ظاهرة اجتماعية جديدة بقلم : مكرم محمد أحمد

من طرف سعود الإثنين مارس 16, 2009 12:14 pm

نقطة نور
بقلم : مكرم محمد أحمد

ظاهرة اجتماعية جديدة

يستحق
نضال أسر ضحايا العبارة تقدير المجتمع المصري وإعجابه‏,‏ لتصميمهم الشجاع
علي ملاحقة المتهمين في قضية غرق العبارة كي تأخذ العدالة مجراها‏,‏ ويتم
عقاب الجناة‏,‏ وأولهم صاحب العبارة الذي كان أول من علم بغرقها فور وقوع
الحادث‏,‏ لكنه أنكر ذلك متعمدا تهربا من المسئولية‏,‏ كما ثبت في يقين
محكمة الاستئناف التي نقضت حكم البراءة الأول وأصدرت حكمها الغيابي
بسجنه‏7‏ سنوات مع الأشغال الشاقة‏.‏

صحيح أن جزءا كبيرا من الفضل
يعود إلي النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود‏,‏ الذي رفض حكم المحكمة
الابتدائية الذي صدر عن استدلال فاسد كما قالت مذكرة النيابة‏,‏ لكن إصرار
أهالي الضحايا علي الملاحقة القانونية للمتهمين‏,‏ ونجاحهم في تنظيم
جهودهم علي نحو مؤسسي‏,‏ وتشكيل جماعة مدنية مترابطة ذات هدف واضح
ومحدد‏,‏ تتابع القضية وتنشد العون القانوني من جمعيات المساعدة
القانونية‏,‏ وتنتظم في حضور جلسات المحكمة علي الرغم من أنهم ينتمون إلي
أماكن مختلفة ومتباعدة‏,‏ يمثل دلالة تطور مهم في حياة المجتمع المصري‏,‏
تؤكد القدرة المتزايدة لجماعات المجتمع المدني علي المساهمة في تغيير
المجتمع نحو الأفضل‏,‏ وإخراج المواطن المصري من سلبيته المعتادة‏,‏
وتنظيم جهوده في عمل جماعي مشروع ينشد تغيير الأمر الواقع‏,‏ وإنقاذ
القانون علي وجه صحيح‏.‏

وعندما أصدرت محكمة الاستئناف حكمها الذي
قطع بأن صاحب العبارة علم بالحادث فور وقوعه‏,‏ وكشفت في حيثياتها الوقائع
والملابسات التي تؤكد أن حكم الاستئناف هو عنوان الحقيقة بالفعل‏,‏ جاء
الحكم انتصارا للعدالة‏,‏ وانتصارا لحقوق هؤلاء البسطاء الذين صمدوا في
معركة طويلة‏,‏ قاوموا فيها كل ما تعودوا عليه منذ أزمان طويلة من
اللامبالاة والسلبية والإحساس بالعجز والإحباط إزاء قوة الآخر‏,‏ والتسليم
المسبق بالواقع المر دون محاولة تغييره‏!‏ وتكاد ترسم الفرحة العارمة التي
اعتلت الوجوه المكدودة لهؤلاء البسطاء فور النطق بالحكم حجم إحساسهم
الجديد بأنهم حققوا نصرا مهما‏,‏ تغلبوا فيه أولا علي ضعفهم الموروث‏,‏
ليصبحوا أكثر قوة وتصميما علي ملاحقة المتهمين في كل الجرائم الأخري التي
انطوي عليها حادث غرق العبارة‏,‏ ابتداء من عدم صلاحية العبارة‏,‏ إلي
تزوير مستندات التشغيل التي لم يتسلمها قرار الاتهام في القضية‏.‏

وأظن
أن من واجب مؤسسات المجتمع المدني في مصر أن تقدم العون لهذا التجمع
المؤسسي في نضاله المشروع ضد سطوة الفساد في مصر إلي أن تصل يد العدالة
إلي كل الذين ساعدوا في وقوع المأساة‏,‏ ويسروا الطريق أمام تشغيل وسيلة
نقل جماعي لا تملك أدني مواصفات الأمان والسلامة‏,‏ تسبب غرقها في
موت‏1024‏ مواطنا‏,‏ راحوا ضحية الإهمال والتراخي وسطوة النفوذ المتزايد
لبعض أصحاب المصالح علي بيروقراطية الدولة ومؤسساتها‏,‏ وأظن أيضا أن نجاح
هذا التجمع الأهلي في ملاحقة الجناة إلي أن ينالوا عقابهم‏,‏ يشكل بادرة
جديدة تستحق التشجيع كي ينهض المجتمع المدني بدوره في الحفاظ علي حق
المجتمع في أن يكون طرفا فاعلا في تعزيز سبل الرقابة والإصلاح‏.‏

mmahasabo@yahoo.com