إستنجاد هزيل بالرئيس أوباما بقلم‏:‏ السـيد يسين

من طرف جواهر الأحد مارس 15, 2009 2:38 pm

إستنجاد هزيل بالرئيس أوباما
بقلم‏:‏ السـيد يسين

لا
خلاف علي أن عملية الإصلاح السياسي التي تسير قدما في مصر وغيرها من
البلاد العربية تعد من أبرز الظواهر في العقود الأخيرة والإصلاح السياسي
معناه ببساطة الانتقال ـ في مجال نظم الحكم ـ من النظام السلطوي الذي يركز
السلطة في يد طبقة حاكمة محدودة العدد‏,‏ ويهيمن

إلي حد كبير علي
مقدرات المجتمع‏,‏ إلي نظام ليبرالي يقوم علي الفصل بين السلطات التنفيذية
والتشريعية والقضائية‏,‏ ويسمح بتداول السلطة في إطار ديمقراطي
متكامل‏.‏والإصلاح السياسي العربي يتم ـ وإن كان في حدود ليست واسعة ـ
نتيجة ضغوط الداخل‏,‏ ونعني بذلك الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني
والمثقفين‏.‏

ولكن برزت أيضا ـ نتيجة لتجليات العولمة السياسية
والتي تتمثل في الديمقراطية واحترام التعددية وحقوق الإنسان ـ ضغوط خارجية
تتمثل في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ التي أخذت علي عاتقها تطبيق
الديمقراطية في العالم العربي‏,‏ من خلال الضغوط السياسية والاقتصادية علي
الحكومات العربية

وقد اعتمد عدد من الناشطين السياسيين المصريين
علي هذا التوجه الأمريكي‏,‏ ونعني الضغط علي الحكومات العربية في مطالبة
الولايات المتحدة الأمريكية بممارسة الضغوط السياسية علي مصر بل ـ وأبعد
من ذلك ـ ممارسة الضغوط الاقتصادية بإنقاص المعونة الأمريكية أو
إلغائها‏!!‏

وهذه المطالبات الأخيرة قام بها بعض مزدوجي الجنسية
الذين لديهم جنسية أمريكية وجنسية مصرية‏,‏ ويقومون بتزعم تيار سياسي مصري
انتهازي يرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ سعيا وراء الحصول علي
المنح المالية الأمريكية والتمويل السخي لمراكز أبحاثهم وجمعياتهم الأهلية
ومؤسساتهم المشهرة باعتبارها شركات غير هادفة للربح‏,‏ مع أن الربح هو
هدفها الأساسي‏!‏

واتباع السياسة الأمريكية هؤلاء الذين يرفعون
أصواتهم للتنديد بخرق حقوق الإنسان في مصر وجمود التحول السياسي في
الأوساط الخارجية‏,‏ هم أجبن من مواجهة الحقيقة‏,‏ وهي أن الولايات
المتحدة الأمريكية لا شرعية لها في فرض الديمقراطية في العالم العربي لا
من وجهة نظر القانون الدولي‏,‏ ولا من وجهة النظر الأخلاقية‏.‏

من
وجهة نظر القانون الدولي يعد ذلك ولا شك نوعا من أنواع التدخل السياسي في
الشئون الداخلية للدول وهي مسألة إن كانت قد شاعت مؤخرا في مجال الممارسات
الدولية‏,‏ إلا أنها لا أصل لها ولا مشروعية في القانون الدولي العام‏.‏

أما
من الناحية الأخلاقية‏,‏ فالولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الدول التي
تخرق حقوق الإنسان بشكل منهجي‏,‏ وذلك في العراق وأفغانستان وباكستان‏.‏

ونعرف
جميعا جرائم الحرب التي ارتكبها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ونائبه
تشيني ووزير دفاعه رامز فيلد وزمرة المحافظين الجدد‏,‏ الذين اختطفوا
الإدارة الجمهورية للبيت الأبيض‏,‏ وورطوا المجتمع الأمريكي في حرب عبثية
في كل من أفغانستان والعراق‏.‏

وقد لقيت الولايات المتحدة
الأمريكية ـ نتيجة هذه السياسة الاستعمارية الخرقاء ـ هزيمة ساحقة في
العراق أجبرتها أخيرا في عهد الرئيس أوباما علي الانسحاب وفاء لعهوده
الانتخابية‏,‏ وهو يستعد أيضا للانسحاب من أفغانستان بعد الهزيمة العسكرية
الأمريكية الثانية‏.‏

