير حملته علي المحكمة
وقضاتها‏,‏ معلنا أنهم جميعا تحت حذائه‏,‏ وطرد أكثر من‏15‏ منظمة إغاثة
دولية‏,‏ اتهمهما بأنهما مجرد لصوص يسرقون الجانب الأكبر من المعونات
الدولية‏,‏ وأصدر سلسلة من الإنذارات إلي الهيئات الدبلوماسية وباقي بعثات
الأمم المتحدة في السودان يهددها فيها بالطرد ان تجاوزوا حدود مهامها؟‏!‏

وقد
يكون من حق الرئيس البشير أن يطالب بوقف قرار المحكمة وليس مجرد تعليق
تنفيذه القرار لمدة عام‏,‏ كما يطلب العرب والأفارقة‏,‏ لكن الهدف من
المطالبة بتعليق تنفيذ القرار إعطاء الفرصة للسودان كي يؤكد التزامه
بالعدالة الدولية واستعداده لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب أمام
محكمة سودانية دولية‏..‏ وقد يكون من حق الرئيس السوداني أن يعترض علي عقد
مؤتمر دولي لبحث مشكلة دارفور بدعوي ان المؤتمر الدولي يمكن أن يؤدي إلي
تدويل القضية‏,‏ لكن واقع الحال يؤكد أن القضية الدارفورية تم تدويلها منذ
زمن لأن الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والولايات المتحدة والأمم
المتحدة شركاء أصليون قبلهم السودان منذ زمن للمساهمة في إنجاز اتفاق
مصالحة بين الخرطوم وحركات التحرر وافقت عليه حكومة الخرطوم‏.‏

وقد
يكون من حق الرئيس البشير أن يطوف أرجاء السودان لإظهار حجم المساعدة
الشعبية التي يحظي بها داخل بلاده‏,‏ لكن علي الرئيس البشير ان يتذكر أن
شركاءه في حكومة جنوب السودان لا يوافقونه الرأي في موقفه من المحكمة‏,‏
وأن حليفة السابق الشيخ حسن الترابي وهو أحد الفاعلين الأساسيين في قضية
دارفور لم يتورع عن نصح البشير بأن يسلم نفسه للعدالة الدولية‏,‏ كما أن
غالبية حركات التمرد تود محاكمة الرئيس السوداني‏,‏ وإذا كان صحيحا ان
الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي تقف إلي جوار الرئيس
البشير باعتبارها‏,‏ مؤسسات إقليمية حكومية‏,‏ فإن الرأي العام في كل هذه
البلاد منقسم علي نفسه‏,‏ تقف نسبة غير قليلة منه إلي جوار قرار
المحكمة‏,‏ وتري فيه سبيلا إلي إصلاح نظم الحكم في العالم الثالث‏!‏

وربما
يكون المطلوب من السودان الآن اكثر من ردود الفعل العصبية والغاضبة العمل
مع اشقائه العرب والأفارقة بحكمة وهدوء دون توسيع المجابهة مع المجتمع
والعدالة الدولية‏,‏ وبحث كل الامكانات القانونية والسياسية التي تؤدي إلي
تعليق قرار المحكمة أو وقفه‏,‏ والعمل علي تغيير الواقع الدارفوري علي
الأرض‏,‏ من خلال إجراءات تغري غالبية القوي المعتدلة علي قبول المصالحة
الوطنية‏,‏ لأن الخطر الذي يحدق بمصير السودان أكبر كثيرا من الخطر الذي
يتعلق بشخص الرئيس البشير‏.‏

mmahasabo@yahoo.com