عباس العقاد‏...‏ في ذكراه بقلم : د‏.‏ عبدالمرضي زكريا خالد

من طرف ديانا الإثنين مارس 16, 2009 12:32 pm

عباس العقاد‏...‏ في ذكراه
بقلم : د‏.‏ عبدالمرضي زكريا خالد
كلية التربية عين شمس

عملاق
الفكر العربي والإسلامي في ذكراه الخامسة والأربعين ولد العقاد بأسوان سنة
تسع وثمانين وتسعمائة وألف لأسرة مصرية متوسطة الحال‏,‏ والتحق بالكتاب‏,‏
ثم بالمدرسة الابتدائية التي تخرج فيها سنة‏1903‏ م‏,‏ وأكمل دراسته بنفسه
معتمدا علي عبقريته الفذة‏,‏ وذهنه الخصب‏,‏ ومواهبه المتفتحة‏,‏ وفكره
المتوهج‏.‏

ويعد العقاد بحق رائدا من رواد التنوير في تاريخنا
الحديث‏,‏ بل لا نبالغ إذا قلنا إنه أحد الرواد القلائل الذين تمكنوا
باقتدار من إقامة جسور قوية بين أدبنا العربي الحديث والآداب العالمية من
خلال استيعابه هذه الآداب‏,‏ بل هضمها وتكوين رأي خاص به صوبها‏,‏ فوجدناه
ـ من خلال مقالات عدة نشرت ببعض الصحف نحو‏:‏ الدستور والمقتطف والبلاغ
ومجلة الكاتب‏..‏ وسواها ـ يرفض أغلبها‏,‏ ويتفق مع بعضها‏,‏ مما جعله
مبشرا بأحدث المفاهيم والنظريات المطروحة فيما هو معروف الآن بالأدب
المقارن‏,‏ ونظرية الأدب‏,‏ ولا تزال ـ في حدود علمنا ـ بعض هذه المقالات
مبثوثة في ثنايا الصحف والمجلات التي أومأنا إليها آنفا‏,‏ مما لم يضمه
كتاب بعد‏.‏

وقد وطد العقاد علاقاته بمثقفي عصره‏,‏ كما التحم
بصديقيه‏:‏ إبراهيم المازني‏,‏ وعبدالرحمن شكري‏,‏ وعمل بوظائف حكومية
عدة‏,‏ واشتغل بالصحافة وكان من أبرز كتاب جريدة البلاغ السياسية‏;‏ إذ
قاد بمقالاته تلك معارك ضارية وكتاب الأحزاب السياسية الأخري‏,‏ مما يمكن
من القول بأن هذه المعارك ارتقت بفن الهجاء‏,‏ فلم يعد هجاء شخصيا‏,‏ بل
أصبح هجاء سياسيا حزبيا‏,‏ يستمد من المبادئ العامة‏,‏ ومن فكر راق نشيط
بتعبير المرحوم الدكتور شوقي ضيف‏(‏ الأدب العربي المعاصر في مصر‏).‏

والمتتبع
لما خلفه العقاد يلحظ في يسر وسهولة أن كتاباته تشف عن ثقافة واسعة‏,‏
بحيث يمكن رؤية العالم كله من خلالها‏,‏ بل بوسع قارئه أن يجوب الأرض من
أقصاها إلي أقصاها‏,‏ ويصول في دوحة هذه الثقافة ويجول بوصفه سائحا
لسماوات وعوالم مجهولة لا أول لها ولا آخر‏.‏

وآية ما أومأنا إليه
تمثيلا لا حصرا كتابه عن نبي الإسلام محمد بن عبدالله‏,‏ أو كتابه عن عيسي
بن مريم‏(‏ عليهما الصلاة والسلام‏),‏وكتابه عن ابراهيم عليه
السلام‏.‏ويضاف إلي تلك المؤلفات مؤلفاته الأخري التي تلج بك إلي عهد
الدولة الإسلامية الشامخة المزدهرة‏,‏ وذلك العصر الذي يمثل الإسلام في
ثوبه القشيب‏,‏ فتشرف بلقاء أولئك الذين أقاموا صرح هذه الدوحة المباركة
بالحق والإيمان‏,‏ فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس

هذا‏,‏ ولن
تتوقف متعتك وثقافة العقاد في إطار حديثه عن رجالات الدولة الإسلامية
فحسب‏,‏ بل ستجد نفسك منقادا إلي دراسات وبحوث أخري يضعك عملاق فكرنا
العربي والإسلامي فيها وجها لوجه مع التفكير الإنساني في شتي مجالاته
وآفاقه من خلال شخصيات عالمية مثل‏:‏ بيكون‏,‏ شكسبير‏,‏ برنارد شو‏,‏
جيته‏,‏ نوبل‏,‏ غاندي‏,‏ وفرانكلين‏.‏

وبوسعك أيها القارئ الكريم
مطالعة مؤلفاته التي تحملك إلي الفخر بمآثر الآباء والأجداد‏,‏ أولئك
الذين سطعت شمسهم‏,‏ فكان لهم الفضل الكبير‏,‏ والأثر العظيم علي حضارة
الغرب علي نحو ما كتبه عن شخصيات‏:‏ ابن سينا‏,‏ ابن رشد‏,‏ الغزالي‏,‏
ابن الرومي‏,‏ أبي نواس‏,‏ عمر بن أبي ربيعة‏,‏ وجميل بثينة‏,‏ وما كتبه
عن زعماء الإصلاح الاجتماعي والديني في عصرنا الحديث أمثال‏:‏ جمال الدين
الأفغاني‏,‏ ومحمد عبده‏,‏ والزعيم الوطني سعد زغلول‏.‏

ويطول بنا
المقام في دعوة القراء إلي مؤلفات العقاد التي تحقق متعة التفكير في
القدرة الإلهية‏,‏ وما وراء هذه القدرة من تأملات وفلسفات وغيرها مما يقدم
لك الفن والجمال في أرق صوره وأرقاها‏,‏ إلي أنموذجيه في السيرة
الذاتية‏(‏ أنا وحياة قلم‏),‏ فضلا عن تراثه الشعري الذي بلغ أحد عشر
ديوانا‏,‏ وحسبنا ما قاله الدكتور محمد أبو الأنوار في صفحة الأهرام
الأدبي مارس‏1996:..‏ والعقاد الشاعر حتي الآن لم تصل كثرة من المشتغلين
بالأدب والنقد إلي أسراره الفنية‏,‏ ويقولون عنه ما قيل عن أبي تمام‏,‏
فيما حكاه وسجله أبو بكر الصولي لعجزهم عن فهم فنه‏.‏

ولك أن تلتقي
بوجه آخر من وجوه عبقرية العقاد‏,‏ نعني العقاد الناقد الأدبي‏,‏ صاحب
نظرية وضعت النقد العربي علي طريقه الصحيح في عصر النهضة الأدبية
الحديثة‏;‏ بما أثاره ونقلت الصراع المحتدم بين القديم والجديد من أفقه
الضيق المحدود إلي أفق أكثر اندياحا‏,‏ وأرحب سعة‏,‏ مما كان له أعمق
الأثر في أن يصبح هذا الصراع جزءا لا يتجزأ‏,‏ بل لا مناص منه في تكويننا
الأدبي‏.‏

ليس من المبالغة إذن القول إن العقاد ـ بما خلفه ـ كان
وما زال دائرة معارف متجددة‏,‏ وموسوعة فكرية متكاملة يمكن للقارئ أن يعول
عليها في جوانب المعرفة كلها‏;‏ ليجد غذاءه الثقافي والروحي‏.‏

وبدهي
أن من زادت مؤلفاته علي مائة كتاب‏,‏ يضاف إليها مقالاته التي لم تجمع ولم
تنشر في كتاب مستقل بعد‏,‏ بدهي أن يتعرض لهجمات عاتية ظالمة من قبل حساده
وحاقديه‏,‏ بيد أنه يكفينا في هذا المقام ما أثر عن العقاد نفسه في الرد
علي هؤلاء بقوله‏:‏ حمدا لله أولا‏;‏ لأنه أرسل علي السيوف المشروعة من كل
جانب‏,‏ ولكنه أسبغ علي الدروع التي تتكسر عليها تلك السيوف‏.‏