ومع كل ذلك يتبجح هؤلاء الناشطون المصريون
المزعومون بمناشدة أمريكا ودعوة رئيسها السابق جورج بوش لكي ينقص المعونة
الأمريكية لمصر عقابا لها علي عدم الإسراع في برنامج الإصلاح السياسي‏!‏
وبعض هؤلاء الناشطين الأدعياء مقدمون الآن للمحاكمة بتهمة التخابر
والإضرار بالأمن القومي المصري‏.‏ ومع ذلك ـ واستمرارا لتلك الحملات ضد
مصر ـ قام مجموعة من الناشطين المصريين والعرب والأجانب بتوجيه خطاب
للرئيس أوباما لمساعدة الشعوب العربية في إرساء الديمقراطية وتعزيز حقوق
الإنسان‏,‏ وعقاب الحكومات العربية التي لا تستجيب إلي الضغوط الأمريكية
التي ألح من وقعوا الخطاب علي ممارستها‏.‏

وقد نشرت المصري اليوم
في عددها الصادر في‏11‏ مارس‏2009‏ الجاري نص الخطاب الذي يستحق التوقف
عنده طويلا‏,‏ وتفكيكه لكشف أهدافه الخفية‏.‏

بعد أن هنأ الموقعون
الرئيس أوباما علي انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية‏(‏ شكر الله
سعيهم‏!)‏ قرروا أن إغلاق سجون جوانتانامو وعدم السماح بالتعذيب يعد خطوة
مهمة لتحسين الثقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي‏.‏

ونريد
أن نقف بالتحليل قليلا أمام هذه العبارة المهمة وذلك لأن موقعي الخطاب من
الناشطين المصريين أتباع أمريكا خصوصا‏,‏ يعترفون بأن معتقل جوانتانامو
كان يمثل خرقا لحقوق الإنسان‏,‏ لأنه تم اعتقال المئات من العرب للاشتباه
بدون أي دليل علي أنهم مشاركون في جرائم الإرهاب وبعد اعتقالهم تعرضوا
لتعذيب منهجي‏,‏ وصودرت حقوقهم الأساسية كسجناء‏.‏ ومعني ذلك كله أن
الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس بوش مارست جرائم خرقت بها مواثيق حقوق
الإنسان جهارا نهارا ضد العرب من جنسيات شتي‏.‏

والسؤال هنا‏:‏ هل
سبق لهؤلاء الأتباع أن وجهوا رسالة للرئيس جورج بوش استنكروا فيها هذه
الجرائم‏,‏ وطالبوا بإيقافها؟ لم يحدث ذلك علي الإطلاق لأنهم ومؤسساتهم
كانوا يتمتعون بالتمويل الأمريكي الموجه لدعم الديمقراطية وحقوق
الإنسان‏!.‏ ومعني ذلك أنهم يفتقرون إلي التكامل الأخلاقي لأي ناشط سياسي
يدعي أنه يناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان‏,‏ وليس سعيا وراء
الثراء غير المشروع من أموال المعونة الأمريكية‏!‏

ويتحدث الخطاب
في فقرة أخري عن السياسة الأمريكية الخاطئة التي استمرت حوالي نصف قرن‏,‏
والتي تمثلت في دعم الأنظمة العربية التسلطية حفاظا علي المصالح القومية
الأمريكية‏(‏ أين المثاليات الأمريكية إذن؟‏).‏

ويشيرون إلي أن
الرئيس السابق بوش قد خانهم بعد أن وعدهم بدعم مسيرة الديمقراطية العربية
ودعم الناشطين السياسيين‏(‏ أي إغراءهم بأموال المعونة الأمريكية‏)‏ لأنه
سرعان ما تخلي عن وعده‏!.‏ أليس في هذه الفقرة خداعا للذات‏,‏ وتضليلا لمن
يقرأ الخطاب؟‏.‏ هل بوش الذي مارس جرائم الحرب في العراق هو الذي سيدعم
الديمقراطية في العالم العربي؟‏.‏ إن الرئيس الأمريكي السابق قد مارس خرق
حقوق الإنسان ليس ضد العرب فقط‏,‏ ولكنه ضد مواطنيه الأمريكيين أيضا بعد
أن أصدر قانون الوطنية بعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ والذي يبيح للسلطات الأمنية أن
تتنصت علي المكالمات التليفونية للمواطنين الأمريكيين بدون تصريح من
المحكمة‏,‏ وأن يقبض علي المشتبه فيهم للإرهاب‏,‏ بل وأخطر من ذلك إصداره
تشريعا يبيح تعذيب المتهمين بالإرهاب‏!‏

هل بعد هذا السجل الحافل
بخرق حقوق الإنسان‏,‏ يصح أن يلجأ اليه أحد الناشطين المزعومين المشهورين
في مجال حقوق الإنسان في جنيف‏,‏ ليطلب منه إنقاص المعونة الأمريكية
لمصر‏,‏ باعتبار بوش رائد الديمقراطية في العالم عموما وفي العالم العربي
خصوصا؟

