ســـيرة الحـــبايب بقلم : يوسف القعيد

من طرف ديانا الإثنين مارس 16, 2009 12:31 pm

ســـيرة الحـــبايب
بقلم : يوسف القعيد

لا
أحب المقدمات الطويلة للكتب‏,‏ فالمقدمة عتبة للنص‏,‏ وعلي الرغم من ضخامة
الكتاب نحو ستمائة صفحة من القطع الكبير‏,‏ مع غلاف مجلد تجليدا فاخرا‏,‏
إلا ان مقدمته لاتزيد علي ثلاثة أسطر وثلاث كلمات‏,‏ تقول فيها أنه ليس
تاريخا ولكنه تحليق‏.‏

وكتاب سناء البيسي الجديد‏,‏ يحلق مع‏55‏
شخصية من قلب مصر‏,‏ وقد قرأته تحت عنوان من عندي‏:‏ في مديح ألا يكون
الصحفي رئيسا للتحرير‏,‏ فمنذ أن تفرغت للكتابة فقط هذا ثاني كتاب
تصدره‏,‏ لم أعثر علي الكتاب السابق عليه‏,‏ ولكن تكفي قراءة هذا الكتاب‏.‏

لست
من هواة استعراض الكتب من الجلدة للجلدة سأتوقف فقط أمام بعض من عرفتهم
شخصيا من الذين كتبت عنهم‏,‏ عندما كتبت عن بنت الشاطئ قالت انها تحدت كل
شيء‏,‏ ولكنها لم تستطع تحدي الحب‏,‏ قالت بنت الشاطئ عن الحب‏:‏ الزواج
من الطبيعي ان يسبقه الحب‏,‏ ولقد كنت أتمثله وأنا في الطريق اليه‏,‏ وكنت
ألقاه قبل أن ألقاه‏,‏ وبالفعل قد تزوجته علي ضرة‏,‏ ولكني حينها نضجت علي
هذه السن التي تمنعني ضرة من لقائه كنت أشب وأرتفع لأصل اليه‏,‏ والحب
والكره داخلان في علوم أصول الفقه‏.‏ ومما قاله الشاطبي في الموافقات‏:‏
القلوب بيد الله‏.‏

وتقول بنت الشاطئ عن الشيخ أمين الخولي‏:‏
ـ
لقد مضي وبقيت‏,‏ رحل الزوج الذي كان لا يناديني إلا بالأستاذة‏,‏ ولا
يجري ذكري علي لسانه إلا بالدكتورة‏,‏ وعلي عيني حملوه من دارنا الي غير
عودة‏,‏ ومضوا به إلي قريته شوشاي في ريف المنوفية‏,‏ فدفنوه في ترابها
الذي جاء منه وإليه كان المآب‏.‏

وقد حسدت من قالت لها هذا
الكلام‏,‏ سمعت صوتها فقد زاملتها في أخريات عمرها في شعبة الثقافة
بالمجالس القومية المتخصصة‏,‏ ولم أسمع منها سوي الهمهمة والغمغمة‏,‏ كانت
الأحرف تخرج من بين شفتيها مهشمة متآكلة‏,‏ وقد فقدت ملامحها الصوتية‏,‏
لدرجة اني قلت عنها أنها تمثل لي بلاغة الصمت‏.‏

تلخص فتحي غانم في
جملة من أربع كلمات‏,‏ قلم لم ينصفه أحد‏,‏ أعجبني وصفها له الذي استعارته
من قول نجيب محفوظ عنه‏,‏ انه أهم الروائيين المصريين‏,‏ وان كان السبب
الذي يسوقه نجيب محفوظ لذلك‏,‏ ان فتحي غانم استطاع ان يجمع ام كلثوم وطه
حسين ويوسف وهبي ومختار وعبد الوهاب والحكيم وزكي طليمات في كتاب واحد‏.‏

