العروبة في عصر العولمة بقلم : السيد يسين

من طرف سمير الخميس مارس 12, 2009 11:27 am

العروبة في عصر العولمة
بقلم : السيد يسين

مازال
الحديث موصولا عن العروبة بين المراجعة النقدية وآفاق المستقبل‏.‏ وإذا
أنطلقنا من اللحظة التاريخية التي نعيشها فسرعان ما نكتشف أن العولمة هي
الظاهرة الأساسية التي تهيمن علي مناخ القرن الواحد والعشرين‏.‏ ومن هنا
حين الحديث عن آفاق العروبة في عصر العولمة‏,‏ فلابد أن نضع في أعتبارنا
التغييرات الجوهرية التي أحدثتها العولمة في بنية النظام العالمي‏.‏

ولعل
أهم هذه التغييرات قاطبة أن العالم أصبح ـ بفضل ثورة الاتصالات الكبري وفي
قلبها شبكة الإنترنت ـ متصلا بمعني أن البشر أصبحوا يتلاقون بصور شتي في
الفضاء المعلوماتي‏,‏ بالاضافة إلي أن معدلات التفاعل بين الثقافات قد
أرتفعت إلي درجة غير مسبوقة‏.‏

ومن ناحية أخري فان ظاهرة الاعتماد
المتبادل وخصوصا في المجال الاقتصادي قد أصبحت أحد حقائق العصر‏,‏ ومن ثم
حين الحديث عن آفاق العروبة في المستقبل‏,‏ وخصوصا ما يتعلق بموضوع الوحدة
العربية أيا كان شكلها‏,‏ فلابد أن نضع ضرورة الاعتماد المتبادل في
الاعتبار‏,‏ بالاضافة إلي ظاهرة بروز تكتلات اقتصادية اقليمية كالاتحاد
الأوروبي والآسيان والنافتا‏.‏

والسؤال هنا هل يمكن أن يتغير
الخطاب القومي العربي التقليدي الذي يركز علي المدخل السياسي‏,‏ ويتحول
إلي خطاب قومي وظيفي مدخله اقتصادي‏,‏ ويركز علي التكامل الاقتصادي؟

لو
أردت أن أجمل الفكرة الأساسية التي تقوم عليها مناقشتنا للعروبة في عصر
العولمة‏,‏ لقلنا أننا نمر بلحظة تاريخية فارقة نشهد فيها نهاية الخطاب
القومي التقليدي وبداية صعود الخطاب القومي الوظيفي‏,‏ وأنا حين أتحدث عن
الخطاب فأنا أعني في الواقع نسقا مترابطا من المقولات‏,‏ ونوعية محددة من
الممارسات في نفس الوقت‏.‏

تأتي نهاية الخطاب القومي التقليدي بعد
مرحلة مر فيها هذا الخطاب بأزمة خانقة علي صعيد النظر والممارسة معا‏,‏
وقد عبر عن هذه الأزمة ـ وخصوصا في سنوات التردي والانهيار التي أعقبت
هزيمة يونيه عام‏1967‏ ـ عديد من المثقفين العرب‏.‏

ولعل من أبلغ
التعبيرات عن قلق المثقف القومي العربي الملتزم في الثمانينات بالنسبة
للنظام العربي ما ذكره المؤرخ والمفكر القومي الكبير قسطنطين رزيق في احدي
الندوات العربية‏.‏

ان التحدي الاكبر الذي يجابه الامة العربية في
مطلع الثمانينات هو اتجاه أعضاء النظام العربي نحو تمكين القطرية
والتكتيكية‏..‏ وهو الاتجاه المعاكس لما يفرضه سير الامة نحو التماسك
والتكامل وتنمية قوتها الذاتية التي تكون مرتكزها الأساسي‏,‏ فمن هنا يجب
أن نبدأ‏:‏ كيف نقف في وجه هذا الانعكاس الذي أدي إلي التبعثر العربي؟

ويضيف‏:‏ ان صد التيار الحاضر ليس من مسئولية جامعة الدول العربية وحدها‏,‏ وإما هو أيضا في المقام الاول‏,‏ من مسئولية أعضائها‏.‏

إن هذه المسئولية يشارك فيها أيضا المواطنون العرب في ديارهم جميعا‏.‏

وهكذا
يضع قسطنطين رزيق يده بنفاذ عميق علي طرفي المعادلة العربية الدول القطرية
من ناحية والجماهير من ناحية أخري‏,‏ الدول القطرية التي تضخمت سلطاتها
وتوحشت في مواجهة المجتمع المدني‏,‏ هي نفسها التي ستقود عملية الانتقال
من الخطاب القومي التقليدي إلي الخطاب القومي الوظيفي‏,‏ حفاظا علي بنائها
من الانهيار‏,‏ تحت وطأة العوامل الداخلية والخارجية‏,‏ والجماهير التي
تضاءل دورها في المشاركة وفي صنع التاريخ‏.‏