وبكل أدب قرر الموقعون علي الخطاب في عبارة مهمة أن كل ما
يرغبون فيه من إدارتكم‏(‏ الخطاب موجه للرئيس أوباما‏)‏ هو الالتزام
بتشجيع الإصلاح السياسي ليس عن طريق الحروب والتهديدات ولكن عن طريق
سياسات سليمة تهدف إلي مكافأة الحكومات التي تخطو خطوات جادة تجاه إصلاح
ديمقراطي حقيقي‏.‏ وهذه العبارة المهمة تتضمن اعترافا صريحا بأن الولايات
المتحدة الأمريكية قامت بالحروب والتهديدات تحت زعم أنها تريد فرض
الديمقراطية في العالم العربي؟‏.‏ هل سبق في التاريخ أن فرضت الديمقراطية
بالقوة أو عن طريق الغزو العسكري كما حدث في العراق؟

وما هي حكاية
الطلب من أوباما باعتباره سلطان الوجود الذي يمنح ويمنع بمكافأة الحكومات
التي تخطو خطوات جادة في الإصلاح الديمقراطي؟‏.‏ أليس في هذا الطلب تخاذلا
واضحا واعترافا بأن للولايات المتحدة حق أن تعاقب وأن تكافئ الدول العربية
حسب تقديرها هي وليس غيرها‏,‏ لحسن سيرها وسلوكها في الإصلاح السياسي‏!.‏
وأليست في ذلك دعوة صريحة لكي تمارس الولايات المتحدة الأمريكية سيطرة
استعمارية جديدة علي العالم العربي باسم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق
الإنسان؟

ويلفت النظر أخيرا في هذا الخطاب المشبوه الموجه للرئيس
أوباما‏,‏ دعوة للاعتراف بالحركات الإسلامية وحقها في الاشتراك في الحكم
من خلال قبولها بالممارسة الديمقراطية‏,‏ والادعاء بأنه لا يمكن استبعاد
أكبر جماعات المعارضة في المنطقة‏(‏ ويقصدون جماعة الإخوان المسلمين‏)!‏

ما
شأن الرئيس بالحركات الإسلامية والإخوان المسلمين ودعوته للتعاون معهم بل
وفرضهم فرضا علي السياسة العربية؟‏.‏ أليست هذه دعوة صريحة لاستدعاء
التدخل السياسي في الشئون الداخلية للبلاد العربية؟

وفي سبيل إقناع
الرئيس أوباما بالتحرك لكي يلبي مطالبهم الهزيلة اقتبسوا فقرة من رسالة في
خطاب تنصيبه رئيسا للجمهورية قال فيها‏:‏ لأولئك الذين يتمسكون بالسلطة عن
طريق الفساد والخديعة وإسكات الرأي المخالف‏,‏ أقول اعلموا أنكم في الجانب
الخاطيء من التاريخ‏,‏ ولكننا سنمد أيدينا إليكم إذا كنتم مستعدين لأن
ترخوا قبضتكم‏.‏

لم يدرك الناشطون السياسيون المزعومون الموقعون
علي الخطاب‏,‏ أن هذه الفقرة بالذات المقتبسة من خطاب أوباما تنطبق أكثر
ما تنطبق علي حكم الرئيس السابق جورج بوش‏,‏ الذي استمر ثماني سنوات
اعتمادا علي الفساد والخديعة وإسكات الرأي المخالف‏!‏ ألم تتعمد الإدارة
الأمريكية علي لسان الجنرال باول في مجلس الأمن الكذب بصدد امتلاك العراق
أسلحة دمار شامل تبريرا للغزو العسكري الأمريكي للعراق؟ وألم يمارس تشيني
الفساد العلني في العقود التي أرساها علي شركته السابقة لإعمار العراق
ونهبت فيها بلايين الدولارات؟‏.‏ وألم يحرص الرئيس بوش علي إسكات الرأي
الأمريكي المعارض للحرب بتهمة عدم الوطنية؟

وأخيرا يمكن القول إن
تحليل هذا الخطاب الموجه إلي أوباما من قبل هؤلاء الناشطين السياسيين
المزعومين الذين يناضلون نضالا مستميتا من أجل الحصول علي التمويل
الأمريكي‏,‏ يكشف عن انتهازية سياسية وخداع للذات‏,‏ وتصوير مزيف للولايات
المتحدة الأمريكية بأنها تتمتع بقوة القيم والمثل الديمقراطية الأمريكية‏.‏

أمام
الرئيس أوباما في الحقيقة تحديات خطيرة لكي يثبت أنه قادر علي إعادة صياغة
السياسة الخارجية الاستعمارية الأمريكية‏,‏ التي قامت علي أساس العدوان
علي الشعوب وخرق حقوق الإنسان‏.‏

ونقول له بكل التمنيات الطيبة أفلحت إن صدقت‏!‏