قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

هناك قضيتان علي درجة كبيرة من الأهمية
إذا تمت الإجابة عنهما. فإن ما يثيره البعض ضد نقل وزراعة الأعضاء. أو كما
يسميها البعض "غرس الأعضاء". سوف يتلاشي ولا يبقي لأكثره أثر. وهاتان
القضيتان هما: هل للإنسان حق التصرف في بدنه. وإذا كان له هذا الحق. فهل
يصلح هذا الحق للانتقال إلي ورثته؟. وتلك هي القضية الأولي. أما القضية
الثانية فهي تختص بنوع التصرف الذي يجوز أن يمارسه الإنسان علي أعضاء
بدنه. وهل هو البيع أو الهبة؟ وما الفرق بينهما في جواز القيام بهما أو
عدمه؟. ونبدأ في مقال اليوم ببيان القضية الأولي فنقول: إنه ليس صحيحاً ما
يقال إن الإنسان يجوز له أن يتصرف في بدنه. لأنه ملك لله عز وجل. أو ما
يترتب علي تلك المقدمة من انه إذا كان لا يملك بدنه فلا يجوز له التصرف
فيه. لأن ملكية الله لبدن الإنسان لا يعني انه مسلوب الإرادة تجاه التعامل
مع بدنه علي الأقل. بما يحفظه ولا يعرضه للتهلكة التي جعل الله الإقدام
عليها عملاً إرادياً نهي عنه بقوله تعالي: "ولا تلقوا بأيديكم إلي
التهلكة". ومن المعلوم ان الكون كله ملك لله عز وجل. قال تعالي: "لله ملك
السماوات والأرض". ومع ذلك أباح للإنسان أن يتصرف فيما يملكه منه. وأن
يبذل ما هو مستحق عليه وذلك بقوله تعالي: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين
فيه". كما أضاف المال إلي عباده بقوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم". وقوله
تعالي: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم". ومن ثم كانت إضافة الملك لله لا
تمنع التصرف في الكون. فكذلك الحال في النفس.

وقد أباح الشارع للإنسان كثيراً من التصرفات التي يباشرها بإرادته
علي بدنه ومنها حفظه من المهالك. وذلك باتخاذ قرار علاجه من الأمراض التي
تحل به بالاتفاق مع الطبيب المعالج ولولا إرادة المريض ما صح عمل الأطباء.
بل ولأصبح جريمة يعاقبون عليها. وأباح للإنسان أن يعفو عن قطع عضو من
أعضائه بالتنازل عن حقه في القصاص أو الدية. ورغب في ذلك العفو ودعا إليه
بقوله: "وإن تعفو أقرب للتقوي ولا تنسوا الفضل بينكم". وقال: "فمن عفي له
من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة".
وله أن يعفو عن القصاص في بدنه. إذا ضربه الجاني وسري الجرح فيه بما يؤدي
إلي هلاكه. فلا يجوز لورثته أن يطالبوا به. أو بالدية إذا كان المقتول قد
تنازل عنها قبل أن يقضي نحبه. والعفو عن القصاص والدية منه دليل علي صحة
تصرفه لأن للبدل حكم المبدل منه. ولو لم يكن لتصرفه اعتبار طالما أمر به
الشارع. وقد روي الترمذي انه صلي الله عليه وسلم قال: "من أصيب في عضو من
أعضائه فتصدق به رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة". وكما قال: "ما من رجل
يصاب في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة". وهنا أباح
الصدقة بأعضاء البدن وحث عليها بذلك الوعد الذي يغري بفعلها. وهذه الأدلة.
وغيرها تدل علي أن له حق التصرق في أعضائه حال حياته. وما يملك الإنسان
التصرف فيه حال حياته ينتقل إلي ورثته بعد مماته.