ولابد لنا للإلمام
بتطور النظام العربي الذي ألمحنا إلي ملامحه البارزة من أن نطل اطلالة
سريعة علي ملامح الخطاب القومي التقليدي‏,‏ ونحدد موشرات الأزمة التي مر
بها قبل أن ننتقل للحديث عن ملامح الخطاب القومي الوظيفي البازغ‏.‏

وهناك
اجماع بين الباحثين علي أن العروبة تمثل المبدأ الذي يصدر عنه الغالبية
العظمي من المفكرين العرب‏,‏ بالرغم من اختلاف إيديولوجياتهم‏,‏ بمعني ان
الانتماء العربي لغة وتاريخا وحضارة هو الاساس الذين ينطلقون منه في
تحليلاتهم للواقع العربي‏,‏ وفي استشرافهم لمستقبله‏,‏ ومن ناحية أخري فان
الوحدة تعريفها وكيفية تحقيقها وسبل مواجهة خصومها هي العمود الأساسي
للخطاب القومي العربي‏.‏

وإذا أردنا ان نحدد العناصر الاساسية لهذا الخطاب يمكننا أن نحصرها في أربعة موضوعات‏.‏

ـ ضرورة الوحدة العربية‏,‏ وأنصار الوحدة وأعداؤها‏,‏ وطريق الوحدة العربية‏,‏ ونظرية الوحدة العربية‏.‏

فيما يتعلق بضرورة الوحدة العربية يعتبر بعض الباحثين أن أقوي تعبير سياسي عنها نجده لجمال عبدالناصر في الميثاق حيث يقول‏:‏

ان
الامة العربية لم تعد في حاجة إلي أن تثبت حقيقة الوحدة بين شعوبها‏,‏ لقد
جاوزت الوحدة هذه المرحلة وأصبحت حقيقة الوجود العربي ذاته‏,‏ يكفي أن
الامة العربية تملك وحدة اللغة التي تصنع وحدة الضمير والوجدان‏,‏ ويكفي
ان الامة العربية تملك وحدة الأمل التي تصنع وحدة المستقبل والمصير‏.‏

وترجع
أهمية هذا النص إلي أنه يجمع في فقرة واحدة بين الأسباب الثلاثة الكبري
التي يرجع إليها المثقفون القوميون العرب في كتاباتهم وهي اللغة والتاريخ
والمصير المشترك‏.‏

ولن نخوض كثيرا في موضوع أنصار الوحدة
وأعدائها‏,‏ يعنينا علي وجه الخصوص فيما يتعلق بطريق الوحدة العربية أن
الخطاب القومي التقليدي يأنف من القوي بتحقق الوحدة العربية عن طريق
التعاون والتكامل بين الدول العربية لانه يدين القطرية‏(‏ أي التجزئة‏)‏
في تلك الدول‏,‏ ولعل أبرز ما يعبر عن هذا الرفض الانتقادات التي يوجهها
المثقف العربي القومي للمبدأ الذي يقضي بجواز قيام الوحدة العربية علي
أساس المصالح المادية الاولي وهي المصالح الاقتصادية للبلاد العربية‏.‏

ووجهة
نظر هذا الاتجاه ان التكامل العربي والوحدة العربية أمر سياسي في المقام
الأول‏,‏ وهناك أولوية للاعتبارات والالتزام السياسي في تحقيقه نتيجة
للسمة القومية التي تتصف بها العلاقات العربية‏,‏ وأي طريق آخر ـ اقتصادي
أو اجتماعي ـ في غياب الالتزام السياسي قد يوجد بعض أشكال العمل
المشترك‏..‏ ولكنه يتم في اطار التجزئة القائمة دون أن يضع الاساس لخطوة
أكثر تقدما‏.‏

والقضية ليست المفاضلة بين الثورية والتدريجية‏,‏
ولكن هل يمكن تحقيق الأهداف القومية وحل التناقض بين القومية والقطرية
نتيجة عملية فنية يقودها المتخصصون والفنيون وحسب‏,‏ أم أنه بالضرورة وفي
المقام الاول ثمرة عمل سياسي والتزام قومي يضطلع به المثقفون والحكام‏.‏

وقد
انعكست أزمة الخطاب القومي العربي التقليدي علي النظام العربي ذاته‏,‏
بحكم وحدة الفكرة والممارسة وقد لخص بعض الباحثين العرب ببراعة المشكلات
المختلفة التي يواجهها النظام العربي في بروز عدد من المشكلات المحورية
التي صيغت في شكل تناقضات‏.‏

‏1‏ ـ المفهوم القومي في مواجهة المفهوم الديني‏.‏

ويقصد الاتجاه العربي في مواجهة الاتجاه الاسلامي

‏2 ‏ ـ المفهوم القومي في مواجهة المفهوم الاقليمي‏,‏ ويقصد التناقض بين النظام العربي والنظام الشرق أوسطي‏.‏