وهو
سبب غريب لأن الكتاب ليس رواية ولا مجموعة للقصص القصيرة‏,‏ ولكنه أقرب
للدراسات‏,‏ يعترف فتحي غانم‏:‏ حاولت طرح الأسئلة أكثر من وصولي لإجابات
لأن طرح السؤال الصحيح أهم من الوصول لإجابة قد تكون خاطئة‏.‏

تقول
إن فتحي غانم أجري حوارا مع الروائي الأمريكي الأشهر‏:‏ وليام فوكنر‏,‏
وفي الأساطير الأمريكية عن فوكنر انه لم يجر حوارات صحفية سوي حوار واحد
مع صحفي أمريكي بعد حصوله علي نوبل مباشرة‏,‏ وتنسب لمارلين مونرو بطولة
فيلم‏:‏ البعض يفضلونها شقراء‏,‏ ويبدو أنها لم تحب استخدام الكلمة
الأصلية‏,‏ ساخنة‏,‏ اما الان فمعظم أبطال فتحي غانم يحملون اسم يوسف‏,‏
وسناء البيسي تعتقد ان هذا يعود إما بسبب كسل فتحي غانم وانعدام رغبته في
البحث عن سماء جديدة‏,‏ أو انه عائد لسيدنا يوسف‏.‏

وربما ان فتحي
غانم لم يحاول التشبه بتوفيق الحكيم الذي اطلق اسم محسن علي معظم
أبطاله‏,‏ ولكن السبب الحقيقي أبعد من الأسباب التي ذكرتها سناء البيسي‏,‏
وكما قال لي فتحي غانم نفسه‏,‏ ان شقيقه الأكبر كان اسمه يوسف‏,‏ وقد مات
مبكرا مما زلزل كيان فتحي في بكارته الأولي‏,‏ لذلك منحه معظم أسماء
أبطاله‏.‏

في هذا الكتاب استعادة لأجزاء كبيرة من سيرة المؤلفة‏,‏
عندما تتداخل مع سير الحبايب الذين تكتب عنهم‏,‏ كان بودي ـ ولا ضيق
المساحة ـ ان اتوقف أمام فصولها عن صلاح عبد الصبور ولويس عوض وجمال حمدان
ويوسف ادريس وصلاح حافظ وباشا الصحافة فكري باشا أباظة‏,‏ والأهم الفصل
الذي أعتبره درة الكتاب‏,‏ المكتوب عن محمد التابعي‏,‏ مؤسس الصحافة
الحديثة في مصر‏.‏

بقي لي أن أعبر عن دهشتي من عدم الكتابة عن نجيب
محفوظ‏,‏ سألت نفسي اين نجيب محفوظ في سير حبايب سناء البيسي‏,‏ كانت لها
تجربة معه‏,‏ تقول في فصلها عن يوسف ادريس وعنوان آل يوسف إدريس انه في
عام‏1990‏ صدرت مجلة نصف الدنيا فإذا العملاق نجيب محفوظ يقرر ان يمنحها
كل ما يجود به قلمه‏,‏ ليكون حكرا علينا وحدنا‏,‏ وقد وفي معه نجيب محفوظ
بعهده ووعده وقاوم كل الطلبات التي كانت تتعدي حدود الإلحاح عليه للحصول
ولو علي حلم واحد من هذه الأحلام‏,‏ بل إن دار الشروق عندما قررت نشر
الأحلام في كتاب اختارت سناء البيسي لتكتب مقدمة الأحلام التي كتبتها علي
شكل رسالة لصاحب الفخامة الحائز علي نوبل‏,‏ تحية طيبة وبعد‏.‏

وتصف بإسهاب سعادتها بعد ان حمل لها مرسال نجيب محفوظ الحاج محمد صبري الحلم الأول بعد المائة الثانية‏.‏

أكثر
من هذا لقد دون نجيب محفوظ لها بخط يده الأغاني التي كان يعجب بها في
مراحل من عمره المختلفة‏,‏ كان عنوان الملحق الذي احتوي الأغاني‏:‏
الأغاني والأحلام‏,‏

ومع هذا لايوجد فصل عنه‏,‏ فهل تدخر نجيب محفوظ لكتاب عنه بدلا من فصل من كتاب؟