أحفاد رفاعة‏..‏ وعالم جديد رائع بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

من طرف حلفاوى السبت مارس 14, 2009 10:52 am

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

أحفاد رفاعة‏..‏ وعالم جديد رائع

أم
باعت‏,‏ عن طيب خاطر‏,‏ كل حليها كي تنفق علي تعليم ابنها‏..‏ ولم يخذل
الفتي رفاعة أمه الست فاطمة‏..‏ وما أن أنهي دراسته في الأزهر الشريف‏,‏
حتي أصبح أستاذا مرموقا به‏..‏ ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره‏..‏
ورشحه استاذه الشيخ حسن العطار ليكون واعظا وإماما للبعثة التعليمية التي
ارسلها الوالي محمد علي إلي فرنسا عام‏1826..‏ وعندما أبلغ رفاعة أمه
باعتزامه السفر‏,‏ اضطربت وحزنت‏..‏ ولم تبرح منزلها طوال مدة البعثة‏.‏

ولم
تدرك الست فاطمة ان ابنها صار أنجب المبعوثين‏..‏ وانه تعلم الفرنسية‏,‏
وأصبح شغوفا بقراءة الصحف وترجمة الكتب الفرنسية‏..‏ وتأثر تأثرا عظيما
بالحياة السياسية واشراقات الديمقراطية والحرية والعدالة‏..‏ واحتفي
بثورة‏1830‏ المناهضة للاستبداد‏..‏ وهو ماسجله في كتابه تخليص الابريز في
تلخيص باريز الذي نشره عقب عودته إلي مصر عام‏1831.‏

ويمكن دون شطط
أو تجاوز‏,‏ اعتبار عام‏1831‏ بداية النهضة الثقافية الحديثة في مصر‏..‏
فلئن كان محمد علي قد أقام الأركان المادية للدولة فإن رفاعة رافع
الطهطاوي اشتبك في معارك أشد هولا للخروج بمصر من ظلمات خمسة قرون تضافر
خلالها تخلف زمن المماليك وخرافة عصر العثمانيين علي النيل من وهج الحياة
المصرية‏..‏ ولم ينبعث الوهج إلا إبان المقاومة الشعبية للحملة
الفرنسية‏..‏ ثم تولي محمد علي الحكم تحت العباءة العثمانية عام‏1805..‏
لكنه خرق ثقوبا فيها‏,‏ وتسلل منها إلي فضاءات طموح‏.‏

وفي الظلال
الوارفة لهذه الطموحات‏,‏ أرسي رفاعة ركائز مؤسسة التعليم والثقافة‏,‏
وتمكن من تشكيل جيل جديد من المتعلمين والمثقفين‏..‏ وأصبحوا نجوما زاهرة
تضيء الطريق نحو المعرفة والتنوير‏..‏ ورفع راية خفاقة شعارها الفهم
الصحيح للتراث الإسلامي والعربي واستشراف آفاق الثقافة الأوروبية‏..‏ فلا
صدام بين النهجين‏,‏ وانما عناق حميم وخلاق يرسخ الهوية ويثريها بابداعات
العصر‏.‏

وانخرط رفاعة في مهمة مقدسة‏..‏ واشتبك في تجربة أول
صحيفة مصرية عام‏1842..‏ وهو ماحدث عندما تولي الاشراف علي نشرة الوقائع
المصرية التي أطلقها محمد علي عام‏1828..‏ لكن الطهطاوي أنشأها نشأة
آخري‏,‏ متأثرا في ذلك بالصحف التي كان يقرؤها في فرنسا‏..‏ وعمل رفاعة
علي تطويرها‏,‏ ونشر فيها الأخبار المحلية والحوادث الخارجية‏..‏ وابتدع
فن المقال الصحفي‏..‏ وصار أول صحفي مصري في ديوان صاحبة الجلالة‏.‏

وهنا
يقول الراوي ان مايتعين الالتفات إليه ان الصحافة المصرية نشأت في أحضان
السلطة بكل ماينطوي عليه هذا من قيود‏,‏ وسدود تحد من انطلاقها‏,‏ إلي
فضاءات الحرية‏,‏ وصولا إلي أداء رسالتها‏..‏ ذلك أن جدل الحرية ان خفت
ترتد الصحافة إلي المربع رقم واحد‏..‏ نشرة الوقائع المصرية‏.‏

لكن
الارتداد إلي المربع رقم واحد صار متعذرا بل ومستحيلا منذ انطلاق ثورة
المعلومات والاتصالات‏..‏ فقد شب القراء علي الطوق في زمن قياسي‏..‏
وتحرروا من طوق الحصار‏..‏ وأصبح القارئ المواطن قادرا علي صنع صحافته
وعالمه الإعلامي‏..‏ ولم يعد في وسع أحد أن يفرض عليه مايقرأ أو يشاهد‏.‏

نعم‏..‏
هذا عالم جديد شجاع ورائع‏..‏ يتعين علي أحفاد رفاعة أن يدركوا أبعاده
وإشراقاته‏..‏ فهذا هو التحدي الحقيقي‏..‏ وماعدا ذلك مجرد هوامش علي دفتر
الأزمة‏.‏