‏3‏ ـ المفهوم القومي في مواجهة المفهوم المحلي‏.‏

ويقصد بالمحلي هنا التجمعات العربية الوسيطة‏(‏ كمجلس التعاون الخليجي‏,‏ ومجلس التعاون العربي‏,‏ والاتحاد المغاربي‏).‏

‏4 ‏ ـ المفهوم القومي في مواجهة المفهوم السايسي‏,‏ ويقصد به سياسة المحاور السياسية العنيفة التي تنشأ داخل النظام‏.‏

من
كل هذه الجدليات الاربعة أثبتت الممارسة ان جدلية القومي في مواجهة
المحلي‏,‏ أصبحت هي الجدلية الاساسية التي تفعل فعلها في الوقت الراهن علي
حساب كل الجدليات السابقة‏,‏ ويكشف عن هذا انشاء مجلس التعاون الخليجي‏.‏

وقد يرد ذلك إلي نهاية الخطاب القومي العربي التقليدي وبزوغ الخطاب القومي العربي البراجماتي والوظيفي‏.‏

وقد
دار في السنوات الاخيرة صراع عنيف بين الخطاب القومي التقليدي والخطاب
الوظيفي البازغ‏,‏ وقد تمحور الصراع حول عدد من القضايا الجوهرية أهمها
علي الاطلاق الجدل حول‏:‏

ـ دور الدول القطرية وهل هو سلبي او ايجابي في نطاق النظام العربي‏,‏ وحول فشلها أو نجاحها في أداء الأدوار المنوطة بها‏.‏

ثم النقطة الجوهرية وهي كيفية تحقيق الوحدة العربية‏,‏ وخصوصا بين أنصار المدخل السياسي وخصومهم أنصار المدخل الوظيفي‏.‏

والسؤال المطروح الآن هو‏:‏ هل سيتاح للخطاب القومي العربي الوظيفي البازغ أن يكون هو الخطاب السائد في العقود القادمة؟

للاجابة
علي هذا السؤال لابد بالاضافة إلي ما رصدناه من فشل الخطاب القومي العربي
التقليدي في التصدي لمسألة الوحدة الاندماجية الشاملة‏,‏ والتمسك بصيغته
المبدئية ازاء الدولة الاسرائيلية‏,‏ أن نرصد اتجاهات الرأي العام‏,‏ الذي
كثيرا ما نعمله في تحليلاتنا مؤثرين عليه تحليل سلوك النخبة سياسية كانت
أو ثقافية‏.‏

ويمكن القوي بإيجاز ان اتجاهات الرأي العام العربي
أصبحت فيما يتعلق بالوحدة العربية أكثر واقعية‏,‏ ويقبل بالتالي المدخل
الوظيفي بدلا من الاصرار علي المدخل السياسي‏.‏

ولايخفي أن هذه
النتائج تتعارض مع مسلمات الخطاب القومي العربي التقليدي وتنحاز إلي
مقولات الخطاب العربي الوظيفي‏,‏ والتي وإن لم تتبلور بعد بشكل متكامل‏,‏
إلا أن أهميتها انها نفذت بالفعل إلي مجال التطبيق‏,‏ في شكل التكتلات
الاقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي‏.‏

والسؤال هنا هو لقد أقيمت
هذه التكتلات في غالبية الحالات من خلال قرارات علوية اتخذتها النخب
الحاكمة بتأثير دوافع مختلفة‏,‏ غير أنه من المؤكد أن الجماهير كانت غائبة
عن الصورة‏.‏

ومن هنا نعود مرة أخري إلي سؤال جرهري‏,‏ لم يتم طرحه
في الفكر القومي العربي بهذا الوضوح إلا في السنوات الاخيرة‏,‏ وهل هل
يمكن ان تتم الوحدة في اطار غير ديمقراطي تغيب فيه الجماهير‏,‏ ولايبقي في
الساحة سوي الممارسات السلطوية للنخب الحاكمة؟

لانعتقد ـ أيا كان
رأينا في سيادة الخطاب الوظيفي في العقود القادمة ـ أن الممارسة في غياب
الديمقراطية الحقيقية‏,‏ يمكن ان تحقق الأهداف المعقودة عليها‏.‏

وفي
تقديرنا أنه يسود الآن اجماع بين المثقفين العرب‏,‏ علي أن أي تجمع
عربي‏,‏ تكاملا أو تنسيقا أو اتحادا أو وحدة شاملة‏,‏ لايمكن له البقاء إن
لم يتم علي أساس متين من المشاركة الشعبية الفعالية‏,‏ في إطار من
الديمقراطية واحترام حقوق الانسان العربي‏.‏